في الوقت الذي تحاول فيه سلطات المملكة المغربية، جاهدة، احتواء “حراك الريف” المتواصل منذ أكثر من سنة شمال البلاد، والحدّ من انتشاره، برزت موجة جديدة من الاحتجاجات جنوب شرق البلاد، أطلق عليها البعض “ثورة العطش”.
بداية الاحتجاجات
الاحتجاجات هذه المرة انطلقت من مدينة زاكورة المغربية التي تقع على مشارف الصحراء على بعد 700 كيلومتر من العاصمة، للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب في المنطقة، التي تعاني منذ فصل الصيف نقصًا شديدًا في المياه، فضًلا عن الانقطاعات المتكررة، بحسب منظمي الاحتجاجات.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات منذ أشهر الصيف، لكنها يوم الـ24 من شهر سبتمبر الماضي، عرفت منعرجًا خطيرًا، فقد اعتقلت قوات الأمن المغربية العشرات بتهمة “التجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها”، في أثناء مسيرة شارك فيها المئات من سكان أحياء الوفاق وبوعبيد والنصر والحي الإداري بمدينة زاكورة، للاحتجاج على ما اعتبروه “مماطلة السلطات المختصة في التدخل لإيجاد حل لأزمة العطش التي تهدد حياتهم”.
البنك الدولي: يتوفر في المغرب احتياطي محدود من الموارد المائية
إلى جانب مدينة زاكورة، تعيش كل من مدن بني ملال وأزيلال ووزان وصفرو نفس المعاناة، حيث يعاني بعضها من ندرة المياه، فيما تعاني مناطق أخرى من امتزاج الماء الصالح للشرب بالمياه المالحة، وهي المعاناة التي دفعت سكان هذه المدن إلى الخروج في احتجاجات أطلق عليها البعض اسم “ثورة العطش” من شأنها أن تعمّق أجواء الاحتقان الاجتماعي الذي تعيش على وقعه المملكة المغربية.
ولا يتجاوز حجم الموارد المائية بالمغرب 22 مليار متر مكعب، 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية، و4 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية، بما يمثل 700 متر مكعب لكل فرد سنويًا، ويتوقّع أن تنخفض حصة الفرد إلى 500 متر مكعب سنويًا في 2030، وإلى أقل من 350 في 2050.
وأكد تقرير سابق للبنك الدولي أن المغرب يتوفر على احتياطي محدود من الموارد المائية، وحجم المياه التي يمكنه تقنيًا واقتصاديًا استغلالها لا تتجاوز 80% من الموارد المائية المتوفرة حاليًا، ونصف الكميات المتوفرة من المياه نصف جيدة، و4% فقط منها تصنف بالجيدة على مستوى الجودة.
المقاربة الأمنية
كما انتهجت الحلّ الأمني مع “حراك الريف”، انتهجت السلطات المغربية نفس المقاربة مع “ثورة العطش” أيضًا، حيث أقدمت قوات الأمن على اعتقال العشرات من المحتجين في مدينة زاكورة للحدّ من فعاليات الاحتجاجات رغم سلميتها وعدم تسجيل أي اعتداء على أملاك عامة أو خاصة، حسب ما كشفته عديد من التقارير الإعلامية.
وتتواصل الاحتجاجات في المنطقة منذ أسابيع رغم تطمينات الحكومة التي شددت على أنها ستتخذ مجموعة من الإجراءات من أجل وضع حد لأزمة الماء، إذ ينظم سكان زاكورة احتجاجات شبه يومية، وتوجه انتقادات إلى المجلس الوطني لمياه الشرب لأنه لم يحرك ساكنًا من أجل إدارة الأزمة.
ومؤخرًا قرر سكان المدينة، خوض خطوات تصعيدية، بعدما تم تجاهل مطالبهم ونداءاتهم في الحق في الحصول على الماء الصالح للشرب لما يزيد على أربعة أشهر، من دون أي تجاوب من طرف الجهات المسؤولة بالمنطقة، ويعود النقص الكبير المسجّل في كميات المياه في هذه المنطقة إلى تراجع تساقط الأمطار، بالإضافة إلى الإفراط في استخدام المياه الجوفية في الزراعة، لا سيما زراعة البطيخ الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه، ويقول أهالي الجهة إن وزارة الزراعة شجعت زراعة البطيخ التي يستفيد منها كبار المزارعين على حسابهم.
أحكام قضائية
في إطار حملتها الأمنية للتصدّي لهذا الحراك، قضت محكمة مغربية، أمس الثلاثاء، بالسجن لمدة تتراوح بين شهرين و4 أشهر، بحق 8 أشخاص، وتم اعتقال المحكوم عليهم يوم الـ8 من شهر أكتوبر الحاليّ، خلال مسيرة في زاكورة، وتدخلت السلطات الأمنية، حينها، لفض الاحتجاجات السلمية، واعتقلت 21 شخصًا، معظمهم من الشباب، ووجهت للمعتقلين الـ8، المتراوحة أعمارهم بين 19 و24 سنة، تهم تتعلق بـ”إهانة موظف في أثناء مزاولته لعمله” و”تعييب أشياء ذات منفعة عمومية” و”المشاركة في مظاهرة غير مرخصة”.
تنظر المحكمة في وقت لاحق في ملف 8 قصر اعتقلوا على خلفية “حراك العطش”
وجاءت الأحكام في حق المحتجين، على الرغم من اعتذار رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لساكني منطقة زاكورة بسب معاناتهم مع أزمة المياه بالإقليم، وذلك خلال كلمة له في الجلسة الشهرية بمجلس النواب، مساء الإثنين بالبرلمان، وتنظر المحكمة الابتدائية في زاكورة، أيضًا في وقت لاحق في ملف 8 قُصر اعتقلوا على خلفية “حراك العطش”.
إدانات حقوقية
هذه الحملة الأمنية والأحكام القضائية، لاقت إدانة واسعة من عديد من المنظمات المدنية في المملكة، في هذا الصدد، أكّدت عدد من الهيئات الحقوقية المحلية في المنطقة، في بيان مشترك، أن “ما وقع يوم الـ8 من أكتوبر كشف حقيقة المخزن، وأكد من جديد اعتماد المقاربة القمعية التي لم يشهد الإقليم مثيلاً لها، حيث أبدع المسؤول الأول في التعبير عن جبروته واستعداده للزج بالجميع في السجون مقابل وأد أي حراك شعبي يطالب بالماء الصالح للشرب، بكميات كافية على الأقل”.
مسيرة مندّدة بحملة الاعتقالات
إلى جانب ذلك دعت العديد من المنظمات والشخصيات الوطنية الحكومة المغربية إلى تحمّل مسؤوليتها حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على ضوء الاحتجاجات من أجل الحق في الماء، وتوقيف التتبعات القضائية ضدّهم.
وقبل أسابيع، أمر العاهل المغربي بتشكيل لجنة يترأسها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لإيجاد حل لمشكلة ندرة الماء بعدد من مناطق البلد، وخاصة بإقليم زاكورة، والأسبوع الماضي، زارت الوزيرة المغربية المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، مدينة زاكورة، لتعلن إيجاد حل مؤقت لمشكل الماء، في أول تحرّك حكومي لوضع حد للاحتجاجات بالمنطقة.