تخبط وتناقض وصياغات سابقة التجهيز للمواقف، وبيانات متضاربة بين الحين والآخر، هكذا كان حال حزب التجمع اليمني للإصلاح (ذراع الإخوان في اليمن)، خصوصًا بعد أزمة قطر مع تحالف المقاطعة التي أفقدت الإصلاح القدرة على الرشد السياسي وجعلته يترنح بين مفردات السلوكيات المصلحية الضيقة التي دعته إلى تأييد الإمارات تارة، والانقلاب عليها في مواضع أخرى بعد تشديد القبضة الأمنية لأبناء زايد الأمنية، وهو ما دعا التجمع إلى البحث عن اتجاهات معاكسة على الأرض وهذه المرة بدعم الدوحة ومباركتها وأطراف الصراع اليمني على الأرض.
الإصلاح والجينات الإخوانية في الجمع بين المتناقضات
حاول الإصلاح مرارًا إعادة تدوير التجربة الإخوانية العتيدة في الجمع بين المتناقضات على أرض اليمن، من خلال السعي للتقرب إلى دول التحالف العربي عبر بيانات داعمة حتى لو كانت من بعض فروع الحزب، ودعوة الحوثيين في نفس الوقت وبعبارات صريحة لا تحمل اللبس للمصالحة، في تناقض سياسي لا تسمح الظروف على الأرض بالتمرغ فيه على هذا النحو.
ولم تفد البراجماتية الإخوانية قادة الإصلاح إلا في المزيد من التخبط الذي يحيا بين جنباته قادة الحزب حاليًا، فالأزمة القطرية التي تهدف إلى عزل الدوحة عربيًا وإقليميًا لأعوام قادمة ولو على مستوى الحكومات بسبب الحصار الذي تفرضه عليها دول التحالف، أثرت بشدة على قرارات الحزب الذي يميل أغلب صناع القرار فيه باتجاه الهوى القطري ومواقف الدوحة من صياغة القضايا السياسية في اليمن، وربما هؤلاء يتأثرون أدبيًا باحتضان قطر للكثير من قادة التنظيم الدولي للإخوان ومن ضمنهم يمنيون.
بات صناع السياسة في الحزب على اقتناع تام أن الدوحة طريق الإخوان الوحيد لإعادتهم إلى المشاركة في الواجهة السياسية بعدما احتلها الحوثيون بجدارة
بينما كان البعض الآخر من صقور الحزب وخاصة في تعز يريدون زرع علاقة خاصة مع الإمارات رغم إعلانها العداء لكل ما هو إخواني فكرًا وثقافة وممارسة، وكان ذلك التباين الغريب سببًا في إصدار بيان عن فرع الحزب في تعز يشكر فيه دول التحالف باليمن، وخاصة الإمارات لما تقوم به في الجانبين التنموي والاقتصادي في اليمن، بحسب نص بيانه، وهو ما جعل الحزب يبدو منقسمًا ولا مصالح خاصة ورؤية واضحة تحكم سياساته بل يميل إلى اليمين تارة واليسار تارة أخرى.
اعتبر التعزيون في بيانهم أن الإمارات شريكًا أساسًا بعملية التحرير، موضحين أن هناك جهات تحاول بث الأكاذيب ونشر الشائعات لإيجاد حالة من القطيعة والخلاف بين الإمارات والجيش والمقاومة في تعز، الأمر الذي أثار حالة من البلبلة السياسية، خصوصًا أن الإصلاح لم يعد مؤثرًا في جبهات القتال، بل بات صناع السياسة في الحزب على اقتناع تام أن الدوحة طريق الإخوان الوحيد لإعادتهم إلى المشاركة في الواجهة السياسية بعدما احتلها الحوثيون بجدارة، ونجحوا في وضع الجميع خلفهم بدرجات عدة وهو السبب الرئيس للنزاع والصراع الذي نشب بينهم وبين علي عبد الله صالح وأنصاره.
كيف عاد الإصلاح للمشهد السياسي؟
لم تتأثر الإمارات كثيرًا بالبيانات العاطفية للإخوان في اليمن، وشنت حملة اعتقالات في الجنوب بحق شخصيات عسكرية إخوانية من العيار الثقيل، مما دفع الإخوان للهياج السياسي وهددت قيادات الإصلاح بسحب مقاتليهم من كل جبهات القتال ردًا على الصلف الإماراتي معهم، واحتجاز الحزام الأمني التابع لها كبار القادة العسكرين الإخوان أهمهم قائد لواء 83 مدفعية الواقع في الضالع بمنطقة مريس العقيد الركن عادل الشيبة، وقائد لواء الاستقبال العقيد فضل عبد الرب.
يبدو أن جماعة الإخوان باتت مدركة أن الأزمة اليمنية التي تصيب الحياة اليمنية بالشلل، مفتاحها عند اليمنيين أنفسهم من أقصى اليمن لمجاهل اليسار
السلوكيات العدائية للإمارات في اليمن جعلت الإخوان يدركون أنهم ليسوا أكثر من “كارت” يلوح به أبناء زايد ومن خلفهم السعودية وليس العكس، وكأن الخروج بهذه الاستنتاجات كانت تحتاج لفلاسفة القرون الوسطى لاستنتاجها، جنبًا إلى جنب مع تصريح كاشف لمحمد بن سلمان يعلن فيه الهدف الحقيقي من الحرب التي اندلعت فقط لتبدد الهاجس السعودي بضرورة قطع ذراع حزب الله جديد كان ينمو بقوة على حدود البلاد الجنوبية، وهو الاعتراف الذي أوضح ركاكة الحجة المعلنة للحرب على اليمن “الشرعية”، وبساطة تقترب من السذاجة في الفكر السياسي الإخواني، الذي يهيم يمينًا ويسارًا دون أن يحسب خطواته جيدًا، أو يحدد الهدف الذي يشارك في معترك سياسي من أجله.
تحالف يمني قطري.. الدلالات والنتائج
سريعًا، بدأ الإخوان إرسال الدعوات للتصالح مع الحوثي، وجاءت النداءات من أغلب قيادات الصف الأول في حزب الإصلاح اليمني أهمها على الإطلاق وأكثرها دلالة على صدقية الإصلاح في الاتجاه الجديد، كانت دعوة عضو مجلس النواب الشيخ جعبل طعيمان الذي دعا للتحالف والحوار بين حزبه وجماعة الحوثي والتكتلات السياسية اليمنية وذلك تدعيمًا لدعوة القيادي المخضرم وعضو مجلس النواب أيضًا الشيخ محمد الحزمي، ويبدو أن جماعة الإخوان باتت مدركة أن الأزمة اليمنية التي تصيب الحياة اليمنية بالشلل مفتاحها عند اليمنيين أنفسهم من أقصى اليمن لمجاهل اليسار.
الأمر الذي يعزز من الخطوة الإخوانية، الهجوم القطري الشرس على الدور السعودي والإماراتي في اليمن سواء قبل أو بعد إبعاد قطر عن التحالف العربي الذي سعى رمزيًا لإعادة الشرعية في اليمن، ودعمت الدوحة من خلال وسائل إعلامها دعوات الإخوان لسحب مقاتليها من الجبهات المتعددة والانخراط في مفاوضات يمنية لإيجاد حل للأزمة التي أخرجت قطر من المعادلة العسكرية والسياسية فيها بعد المقاطعة، ولم يتبق لها إلا نفوذ إعلامي كاسح يشن هجمات شرسة ومركزة على التحالف، ويفضح أجندته الحقيقية من وراء الحرب على صنعاء.
لا تدرك جماعة الإخوان الغايات السياسية من التقرب لها على نحو مريب إلا في وقت متأخر جدًا
إطلاق السعودية يد الإمارات في اليمن ولا سيما المحافظات الجنوبية التي تشكل مناطق نفوذ حزب الإصلاح، وإحراق مقراتهم واعتقال قياداتهم وملاحقتهم لا يزال يشكل غصة في حلق القيادة القطرية، كان هذا واضحًا في حديث رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم آل ثاني، الذي أكد خلال حديث تاريخي له مع تليفزيون قطر قبل أيام، أن بلاده استجابت للسعودية وشاركت في التحالف وهي لا تعلم ما الأهداف الحقيقة للحرب، وهو ما يتسق مع تصريحات وزير الدفاع القطري خالد العطية الذي قال في يوليو الماضي إن بلاده أُجبرت على المشاركة في التحالف وكان وجودها مقتصرًا على المشاركة ضمن القوات السعودية في الحدود مع اليمن .
المثير أن تحركات الإصلاح جنبًا إلى جنب مع غضب القيادة القطرية والتصريحات النارية لأربابها، وهجوم الإعلام القطري بأجنحته كافة على الإمارات والسعودية، جاء موازيًا لخروج المتحدث الرسمي لجماعة الحوثيين محمد عبد السلام، والذي ظهر على قناة الجزيرة بداية الأسبوع الحاليّ داعيًا فرقاء اليمن إلى الحوار ومد يد السلام، وردد نفس العبارات القطرية الإخوانية مؤكدًا أن السعودية والإمارات ومن خلفهما وواشنطن، لم يأتوا لليمن من أجل أحد بل من أجل مصالحهم الذاتية.
وكان ضلع الصورة الثالث في اليمن علي عبد الله صالح، بدأ السيناريو الجديد لحل الأزمة داعيًا حزب الإصلاح اليمني لإطلاق يده من التحالف مع السعودية، بنفس المفردات التي استخدمها الحوثيون والإخوان لاحقًا، مما يعني أن البصمة القطرية حاضرة وبقوة وتؤكد أنها لا تدخل ملعبًا إلا وتضع لنفسها فيه نصيب الأسد من الحضور والتأثير، مهما كانت المعوقات التي تسعى لعرقلتها.
الإخوان إلى أين؟
كالعادة لا تدرك جماعة الإخوان الغايات السياسية من التقرب لها على نحو مريب إلا في وقت متأخر جدًا، فالحزب الذي ذهب طوعًا إلى الرياض بعدما لاطفته سياسيًا بفتح الأبواب على مصراعيها أمامه، لم يكن يعلم أنها تستقطبه لإعلان فك ارتباطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وقطع أي تواصل للحزب مع حماس والجماعة الأم في مصر، وأعطاها بالفعل ما تريد على ورقة بيضاء.
أعلن الإصلاح اليمني قبل عامين أنه تنظيم داخلي لا علاقة له بالإخوان، وكأنه بذلك حل المعضلة ووضع الحصان أمام العربة في مكانه الطبيعي لنيل ثقة صناع القرار التقليدين في المنطقة لا ليؤكد على استراتيحية فكرية وسياسية سعى إليها بكامل إرادته واقتناعه وليس لصالح وغايات الآخرين، ليجد في النهاية جفاءً واستخدامًا سياسيًا مهينًا، وكأنه لم يكن يدرك أن اقتلاع الفكر الإخواني حاليًا هو الاستراتيجية الكبرى والدراما التي تنثرها الأنظمة الملكية والعسكرية للاستمرار في صدارة المشهد السياسي باعتبارها مصابيح تنوير تحمي شعوبها من ظلامية دينية تجسد أذرع الإخوان بالعالم أهم أركانها.