تشهد مدينة شرم الشيخ المصرية فعاليات “منتدى شباب العالم” في الفترة من 4 إلى 10 من نوفمبر القادم، بمشاركة ما يقرب من 3 آلاف شاب من مختلف دول العالم، فضلاً عما يقال بشأن حضور عدد من زعماء وقادة بعض الدول.
يقام هذا المنتدى استجابة للدعوة التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل 2017، في ختام المؤتمر الوطني الرابع للشباب الذي عقد بمدينة الإسماعيلية، لشباب العالم للمشاركة في هذا المنتدى الذي يهدف إلى “نقل رسالة سلام وتنمية ومحبة للعالم” بحسب وصف الدولة المصرية.
حالة من الجدل واكبت إعلان هذا المنتدى خاصة أنه ليس الأول من نوعه، مما دفع البعض إلى تكرار نفس الأسئلة السابقة: ما الهدف؟ وهل تتلائم مثل هذه الفعاليات الشبابية مع الواقع الفعلي للشباب المصري من جانب والمناخ الاقتصادي من جانب آخر؟ وما حقيقة ترجمة الشعارات المرفوعة على أرض الواقع؟
محاور المنتدى
وفق الموقع الرسمي للمنتدى فإن أعماله تتضمن 4 محاور رئيسية، وهي “دور الشباب في مواجهة قضايا الإرهاب، تغير المناخ والهجرة غير المنتظمة ومشكلات اللاجئين، دور الشباب في حفظ السلام في مناطق الصراع، وكيفية توظيف طاقات الشباب من أجل التنمية”.
كما يستعرض بعض التجارب الدولية البارزة في تأهيل وتدريب الشباب، وكيفية حل المشكلات التي تواجه إفريقيا، واستراتيجيات تكامل الحضارات والثقافات والاستفادة من تنوعها واختلافها، فضلاً عن تعزيز قيم التسامح، وفتح باب العمل أمام الشباب، هذا بخلاف ريادة الأعمال والتمكين الاقتصادي للشباب.
أما عن الحضور فمن المقرر أن يشهد المنتدى مشاركة نحو 3 آلاف شاب من مختلف الدول، منهم شخصيات عامة ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وإعلاميين ومفكرين وسياسيين ورؤساء دول ومبعوثين شخصيين لرؤساء ووزراء، إضافة إلى عدد من رموز المال والأعمال والفن والثقافة والرياضة والتكنولوجيا والبحث العلمي داخل مصر وخارجها.
منتدى شباب العالم ليس الفعالية الأولى التي ينظمها السيسي منذ توليه مقاليد الأمور في 2014، حيث سبقها حزمة من المؤتمرات والفعاليات الشبابية الأخرى، والتي أثارت بدورها الجدل حينها خاصة بعد الفشل في تحقيق أي من شعاراتها التي رفعت
الأهداف الرسمية
يسعى القائمون على أمور المنتدى لتحقيق حزمة من الأهداف كما أُعلن على المستوى السياسي والاقتصادي والسياحي، إذ يهدف في المقام الأول إلى إثبات قدرة مصر التنظيمية للفاعليات العالمية وتحسين الصورة الذهنية عن شرم الشيخ.
هذا بخلاف محاولة استعادة النشاط السياحي الذي يعاني من ركود في الفترة الأخيرة، كذلك عودة سياحة المؤتمرات وتقديم صورة إيجابية عن الشباب المصري خاصة أن هذا العام كما أطلق عليه السيسي هو عام الشباب.
أسئلة عدة عن الدوافع الحقيقية لإقامة مثل هذه المؤتمرات الشبابية
ليس الأول
منتدى شباب العالم ليس الفعالية الأولى التي ينظمها السيسي منذ توليه مقاليد الأمور في 2014، حيث سبقها حزمة من المؤتمرات والفعاليات الشبابية الأخرى، والتي أثارت بدورها الجدل حينها خاصة بعد الفشل في تحقيق أي من شعاراتها التي رُفعت.
ففي 25 من أكتوبر 2016 عقد مؤتمر الشباب في مدينة شرم الشيخ تحت شعار “ابدع.. انطلق” بمرحلتيه الأولى والثانية، بمشاركة قرابة نحو 3 آلاف شاب، وحضور أكثر من 300 شخصية عامة وخبراء متخصصين كمتحدثين ومشاركين ومديرين للجلسات، وذلك على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 25-28 من أكتوبر 2016.
وخرج المؤتمر حينها بحزمة من التوصيات كان من أبرزها إنشاء هيئة مستقلة ومركز إبداعي للمشروعات، والتأكيد على وصول الدعم لمستحقيه، ودراسة تحويل الدعم العيني والنقدي، والتأكيد على ضرورة رفع قدرة الإنتاج، وأهمية مشاركة الشباب بانتخابات المحليات وإنشاء هيئات مساعدة للوزراء من الشباب، بجانب ربط سوق التعليم بسوق العمل، وتجهيز دراسات وافية عن احتياجات سوق العمل، وتفعيل هيئة جودة التعليم والاهتمام بالمعلم بما يكفل له أداء رسالته.
وفي 27 من يناير 2017 انطلقت فعاليات المؤتمر الوطني الثاني بمدينة أسوان (صعيد مصر) استمر لمدة يومين، بمشاركة 1300 شاب، وبحضور شريف إسماعيل رئيس الوزراء، وأكثر من 23 وزيرًا و17 رئيس حزب، في مدينة أسوان بصعيد مصر، تحت رئاسة عبد الفتاح السيسي.
وفي 24 من يوليو 2017 كانت فعاليات مؤتمر الشباب الرابع والذي عقد بمدينة الإسكندرية بمشاركة 1300 شاب من مختلف المحافظات، خرج هو الآخر بحزمة من التوصيات لم تختلف كثيرًا عن تلك التي خرج بها المؤتمر الأول.
تشهد الساحة المصرية حالة من الفوضى خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وهو ما كشفته دراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والتي كشفت عن وقوع ما يقرب من 1165 عملية مسلحة خلال الأعوام (2014-2015-2016)
دجل سياسي
العديد من التساؤلات فرضت نفسها على ألسنة المهتمين بالشأن العام المصري، فضلاً عن شريحة كبيرة من المواطنين خاصة الشباب، مع إعلان انطلاق هذا المنتدى، أبرزها التساؤل عن الهدف الحقيقي من ورائها.
البعض ذهب في تفسيره إلى أن مثل هذه الفعاليات نوع من “الدجل السياسي” كما وصفها الدكتور أحمد دراج أستاذ العلوم السياسية، خاصة أن ما سبقها من مؤتمرات لم تأت بأي نتيجة تذكر، متسائلاً: فما الداعي لمثل هذا المنتدى؟
دراج في تصريحاته لأحد المواقع المصرية أكد أن “مثل هذه المؤتمرات لن تجدي نفعًا ولن تكون فرصة لتحسين صورة مصر بالخارج، في الوقت الذي لا يسمح فيه بفتح المجال للرأي اﻵخر وآخرها حجب العديد من المواقع الإلكترونية بمصر”، علمًا بأن هناك ما يزيد على 450 موقعًا إلكترونيًا حجبوا، فضلاً عن غلق عدد من الصحف والقنوات التليفزيونية وتوقيف عدد من الصحفيين والإعلاميين.
بينما يرى عادل المليجي أمين تنظيم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن “السلطة ما زالت تستخدم ذات الأساليب لتسويق الوهم للمجتمع، وخاصة القوة الضاربة فيه وهم الشباب”.
ولعل هذا ما يفسر تركيز السيسي خلال خطاباته السياسية الخارجية على محور الإرهاب وضرورة مواجهته بشتى السبل، وهو الوتر الذي يرى فيه النظام المصري بوابة العبور نحو الحصول على دعم دولي واكتساب مزيد من الشرعية
المليجي في تصريحات له أشار إلى “أن الدولة كان يمكنها بدلاً من المؤتمر الكرنفالي الذي تتحمله ميزانية الدولة أن تتصالح مع الشباب والمجتمع كله بالإفراج عن المعتقلين والمحبوسين على ذمة قضايا ملفقة، والتوقف عن اضطهاد الشباب، والعمل على فتح المجال العام أمامهم للمشاركة الحقيقية في صنع مستقبل وطنهم”.
آخرون يرون أن الشعارات المرفوعة خلال هذا المنتدى والتي تعزف على وتر السلام ومحاربة الإرهاب وغيرها من الشعارات التي رفعت في المؤتمرات الأربع السابقة، تهدف في المقام الأول إلى مغازلة العالم ومحاولة تقديم صورة إيجابية عن النظام الحاكم.
ولعل هذا ما يفسر تركيز السيسي خلال خطاباته السياسية الخارجية على محور الإرهاب وضرورة مواجهته بشتى السبل، وهو الوتر الذي يرى فيه النظام المصري بوابة العبور نحو الحصول على دعم دولي واكتساب مزيد من الشرعية، حتى لو كان ذلك على حساب القضايا والملفات الأخرى والتي ربما ترتقي في درجة أولوياتها على مسألة الإرهاب، ولعل خطابه الشهير أمام نظيره الفرنسي في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الإليزيه مؤخرًا أكبر تجسيد لهذه الحالة، حين أراد الرئيس المصري الهروب من فخ الإجابة عن تساؤل بشأن حقوق الإنسان في بلاده فتم استدراجه إلى تشويه صورة شعب بأكمله، لا تعليم، لا صحة، لا وظائف، لا إسكان، لا تأمينات اجتماعية.
40 ألف معتقل داخل السجون المصرية بسبب آرائهم السياسية
البعض ذهب في تفسيره إلى أن مثل هذه الفعاليات نوع من “الدجل السياسي” كما وصفها الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية، خاصة أن ما سبقها من مؤتمرات لم تأت بأي نتيجة تذكر
شعارات تناقض الواقع
تناقض واضح بين الشعارات المرفوعة في تلك المنتديات والمؤتمرات التي سبقتها والواقع الفعلي لها، ففي الوقت الذي تنفق فيه الملايين من أجل الإعداد لمثل هذه الفعاليات التي يشارك فيها الآلاف من داخل مصر وخارجها تعاني مصر من أزمات اقتصادية طاحنة.
وقد كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وجود 27.8% من السكان في مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وسجلت آخر إحصائية للشباب في عام 2012 أن عدد شباب مصر في الفئة العمرية من 18 إلى 29 عامًا يبلغ 19.4 مليون نسمة بما يمثل 23.6% من إجمالي السكان، منهم 51.3% ضمن قائمة الفقراء، بواقع 27% يعانون الفقر، بينما يقترب من خط الفقر نحو 24.3%، فيما بلغ معدل البطالة في 2015 بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 29 سنة 27.3% من إجمالي قوة العمل.
قبيل انطلاق فعاليات منتدى شباب العالم وما يرفعه من شعارات وما ينتظر منه من نتائج، لا يزال شبح المؤتمرات الأربع السابقة تطارد عقول الشباب المصري، لتبقى أسئلته الحائرة على لسانه تبحث عن إجابة
هذا بخلاف ما يقرب من 40 ألف شاب معتقل داخل السجون المصرية بسبب آرائهم السياسية بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، فضلاً عن غياب الشباب عن مواقع صنع القرار، مما يتعارض بصورة كبيرة مع شعارات التمكين التي طالما عزف عليها النظام الحاليّ منذ بداية ولايته وحتى الآن.
أما عن الوضع الأمني فتشهد الساحة المصرية حالة من الفوضى خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وهو ما كشفته دراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والتي كشفت عن وقوع ما يقرب من 1165 عملية مسلحة خلال الأعوام (2014-2015-2016) بمعدل 1.04 عملية يوميًا، هذا بخلاف الفشل في التعامل مع النقلة النوعية والحركة في فكر واستراتيجيات التنظيمات المسلحة والتي تمددت خارج إطار سيناء الضيق إلى الصحراء الغربية وصعيد مصر، ولعل حادث الواحات الأخير تجسيد حقيقي للتغير الواضح في الخريطة الأمنية المصرية.
وقبيل انطلاق فعاليات منتدى شباب العالم وما يرفعه من شعارات وما ينتظر منه من نتائج، لا يزال شبح المؤتمرات الأربع السابقة تطارد عقول الشباب المصري، لتبقى أسئلته الحائرة على لسانه تبحث عن إجابة.