أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في 7 سبتمبر/أيلول القادم، قبل ثلاثة أشهر من موعدها القانوني الذي كان مقررًا في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو ما فتح نقاشًا في البلاد بشأن دستورية القرار ودوافعه، وترشح تبون لهذا الاستحقاق من عدمه، في ظل مواجهة البلاد تحديات داخلية وخارجية فاصلة.
تعد هذه الانتخابات ثاني اقتراع رئاسي تشهده الجزائر بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019 الذي أحبط مشروع ترشح الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ما يجعلها امتحانًا جديًا لقدرة البلاد على التخلص من ظواهر تزوير الانتخابات وشراء الأصوات التي كانت تغلب على استحقاقات العقود الماضية.
خطوة منتظرة
أعلنت الرئاسة الجزائرية مساء الخميس الماضي أن قرار تقديم موعد الانتخابات جاء عقب اجتماع ترأسه الرئيس تبون خُصّص لدراسة التحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة، حضره رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ورئيسا غرفتي البرلمان ومسؤولون ساميون آخرون في الدولة.
جاء في بيان للرئاسة أنه “قد تقرّر إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، حُدّد تاريخُها يوم السبت 7 سبتمبر/أيلول 2024، وسيتم استدعاء الهيئة الناخبة يوم 8 يونيو/حزيران المقبل”، ومعلوم أن قانون الانتخابات ينص على استدعاء الرئيس تبون الجزائريين للتصويت قبل 90 يومًا من موعد إجراء الانتخابات.
قد تكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان مسبقًا عن موعد استدعاء الهيئة الناخبة، فقد جرت العادة استدعاءها حين وصول موعد الآجال الدستورية، ومع ذلك كان هذا القرار متداولًا بكثرة في كواليس السياسيين، ففي 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، توقع كثيرون أن يعلن الرئيس تبون تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة خلال خطابه الموجه للأمة أمام نواب البرلمان يغرفتيه، وبالخصوص عندما تعالت في تلك الجلسة أصوات تدعوه للترشح لولاية رئاسية جديدة تجرى قبل رمضان الحاليّ أو خلال شهر أبريل/نيسان القادم، باعتبار أن هذا الشهر هو الموعد الاعتيادي لإجراء الانتخابات في البلاد قبل أن يستبدل بديسمبر/كانون الأول جراء حراك 2019، وهو ما لم يحدث وقتها.
يرى الكاتب الصحفي عثمان لحياني أن تقديم موعد الانتخابات مرتبطة بشقين: تقني من حيث الرغبة في العودة إلى الزمن الانتخابي المناسب، بسبب طبيعة شهر ديسمبر/كانون الأول الذي لا تساعد ظروفه المناخية الباردة وقصر أيامه على توفير ظروف أفضل للناخبين للتوجه إلى مراكز الاقتراع، والشق الثاني سياسي بالأساس، وهو رغبة السلطة في حسم الاستحقاق الانتخابي في وقت أبكر، توقيًا من متغيرات محتملة ومعقدة إقليميًا ودوليًا (50 دولة تشهد انتخابات هذا العام بينها الولايات المتحدة الأمريكية)، والتفرغ لمواكبة هذه المتغيرات.
لكن بعض الأصوات المحسوبة على المعارضة تحاول ربط ذلك ربما بوجود رغبة في دواليب السلطة تصب في عدم التحمس لترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، أو إمكانية وجود عارض صحي لإكمال ولايته الحاليّة، وهي التحاليل التي يراها الصحفي عثمان لحياني غير منطقية.
وقال لحياني: “التخمينات التي ذهبت إلى قراءة قرار تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، من زاوية المادة 94 من الدستور (استقالة الرئيس أو عجزه)، وإمكانية حدوث تغيير في خيارات السلطة، تبدو متسرعة أو تغذية لتطلع ذاتي أكثر منه قراءة واقعية للمشهد السياسي في علاقة بالسلطة. حيث لا تملك المؤسسات الحيوية ظروفًا مناسبة، خاصة إقليميًا ودوليًا تتيح التفكير في إحداث تغيير في أعلى هرم السلطة، الفواعل السياسية نفسها مقتنعة ومستسلمة لذلك”.
شرعية قانونية
بعث هذا القرار الرئاسي تساؤلات بشأن مدى دستورية تقديم الانتخابات من عدمه، بالنظر إلى أن بيان الرئاسة لم يقدم تبريرات متعلقة بتبكير الاستحقاق الرئاسي بثلاثة أشهر كاملة، حيث كان هذا الخبر ضمن أكثر المواضيع المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدر وسم الرئيس الجزائري العبارات الأكثر تغريدًا على منصة إكس لعدة ساعات.
جاء في المادة 91 من الدستور الجزائري الذي عدله الرئيس تبون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أن “رئيس الجمهورية يضطلع بصلاحيات تمكنه من أن يقرر إجراء انتخابات رئاسية مسبقة”، وهو ما يعني أن الرئيس غير مطالب بتقديم تبريرات حال أراد تبكير إجراء الانتخابات الرئاسية.
تجعل هذه المادة الرئيس في غنى عن اعتماد المادة 94 من الدستور الجزائري التي تربط تقديم الرئاسيات بحصول مانع في تأدية رئيس البلاد لمهامه، والمرتبطة بوجود عارض صحي يجعل المسؤول الأول في البلاد عاجزًا عن تأدية المهام المكلف بها.
يرجع هذا الجدل بالأساس إلى أن تقديم موعد الرئاسيات ارتبط في البلاد على الدوام بوجود ظرف استثنائي يستدعي اتخاذ هذا القرار، مثلما حدث في تسعينيات القرن الماضي مع الرئيس السابق اليامين زروال الذي دعا إلى إجراء انتخابات مسبقة دون أن ينهي ولايته الرئاسية الأولى.
ولم يلق هذا القرار حتى الآن رفضًا من الأحزاب السياسية، وبالخصوص المشاركة في البرلمان، فقد دعا رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة عبد العالي حساني الشريف فقط إلى”توفير جو انتخابي نزيه لضمان شفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة للخروج من الصورة النمطية الناجمة عن الممارسات السلبية السابقة”.
هل يواصل تبون رحلته السياسية؟
لم تعلن الحركة المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين مشاركتها في رئاسيات 7 سبتمبر/أيلول، مرجئة ذلك لما “سيقرره مجلس الشورى الوطني وبعد جملة من اللقاءات التنظيمية والتشاورية القاعدية والمركزية”.
تعيش الحركة على خيارين: إما عدم تقديم مرشح عنها، وإما ترشيح رئيسها حساني الذي تراه أوساط داخل الحزب لا يملك الإمكانات اللازمة لخوض غمار المنافسة، وبالخصوص في حال ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، لذلك يطرح اسم الرئيس السابق للحرقة عبد الرزاق مقري بقوة كمرشح لأكبر حزب معارض في البلاد، خاصة أن الرجل من المتحمسين لخوض هذه التجربة.
لكن فرص مقري في الوصول إلى سدة الحكم ضعيفة حال ترشح الرئيس تبون (78 عامًا) لولاية رئيسية جديدة، بالنظر إلى أنه سيكون مرشح السلطة، وتشفع له سنواته الخمسة في سدة الحكم في أن يكون في أحسن رواق للبقاء في منصبه رغم بعض الانتقادات الموجهة له، خاصة ما تعلق بتقييد هامش النشاط الحزبي.
وإن كان تبون لم يعلن حتى اليوم ترشحه لولاية ثانية، فإن كل المؤشرات تصب في خانة إقدامه على اتخاذ هذا القرار، كون الحكومة أصبحت تتحدث في خطابها عن برنامج 2030 سواء في قطاعات الطاقة أم التجارة أم العدالة، وغيرها من المجالات الحكومية المهمة.
تتضح نية تبون أيضًا في الترشح من خلال اتصاله الهاتفي الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد وعد بتنفيذ زيارته إلى باريس في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ما يعني أنه سيكون وقتها رئيسًا للبلاد، وهي فترة تشمل الولاية الرئاسية الجديدة.
ومن الأسماء المنتظر ترشحها أيضًا القاضية السابقة رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول التي أعلنت منذ مدة خوضها السباق الرئاسي، وكذا رئيس حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، ورئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة.
وفي انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة، يظل الجميع سواء في الداخل أم الخارج مترقبين ترشح تبون من عدمه لاستحقاق سبتمبر/أيلول الذي سيرسم سياسة الجزائر المستقبلية على عدة مستويات، بالنظر إلى الظروف متعددة الأبعاد المحيطة بالبلاد في السنوات الأخيرة.