هل سينتهي حلم الأكراد بالاستقلال مع نهاية عهد مسعود بارزاني؟
تحرير وترجمة: نون بوست
بعد أسابيع من الفوضى في شمال العراق، بسبب رد حكومة بغداد العنيف على محاولة استقلال الأكراد من خلال إعادة احتلال المناطق التي سيطر عليها الأكراد خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، تتجلى حقيقة واحدة ألا وهي أن الزعيم الكردي مسعود بارزاني هو الطرف الأكثر تضررا من مجريات هذه الأحداث.
في هذا السياق، أكّد مصدر من مكتب الزعيم الكردي العراقي في مقابلة مع مجلة “نيوزويك” اليوم الأحد، أن “بارزاني لن يمدد فترة رئاسته في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وأضاف المصدر ذاته أن “الرئيس بعد ذلك لن يضطلع بأي مهام” رئاسية حتى انتهاء فترة ولايته ولن يقبل أي تمديد آخر”.
يوم الأحد، كتب الزعيم الكردي، البالغ من العمر 71 سنة، رسالة إلى البرلمان الإقليمي لاطلاع المشرعين على قراره بإنهاء رئاسته للمنطقة المتمتعة بشبه حكم ذاتي، والتي قادها منذ سنة 2005. وقد جاء في نص هذه الرسالة، وفقا لما ورد في تغريدة للحزب الديمقراطي الكردستاني، أحد الأحزاب الرئيسية في السياسة الكردية إلى جانب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس له، أن “مسعود بارزاني يرفض الاستمرار في منصب رئيس المنطقة بعد غرة تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكنه سيبقى من البيشمركة”، مشيرا بذلك إلى الميليشيات الكردية التي كان عضوا فيها منذ زمن طويل.
يوم 22 أيلول/ سبتمبر من سنة 2017، ألقى الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني خطابا خلال مسيرة حث فيها الناس على التصويت في استفتاء الاستقلال القادم الذي سيُعقد في أربيل، عاصمة إقليم كردستان المستقلة، الواقعة شمالي العراق
باعتباره ابن القومي المخضرم الكردستاني، مصطفى بارزاني، شارك مسعود في النضال الكردي منذ كان في سن السادسة عشر، عندما انضم إلى البيشمركة. وقد تولى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني إثر وفاة والده سنة 1979، إلى جانب شقيقه إدريس بارزاني، الذي توفي سنة 1987.
يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2016، عقد الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني، والزعيم الشيعي عمار الحكيم، الذي يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، مؤتمرا صحفيا مشتركا على قمة جبل زردك، حيث يحتل مقاتلو البيشمركة موقعا خلال المعركة ضد تنظيم الدولة، الذي يهدف لاستعادة السيطرة على محور الموصل الرئيسي
خلال السنوات المنفى في إيران، كان بارزاني عضوا في الميليشيات الكردية، كما شارك في حرب العصابات مع صدام حسين، علما بأنه استخدم سنة 1988 الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة. وبعد محاربة البيشمركة إلى جانب الولايات المتحدة خلال حرب الخليج الأولى، تمكّن الأكراد من إقامة دولة شبه مستقلة في شمال العراق، فضلا عن إجراء انتخابات خلال سنة 1992.
عندما قام الحزبان الكرديان، أي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، بتقسيم الأصوات أصبح الاقتتال الداخلي بين الحزبين حربا أهلية دموية لم تنته إلا بحلول سنة 1998. وعلى إثر تلك الحرب، قُسمت الأراضي الكردية بين الاتحاد الوطني الكردستاني الذي حصل على جنوب شرق كردستان العراق؛ والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تولى السيطرة على الشمال الغربي. وبعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، تم التوفيق بين الطرفين وانتُخب بارزاني رئيسا للحكومة الإقليمية في كردستان العراق.
في الواقع، لم يُضيع برزاني أي وقت في الدفع من أجل حصول الأكراد على الاستقلال الذاتي في العراق. فخلال سنة 2005، تمّ إجراء استفتاء حول الاستقلال الذي صوت فيه قرابة 98.8 في المائة من السكان لصالح الانفصال. ولكن دائما ما كانت جهود بارزاني المبذولة لإقامة حكومة مستقلة تبوء بالفشل بسبب ضغوط الولايات المتحدة (التي كانت تخشى سقوط العراق في الفوضى إذا انفصل عنها الأكراد)، فضلا عن تركيا وإيران وسوريا، التي تؤرقها إمكانية أن تنسج مجتمعاتها الكردية الكبيرة على منوال أكراد العراق.
التزام برزاني الحاسم بالقومية الكردية كان في نهاية المطاف سببا في سقوطه وانهياره
لسنوات، استمر نجم بارزاني في الارتفاع ووصل ذروته بين سنتي 2014 و2016 عندما أظهرت القوات الكردية فعاليتها وقيمتها في المنطقة خلال المعركة ضد تنظيم الدولة، الذي اجتاح مساحات واسعة من شمال العراق، وافتك الكثير من القرى والمدن من أيدي القوات العراقية. وخلال مرحلة معينة، كان يُعتبر الأكراد القوة الوحيدة في العراق القادرة على قهر تنظيم الدولة.
من جانب آخر، أصبح بارزاني شخصية بارزة في حملة هزيمة تنظيم الدولة، حيث تعهد “بمحاربة الإرهابيين حتى آخر نفس”. لذلك، رشّحته مجلة تايم الأمريكية ليكون شخصية العام. وفي تلك المسابقة، حصل على المركز الثاني، حيث وصفته المجلة أنه رجل عاش حياته “لتاريخ شعب يبدو أن وقت صعوده قد حان أخيرا”.
على الرغم من سيطرة عائلته على السياسة الكردية (مثل ابنه مسرور، الذي كان نفوذه داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وادعاءات الفساد والمحسوبية التي طالت مسعود بارزاني منذ فترة طويلة، الذي انتهت فترة رئاسته رسميا سنة 2015، إلا أن سنوات القتال في حرب العصابات تأييدا للقضية الكردية، جعلته بطلا في أعين ملايين الأكراد.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن التزام برزاني الحاسم بالقومية الكردية كان في نهاية المطاف سببا في سقوطه وانهياره. فعندما رفض التفاوض بشأن الاستفتاء الذي أُجري خلال شهر أيلول/ سبتمبر الذي لم يعترف به أي من حلفاء أربيل، ناهيك عن أعدائها، ردت حكومة العراق بقوة، واستولت على كركوك، وحقول النفط المربحة، وكذلك على معظم الأراضي التي افتكها الأكراد من أيدي تنظيم الدولة في شمال العراق.
يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، كان بعض الرجال يجلسون في متجر للبساط يعرض صورة رئيس كردستان مسعود بارزاني، يقع في المدينة القديمة التي توجد في أربيل، العراق
خارج كردستان العراق، سوف يتذكر الجميع آخر خطوة متهورة أقدم عليها بارزاني، إن لم تكن حمقاء، لأنه من الأرجح أنه بدد أفضل فرصة لدى الأكراد العراقيين للحصول على الاستقلال، الذين كانوا يسعون للحصول عليه منذ أكثر من عقد من الزمن. في المقابل، سوف تكون نظرة الأكراد مختلفة جدا للخطوة التي اتخذها بارزاني، لأنهم من المتوقع أن يوجهوا اللوم للمجتمع الدولي، الذي استخدم الأكراد لمصالحه ثم تخلى عنهم مرة أخرى.
في شأن ذي صلة، يبدو أن بارزاني سيخرج من السياسة الكردية بعد شهر واحد من وفاة المقاتل الكردستاني المخضرم، جلال طالباني، الذي كان يشغل منصب زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس العراق بين الفترة الممتدة بين سنة 2005 و2014. ومع ترك هذين الرجلين المشهد السياسي العراقي، اللذان كانا من عمالقة السياسة العراقية، انتهى عصر كامل من التاريخ الكردي. وفي الوقت الراهن، يواجه الأكراد مستقبل صعبا وضبابيا، ليس فقط في العراق، ولكن في سوريا وتركيا وإيران أيضا.
المصدر: مجلة نيوزويك