أثار إعلان وزير الاتصال الجزائري جمال كعوان إعادة النظر في قانون اعتماد القنوات السمعية البصرية الخاصة من جديد، جدلاً قديمًا حديثًا في البلاد عما إن كانت الحكومة ستستجيب حقًا للانشغالات التي رفعها مهنيو الإعلام أم أنها مناورة جديدة لربح مزيد من الوقت وهربًا للأمام تحت مبررات غير مقنعة.
ولا أحد يستطيع التكهن في الجزائر بالتاريخ الذي ستسمح فيه الحكومة بإنشاء قنوات تليفزيونية أو إذاعية خاصة وفق القانون الجزائري، بالنظر إلى الوعود العديدة التي أخلفتها سابقًا منذ اعتماد قانون الإعلام في 2012 الذي حمل في مواده مضامين تسمح بإنشاء تليفزيونات وإذاعات غير مملوكة للحكومة، لكن ربط ذلك بصدور القانون الخاص بهذه المؤسسات.
مؤسسات جزائرية أجنبية في بلادها
يتفق أهل الاختصاص على أن الحكومة الجزائرية لم تعدل قانون الإعلام 1990 في 2012 مخيرة بل مضطرة، فقد سارعت وقتها السلطة التي رفضت عدة مرات فتح مجال السمعي البصري إلى العدول عن انغلاقها بتعديل قانون الإعلام وقوانين أخرى كقانون الأحزاب والانتخابات والبلدية والولاية تحت ضغط موجة الربيع العربي التي مست الجارتين تونس وليبيا ودول عربية أخرى.
إعلان الحكومة أنها ستمنح الاعتماد فقط لـ7 قنوات، وهو ما لا يمكن من استيعاب القنوات الموجودة في الجزائر أو الطلبات التي ينوي تقديمها البعض الآخر من الإعلاميين ورجال الأعمال
وأعطى هذا القانون رغم الانتقادات التي وجهت له أملاً لفاعلي الإعلام في أن يقوموا بخطوات شبيهة بالتي حققتها الجزائر في قطاع الصحافة المكتوبة، فأنشأت صحيفة الشروق اليومي قنوات الشروق العامة والشروق نيوز وقناة بنة المختصة في الطبخ لتكون أكبر مجمع تليفزيوني خاص في البلاد، وأنشأت صحفية النهار قناة النهار الإخبارية و”النهار لك” التي توقفت بسبب فشلها تجاريًا وجماهيريًا، ولم تصمد قناة “كا بي سي” التابعة لصحيفة الخبر ذات الانتشار الواسع طويلاً، فتم حلها هذا العام بسبب ضائقة مالية.
وتنشط جميع القنوات الخاصة في الجزائر وفق القانون الأجنبي، فهي بالنسبة للحكومة قنوات أجنبية لها مكاتب في الجزائر، ولا تحوز سوى 5 قنوات على الاعتماد هي الشروق والنهار والجزائرية والهقار ودزاير التي يملكها رجل الأعمال علي حداد المقرب من الحكومة ومن محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حسب ما تردده الصحافة الجزائرية.
ولم تمنح الحكومة اعتمادًا لباقي القنوات رغم الطلبات التي تقدمت بها هذه الأخيرة إلى وزارة الاتصال لفتح مكاتب لها كقنوات أجنبية، غير أن جميع وزراء الاتصال المتعاقبين كانوا يتحججون بقرب طرح دفتر شروط إنشاء القنوات الخاصة، والذي لم ير النور سوى في الأيام الأخيرة وحمل شروطًا تعجيزية، إضافة إلى إعلان الحكومة أنها ستمنح الاعتماد فقط لسبع قنوات، وهو ما لا يمكن من استيعاب القنوات الموجودة في الجزائر أو الطلبات التي ينوي تقديمها البعض الآخر من الإعلاميين ورجال الأعمال.
إعادة نظر
بعد أقل من شهر من إصدار قانون إنشاء القنوات الخاصة، أعلن وزير الاتصال إرجاء الترخيص بفتح سبع قنوات، وذلك بمراجعة القرار المتعلق بفتح الإعلان عن الترشح لمنح رخص إنشاء خدمات البث التليفزيوني الموضوعاتية.
انتقد الفاعلون في قطاع السمعي البصري هذا القرار بشدة، والذي تضمن على سبيل المثال أن تكون القنوات التي تعطى لها التراخيص تبث بالتقنية التمثلية وليس تقنية البث ذات الجودة العالية “HD”
وقال كعوان للصحافة على هامش مراسم الاحتفال بالذكرى الـ55 لاسترجاع السيادة الجزائرية على التليفزيون والإذاعة الوطنيتين في 28 من أكتوبر 1962: “القرار المتعلق بفتح إعلان الترشح ستتم مراجعته من جديد مع الفاعلين المعنيين لتكييفه مع متطلبات المشهد الإعلامي الحاليّ للسمعي البصري الجزائري”.
وتضمن القرار المتعلق بفتح إعلان الترشح لمنح رخص إنشاء خدمات البث التليفزيوني الموضوعاتية تقديم الطالبات للحصول على 7 رخص لإنشاء 7 خدمات للبث التليفزيوني الموضوعاتية تتعلق بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (برامج للأخبار والروبورتاجات والتحليلات والتعليقات إضافة إلى النقاشات والندوات) والثقافية والشباب وفن الطبخ والاكتشافات والمسلسلات والأحداث الرياضية.
وأضاف كعوان أن القرار في الصيغة التي صدر عليها لا يستجيب لطموحات وسائل الإعلام الجزائرية وللتقدم الذي أحرزته في المجال السمعي البصري.
وأردف قائلاً “نحن عائلة واحدة ونحن في الاستماع إليهم ولقد أخذنا آراءهم بعين الاعتبار، وسنعيد دراسة هذا الملف ليكون متماشيًا مع التطور الكبير في مجال السمعي البصري والتكنولوجيات”، وأكد أنه “استجابة لطلبات وملاحظات أسرة السمعي البصري الجزائرية ستتم مراجعة القرار المتعلق بفتح إعلان الترشح لأننا أخذنا طلباتهم بعين الاعتبار”.
وانتقد الفاعلون في قطاع السمعي البصري هذا القرار بشدة، والذي تضمن على سبيل المثال أن تكون القنوات التي تعطى لها التراخيص تبث بالتقنية التمثلية وليس تقنية البث ذات الجودة العالية “HD”، ومجمع الشروق هو الوحيد الذي تبث قنواته الثلاثة بالتقنيتين التماثلية وذات الجودة العالية، أما باقي القنوات فتبث بتقنية البث الأرضي التماثلي.
لا تبعث الظروف الحالية خاصة مع الصدمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بسبب تهاوي أسعار النفط على تفاؤل كبير لدى ملاك القنوات الخاصة في الحصول على عائدات مالية من عمليات الرعاية والإعلان
عدم وجود قانون للإعلان
يرى مراقبون أن الخطوات التي قد تقوم بها السلطة من أجل فتح مجال السمعي البصري بصفة جدية تبقى غير كافية لتحقيق ذلك، في حال أصرت الحكومة على عدم الإفراج عن قانون الإشهار الذي يبقى مجمدًا منذ 1997 عندما رفضه مجلس الأمة، ولم يصدر بديلاً عنه إلى اليوم، لتبقى سوق الإعلان محتكرة من الوكالة الوطنية للنشر والإشهار الحكومية.
وتشهر الحكومة في كل مرة عصا الحرمان من الإعلانات عن كل مؤسسة إعلامية تريد الاستقلالية خارج الخطوط الحمراء الموضوعة لها، مما يجعلها رهينة قرارات السلطة من أجل الحصول على مصدر للتمويل وتفادي الأزمة التي مست الصحافة المكتوبة وتسببت في غلق أكثر من 60 صحيفة، وفق تصريحات وزير الاتصال جمال كعوان.
ولا تبعث الظروف الحالية خاصة مع الصدمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بسبب تهاوي أسعار النفط على تفاؤل كبير لدى ملاك القنوات الخاصة في الحصول على عائدات مالية من عمليات الرعاية والإعلان، في ظل استمرار احتكار الدولة للإعلان عبر المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار التي تراجعت هي الأخرى مداخيلها بـ60% في السنوات الاخيرة، وصارت في وضع لا يسمح لها بتقديم ما قد يلفت من تمويل للقنوات التليفزيونية الخاصة.
كل من سيحيد عن هامش الحرية المسموح به سيكون مصيره شبيهًا بما حدث مع قناة الأطلس التي تم تشميع مقرها في 2014 حينما اتخذت موقفًا رافضًا لترشح بوتفليقة لعهدة رابعة
هل سيكون الانفتاح قبل الرئاسيات؟
لا يتوقع الكثير من المتابعين للشأن الجزائري أن تتجرأ حكومة البلاد وتقرر فتح قطاع السمعي البصر بشكل نهائي قبل رئاسيات 2019 التي قد يترشح لها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، بالنظر إلى أن فتح قطاع السمعي البصري بشكل كامل دون ضغوط قد يخرج وسائل الإعلام من سيطرة السلطة التي تبقى تشكل هاجسًا لأصحاب القنوات الخاصة مخافة قطع حنفية الإعلان الحكومي أو سحب الاعتماد منها.
ويرى الكثير من المراقبين أن الرؤيا بشأن قطاع السمعي البصري لن تتضح بشكل نهائي إلا بعد رئاسيات 2019، فالسلطة لن تسمح بوجود منبر إعلامي قد يكون معارضًا لها قبل موعد هذا الاستحقاق الانتخابي، وكل من سيحيد عن هامش الحرية المسموح به سيكون مصيره شبيهًا بما حدث مع قناة الأطلس التي تم تشميع مقرها في 2014 حينما اتخذت موقفًا رافضًا لترشح بوتفليقة لعهدة رابعة.