كما كان منتظرًا، فشل البرلمان التونسي مجددًا في انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وذلك بعد نحو ستة أشهر من استقالة مفاجئة للرئيس السابق للهيئة شفيق صرصار، صحبة بعض أعضاء الهيئة، مما يثير الشكوك بشأن جدية الأحزاب السياسية لا سيما الحاكمة منها في إنجاز هذا الموعد الانتخابي المهم في مسار تونس نحو الانتقال الديمقراطي في موعده المحدد.
للمرة الرابعة
رغم اقتراب الموعد المعلن للانتخابات البلدية الأولى في تونس بعد ثورة يناير 2011، والمقرر في 25 من مارس 2018، أخفق برلمان تونس للمرة الرابعة في انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات التي تشرف على الانتخابات في تونس، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة أقرها الدستور التونسي الجديد (الصادر في يناير 2014) في المادة 126، للإشراف على الانتخابات ويتم انتخابها من البرلمان وتتكون من 9 أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
وأمس الإثنين فشل أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) في التوافق على اسم من يخلف شفيق صرصار على رأس الهيئة بين مرشحين اثنين، وأعلن تأجيل موعد الانتخابات دون تحديد موعد، وقد ينتهي الأمر إلى إعادة فتح باب الترشح مجددًا لرئاسة الهيئة، وحصل أحد المرشحين على مئة صوت في حين حصلت منافسته على 51 صوتًا، علمًا أن العدد المطلوب لتولي المنصب هو 109 أصوات من إجمالي نواب البرلمان الـ217.
تتعلق هذه الانتخابات بانتخاب أعضاء المجالس البلدية في 350 دائرة بلدية
وفي الـ9 من مايو الماضي، أعلن شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حينها، صحبة بعض أعضاء الهيئة، استقالتهم من منصبهم بشكل مفاجئ، دون أو يوضحوا الأسباب الرئيسية لذلك، إلا أن العديد من المراقبين ربطوا هذه الاستقالة بضغوط سياسية مورست على الهيئة، خاصة أنه قال: “لقد اضطررنا إلى هذا القرار الذي أؤكد بأنه قرار مسؤول، بعدما تأكدنا بأن الخلاف داخل المجلس (مجلس الهيئة) لم يعد مجرد خلاف في طرق العمل بل أصبح يمس القيم والمبادئ التي تتأسس عليها الديمقراطية”.
وتتعلق هذه الانتخابات التي من المفترض أن يشارك فيها العسكريون وأفراد الأمن لأول مرة في تاريخ تونس، بانتخاب أعضاء المجالس البلدية في 350 دائرة بلدية، بينها 86 بلدية حديثة العهد، و24 مجلسًا جهويًا (تابعًا للمحافظة) موزعة على مختلف المحافظات، بمقاعد تزيد على 7 آلاف مقعد.
تأجيل متواصل
يخشى التونسيون أن يتأجل مجددًا موعد الانتخابات المحلية ويصل التأجيل إلى ما بعد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة المقررة نهاية سنة 2019، فرغم إعلان الموعد الجديد للقيام بهذه الانتخابات، يبقى تنظيم الانتخابات المحلية في تونس متأرجحًا بين التأكيد والتشكيك، خاصة مع عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لذلك.
يذكر أن الانتخابات المحلية كانت مقررة في 30 من أكتوبر 2016، ثم تأجلت إلى 26 من مارس 2017، ثم إلى 17 من ديسمبر من نفس السنة نظرًا لأن البرلمان لم يصادق على القانون الانتخابي إلا في الأول من فبراير الماضي، بسبب خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن القانون الانتخابي وبخصوص تصويت رجال الأمن والجيش في الانتخابات، لتؤجل بعد ذلك إلى الـ25 من شهر مارس من السنة المقبلة، نظرًا لأن البرلمان لم يوفق في سد الشغور الحاصل في هيئة الانتخابات بعد استقالة رئيسها وأعضاء منها.
منذ أكثر من 6 سنوات وتونس دون مجالس محلية منتخبة
وفي الـ5 من أكتوبر الحاليّ، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنيابة أنور بن حسن أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضبطت رزنامة متكاملة لضمان تنظيم الاستحقاق الانتخابي في 25 من مارس المُقبل، حيث أوضح أن قبول الترشيحات سيبدأ يوم 2 من يناير، ليتواصل إلى الـ9 من نفس الشهر، وستنطلق الحملات الانتخابية في الـ3 من مارس، وتنتهي في 23 من نفس الشهر، لتُفتح صناديق الاقتراع أمام الناخبين يوم الأحد 25 من مارس 2018، بينما يبدأ اقتراع أفراد الأمن والمؤسسة العسكرية يوم الأحد 18 من مارس من العام القادم.
وينظم الباب السابع من الدستور التونسي كل ما يخص السلطة المحلية، إذ ينص في فصله الـ131 على أن “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون”، وتقدر تكلفة الانتخابات البلدية بنحو 68 مليون دينار تونسي (قرابة 29.5 مليون دولار أمريكي)، وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
“نداء تونس” يعرقل
يرجع متابعون للعمل البرلماني في تونسي، السبب الحقيقي وراء عدم التمكن إلى الآن من انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات رغم اقتراب موعد الانتخابات المحلية، إلى التفاف حركة نداء تونس على التوافقات التي اُتفق عليها مع باقي الكتل البرلمانية في البرلمان.
وتحاول حركة نداء تونس عرقلة العملية لتأخير الموعد الانتخابي لعدم جهازيتها، ويقول مراقبون إن تعطل إتمام العملية لا يخدم تونس، وحددت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم 25 من مارس المقبل موعدًا لإجراء الانتخابات البلدية بعد أن تأجل موعدها السابق الذي كان مقررًا في الـ17 من ديسمبر 2017، بسبب وجود خلافات بين الأحزاب السياسية.
منذ أكثر من ست سنوات وتونس دون مجالس محلية منتخبة
وتتجه حركة نداء تونس مجددًا لتأجيل الانتخابات المحلية، التي تعد حسب متابعين للشأن التونسي، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب السياسية في البلاد نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية، غير مبالية بما للأمر من تأثير على التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، ويراهن أغلبية التونسيين على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية.
نداء تونس يخشى من فوز النهضة في الانتخابات
منذ أكثر من ست سنوات وتونس دون مجالس محلية منتخبة، ويخشى التونسيون أن يتواصل هذا ويتسبب في مزيد من عرقلة نشاط البلديات وعملية التنمية في الجهات وتأخر تحقيق مطلب من المطالب الشعبية الأقرب للمواطنين وهو الحكم المحلي الذي نادى به التونسيون في يناير 2011، وحتى الـ25 من شهر يوليو الماضي، بلغ العدد الإجمالي للمسجلين في الانتخابات 5 ملايين و200 مسجل من مجموع 8 ملايين و200 ناخب.