رغم ما حققته تونس الثورة من تقدم ملحوظ وتطور إيجابي في مجال الحريات العامة في السنوات الـ6 الأخيرة، جعلها تتصدر الدول العربية في هذا المجال، فإن بعض الأحداث المتفرقة التي تشهدها البلاد من حين إلى آخر، وآخرها منع الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي من دخول مقر إذاعة محلية لإجراء حوار فيها، وقبلها منع جمعية يشرف عليها قيادي بحركة النهضة التونسية ونائب سابق في المجلس التأسيسي من دخول إحدى مدن البلاد، أثارت مخاوف التونسيين من تراجع منسوب الحريات العامة في البلاد.
منع الرئيس السابق ونائب سابق
أعاد منع الرئيس التونسي السابق ورئيس حزب “حراك تونس الإرادة” المنصف المرزوقي من دخول إحدى الإذاعات المحلية الخاصة لإجراء حوار صحافي فيها من بعض المجهولين، نهاية الأسبوع الماضي، ومنع القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز وجمعيته من دخول مدينة سليانة (الشمال الغربي)، مسألة الحريات العامة إلى الواجهة في تونس، واعتبر العديد من التونسيين أن هاتين الحادثتين تمثلان اعتداءً على الحريات العامة في البلاد وخاصة حرية التعبير وحرية التنقل داخل مدن تونس، وضربة خطيرة توجه إلى الحياة السياسية في هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها تونس.
اتهم حزب “حراك تونس الإرادة”، السلطات التونسية بالتواطؤ مع مليشيات حماية الاستبداد والفساد
وكان عدد من المجهولين قد منعوا المرزوقي من دخول مقر إذاعة “الرباط أف أم” المحلية الخاصة في محافظة المنستير (شرق) حيث كان يستعد لإجراء حوار صحافي، فيما اعتبر مدير الإذاعة بولبابة الأنصاري أنه من حق أهالي الولاية الذين وصفهم بأنهم “دساترة” (نسبة إلى حزب التجمع المنحل) التعبير عن موقفهم عبر منع المرزوقي من دخول الإذاعة، متهمًا المرزوقي بالإساءة لهم في أحد تصريحاته، وقبل ذلك قرر محافظ سليانة منع جمعية “الدعوة والإصلاح” لصاحبها الحبيب اللوز من القيام بنشاط لها كان قد وافق عليه في السابق، بدعوى تفادي كل إخلال محتمل بالأمن والنظام العامين بالجهة.
وما زاد من مخاوف التونسيين أن المنع في الأولى بررته السلطة الحاكمة، حيث قال الناطق الرسمي باسم حركة نداء تونس منجي الحرباوي إن من حق أي مواطن التعبير عن رأيه ضد أي سياسي، باعتبار أن الديمقراطية وحرية التعبير من أهم المكاسب بعد الثورة، أما المنع في الثانية فقد قامت به السلطة بعد ضغط مورس عليها من بعض الجهات اليسارية التي عبرت عن تجندها لمنع “اللوز” من الدخول للمدينة والقيام بأي نشاط فيها.
الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي
وعقب منع رئيسه من الدخول إلى الإذاعة اتهم حزب “حراك تونس الإرادة” السلطات التونسية بالتواطؤ مع ميليشيات حماية الاستبداد والفساد، مطالبًا بفتح تحقيق بشأنه ومحاسبة الأطراف المسؤولة عنه، معتبرًا الحادثة مؤشرًا خطيرًا على تهاون السلطات أمام مليشيات حماية الاستبداد والفساد التي تحركت على مرأى من الجميع لتعطل تنقل رئيس جمهورية سابق من دون تدخل من المصالح الأمنية، ويحمل السلطة الجهوية والأمنية المسؤولية على السماح بما حصل.
عودة أساليب الاستبداد والممارسات الفاشية
في ارتباط بحادثة منع المرزوقي من الدخول إلى الإذاعة المحلية، حذرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من عودة أساليب الاستبداد والممارسات الفاشية من بوابة استعمال وسائل الإعلام لتبرير انتهاكات حرية التعبير والصحافة وفق بيان أصدرته أمس الثلاثاء، ونبهت النقابة مما اعتبرته محاولات المس بمكاسب الثورة التونسية وخاصة الحق في حرية التعبير والصحافة، مذكرة أنه على السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الحكومة ووزير الداخلية تحمل المسؤولية المباشرة في حماية هذه الحقوق.
النقابة تنبه من محاولات المس بمكاسب الثورة التونسية وخاصة الحق في حرية التعبير والصحافة
واعتبرت النقابة منع الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي من التواصل مع وسيلة إعلام حرمانًا واضحًا للمواطن من الحق في إعلام حر وتعددي وفق مقتضيات الدستور التونسي، معبرة عن استهجانها من تصريحات الرئيس المدير العام لإذاعة “الرباط أف أم”، في الوقت الذي كانت تنتظر منه أن يكون نصيرًا لهذا الحق الدستوري ورافضًا لما طال مؤسسته من حرمان من المعلومة ومساسًا بمصادرها.
أساليب مرفوضة
إلى جانب ذلك، وصف تونسيون الحادثة بأنها عمل همجي يتعارض مع الديمقراطية الوليدة في تونس، وقال نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس البرلمان: “ما حصل للمرزوقي فيه اعتداء على إحدى الحريات الأساسية التي ناضلنا من أجلها، والتي لا ينبغي تخطيها أو التعدي عليها مهما كانت الظروف والأسباب وهي حرية الرأي والتعبير والإعلام (…) وتعطيل لأصل من أصول ما اتفقنا عليه في الدستور”.
حادثة منع المرزوقي من دخول الإذاعة
حادثة منع المرزوقي التي صدرت عن مجموعة لا تتجاوز 10 أشخاص اعتبروا في شعاراتهم أنهم أوصياء على مدينة المنستير (فيها ولد الحبيب بورقيبة وتوفي) وأهلها، كان بالإمكان تجنبها لو أدى محافظ المنستير دوره وطبق القانون وحمى حق كل مواطن في التعبير عن رأيه، إضافة إلى السلطات الأمنية التي غابت عن تأمين المكان رغم علمها بقدوم الرئيس السابق منصف المرزوقي وإمكانية حدوث بعض الاحتجاجات.
وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان فلسفة استبدادية تقوم على احتكار المجال العام ومنع المختلف عنها من النشاط والتعبير عن فكره، في هذا السياق قال القيادي في حركة النهضة “ما حدث مع المرزوقي مرفوض بكل المقاييس الدستورية والسياسية والأخلاقية”، وأضاف “ماذا عن مستقبل الحرية والديمقراطية لو تشكلت في كل مرة مجموعة من المواطنين لتمنعه من دخول وسيلة إعلام”؟ واعتبر المكي أن المنع نفذته جهات لم تستسغ بعد الثورة ومكتسباتها، وقال: “معركة البعض مع مكتسبات الثورة لتحجيمها أو إلغائها ميؤوس منها بإذن الله كمعركة دون كيشوط مع الطواحين”، على حد تعبيره.
مواقع التواصل الاجتماعي
خلال اليومين الأخيرين، كان الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي يتمحور حول حادثتي منع المرزوقي واللوز، في هذا الشأن كتب الباحث التونسي سامي براهم في حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” معلقًا على الحادثتين: “منع من دخول سليانة ومنع من دخول إذاعة المنستير، قريبًا من يمنعني من دخول جهته سأمنعه من دخول جهتي!
لو واصلنا على هذا النحو سنتحول إلى دولة حدود ومعابر وكانتونات جهوية وعروشية”.
في نفس السياق كتب الإعلامي التونسي زياد الهاني في صفحته الخاصة على الفيسبوك “منع المرزوقي اليوم من دخول مقر إذاعة “رباط أف أم” بالمنستير عمل همجي يشكل اعتداءً على الديمقراطية وجريمة يعاقب عليها القانون، النيابة العمومية وقوات الأمن التي لم تتصد لقطّاع الطريق ولم تعتقلهم لتحيلهم إلى القضاء، تتحمل مسؤولية كاملة في إفلات المجرمين من العقاب، فهل نحن أمام جريمة دولة؟ تسقط الهمجية والفاشية مهما كان مأتاها”.