هل حدثت المحرقة فعلا؟ تقترح خوارزمية غوغل باللغة الفرنسية إجابات مثيرة بشأن هذا السؤال، حيث تظهر في أول قوائم نتائج البحث المواقع المشككة في حدوث المحرقة. وقد طرح السؤال نفسه باللغة الإنجليزية على محرك البحث غوغل، وكانت نتائج البحث تؤدي مباشرة إلى مواقع معادية للسامية. وقد وعد غوغل بتصحيح الأمر، الأمر الذي وقع بالفعل فيما يتعلق بنتائج البحث باللغة الإنجليزية وليس الفرنسية.
يسلط هذا المثال الضوء على التعقيدات المتعلقة بظاهرة “الأخبار المزيفة”، أو تجاوز الحقائق أو ما نسميه اليوم بالكذب والدعاية. من جهة تم استدعاء عمالقة شبكة الويب لمعالجة هذه الظاهرة. ومن جهة أخرى، ينوي هؤلاء العمالقة الحفاظ على نماذج الأعمال التجارية التي تستند على الاقتصاد الرقمي، إلا أن هذا الأمر بات يهدد شعبية مختلف شركات مواقع التواصل الاجتماعي.
منذ انتخاب دونالد ترامب، اتخذت ظاهرة الأخبار المزيفة أبعادا غير مسبوقة. وقد اختار قاموس أكسفورد الإنجليزي مصطلح “تجاوز الحقائق” كلمته لسنة 2016. وقد اعتبر تيم بيرنرز لي، مخترع شبكة الويب في سيرن، أن اتساع نطاق انتشار الأخبار الكاذبة بات يمثل من أبرز التهديدات الثلاثة على شبكة الإنترنت. في هذا الصدد، يثير تقرير مؤتمر الأمن في ميونيخ لسنة 2017، تحت عنوان “ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام”، حقيقة مدى خطورة الأخبار المزيفة على الوضع الجيوسياسي. وفي الشهر الماضي، أصبحت ألمانيا تعد أول دولة في العالم تجرم انتشار الأخبار المزيفة على الإنترنت.
فيسبوك وغوغل يتبعان إستراتيجيات مماثلة
في ظل الخوف من اللوائح والقوانين التي قد تعمل على “بلقنة” الشبكة أو دفعهم لتجنيد جيش من المشرفين، قدم عمالقة الإنترنت سلسلة من المبادرات منذ بداية السنة. في هذا الإطار، أطلق موقع فيسبوك مشروع صحافة فيسبوك (بالتعاون مع مجموعة من المحررين)، ثم انضم إلى مبادرة نزاهة الأخبار، وهو صندوق بقيمة 14 مليون دولار يمول المشاريع التي تجابه الأخبار المزيفة، قبل إجراء تقييم للقائمة المنبثقة لمساعدة المستخدمين على تقييم مصداقية المصدر. وقد اتبع غوغل إستراتيجية مماثلة، حيث أنه وقبل سنة واحدة انضمت الشركة إلى تحالف “فيرست درافت”. في صلب هذا الهيكل، يجتمع نحو 80 وسيلة من وسائل الإعلام الدولية والشبكات الاجتماعية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان للتدقيق في الحقائق (“التثبت في الحقائق”).
لا تزال هذه الجهود المشتركة هشة بسبب انعدام الثقة تجاه وسائط إعلامية معينة وتكنولوجياتها التي تعمل وفقا لمعاييرها الخاصة
من جانبها، كرست الحاضنة التقنية جيغسو الكثير من الجهود للتعاطي مع هذا الموضوع. فقد بادرت بتطوير أداة “إعادة توجيه” عبر الذكاء الاصطناعي للكشف عن المتعاطفين مع تنظيم الدولة استنادا على خصائص البحث عبر الإنترنت، ثم إعادة توجيههم إلى محتوى يدين هذه الأيديولوجية. واستنادا إلى هذه التجربة، قالت ياسمين غرين، مديرة البحث والتطوير في جيغسو، لفائدة مجلة “تكنولوجي ريفيو” أن “مشكلة الأخبار الزائفة تتمثل في الطريقة التي يجب على الخوارزميات أن تعمل من خلالها على تحديها”. وقد طور مختبرها تقنية “بيرسبيكتيف”، التي يمكن من خلالها تحديد المتصيدين عبر تعليقات مواقع الأخبار الذين يعملون على نشر الأخبار المزيفة.
في المقابل، لا تزال هذه الجهود المشتركة هشة بسبب انعدام الثقة تجاه وسائط إعلامية معينة وتكنولوجياتها التي تعمل وفقا لمعاييرها الخاصة. وفي هذا الصدد، أوضح كارل أبيرار، مدير مختبر نظم المعلومات الموزعة في “إي بي أف إل”، قائلا: “لا توجد وصفة سحرية. فالحقيقة ليست أكثر من توافق اجتماعي”. في الواقع تتطور الأخبار المزيفة في منطقة رمادية حيث تصبح الرقابة شبه منعدمة.
معركة كسب المال
بعد خمسة عشر سنة من العمل على مصداقية المحتوى على شبكة الإنترنت، يعتقد كارل أبيرار أن هناك بعض الحلول الممكنة. وفي هذا الصدد، أورد أبيرار أن “هناك العديد من الأساليب التكميلية لجعل الكشف عن الأخبار المزيفة عملية آلية، على غرار استخدام مواقع التثبت في الحقائق على اعتبارها أساسا للتصنيف، والتمعن في خصائص انتشار هذه الأخبار …”. وقد أنشأ أبيرار في الوقت الراهن، شركة مستوحاة من لينكألونغ، وذلك بهدف جمع هذه التقنيات في نسخة تجارية واحدة.
أدرج موقع فيسبوك شروطا جديدة تهدد بحرمان أصحاب الصفحات على الموقع من أرباح الإعلانات إن كانت تنشر أخبارا مزيفة
في حين أنه يصعب حتى الآن تمويل مثل هذه المشاريع، إلا أن الحاجة إلى فحص الأخبار دفع ببعض الشركات المبتدئة للتحرك. في بريطانيا العظمى، على سبيل المثال، عملت شركة فاكتماتا الناشئة على بعث “مجمع للأخبار” يقوم في إطاره الذكاء الاصطناعي بإسناد تقييم لجودة الأخبار، ويقوم بتوجيه المستخدم نحو روابط أخرى حول الموضوع ذاته.
أما في ليون فتعمل شركة ستوريزي على التحقق من المحتويات المقتبسة. وقد أوضحت الشركة: “لقد انطلقنا من 50 موقعا أمريكيا يستغل الاقتباسات الكاذبة، لنصل إلى 1700 موقعا مرتبط بتلك المواقع، علما وأنها تتسم بالقدرة على التأثير على 1.5 مليار مستخدم شهريا”. في الواقع، تسمح هذه الأداة للعملاء ذوي العلامات التجارية بتجنب العثور على إعلاناتهم مصاحبة بأخبار مشكوك في مصداقيتها. وقد حصدت هذه الفكرة في مجابهة الأخبار المزيفة رضا بعض المتابعين.
في شهر أيلول/ سبتمبر، أدرج موقع فيسبوك شروطا جديدة تهدد بحرمان أصحاب الصفحات على الموقع من أرباح الإعلانات إن كانت تنشر أخبارا مزيفة. وقبل ذلك بشهر، توقفت كلودفلاري، المختصة في حماية عديد المواقع من القرصنة، عن تقديم خدماتها لصالح موقع النازيين الجدد “ديلي ستورمر”. ويبقى السؤال: هل ستتضاعف مثل هذه التدابير الجذرية في محاربة الأخبار الزائفة؟
سلط موقع “برو بوبليكا” الضوء على الغموض الذي يشوب تحركات عمالقة الإنترنت في مواجهة الأخبار الزائفة، حيث يمكن من خلال دفع 30 دولار لموقع فيسبوك نشر إعلانات لمجموعة تضم 2300 شخص من “الكارهين لليهود”. في المقابل، تستطيع هذه الشركات مضاعفة تصريحاتها بشأن استعدادها لمكافحة التضليل المعلوماتي، ولكن لأنها أخبار مثيرة تعد في الغالب مصدر مهما بالنسبة لها لكسب مال. ولعل خير مثال على تأثير هذا الموضوع على بعض الشركات، ما حدث مع أمازون. فمنذ أن ندد نشطاء “سليبنغ جاينت” بوجود بعض العلامات التجارية ذات الصلة بموقع بريتبارت الإخباري، سحب أكثر من 2600 شخص إعلاناتهم. ولكن أمازون، ومؤسسها جيف بيزوس ومالك واشنطن بوست، لا يعدان الهدف المفضل لبريتبارت.
المصدر: موقع بيلان