يقول المثل الشهير: “من شابهَ أباهُ فما ظلم”. معنى هذا المثل لا يقتصر على الشبه بين الأب وأولاده في الشكل فقط، بل يتعداه إلى الشبه في المضمون، فعندما يسير الأبناء على نهج آبائهم، في الأفعال أو الأقوال أو العادات والطباع يُضرب هذا المثل، وكذلك عندما يرث الأبناء موهبة آبائهم ومهارتهم ومهنتهم، يُستعمل هذا المثل الشهير.
فماذا عن أشهر العائلات التي خرّجت آباءً وأبناءً بصموا في تاريخ كرة القدم؟ وهل كُتب لجميع الأبناء الذين ورثوا مهنة آبائهم الكروية النجاح؟ تابعوا معنا.
تُعد عائلات: مالديني وكرويف وشمايكل وألونسو والكانتارا وآيو ورايت وسانشيز وبليند وإمام، أشهر من خرجت آباءً وأبناءً لعبوا كرة القدم
1- عائلة مالديني – إيطاليا
تشيزاري وباولو مالديني
أشهر العائلات الرياضية الإيطالية على الإطلاق، فالأب تشيزاري يُعد واحد من ألمع مدافعي نادي ميلان في الخمسينيات والستينيات، حيث لعب له مدة 12 عامًا، حقق خلالها لقب الدوري الإيطالي أربع مرات، ودوري أبطال أوروبا مرةً واحدةً عام 1963، كما مثل منتخب إيطاليا كلاعب في مونديال عام 1962، قبل أن يقوده كمدرب في مونديال عام 1998.
أما الابن باولو، فيُصنف كواحدٍ من أفضل المدافعين الإيطاليين على مر التاريخ، وهو لم يعرف سوى نادٍ واحدٍ طوال مسيرته، هو نادي أبيه الروزونيري، الذي حمل ألوانه مدة 24 عامًا بين عامي 1985 و2009، حقق خلالها لقب الدوري الإيطالي سبع مرات، ولقب دوري أبطال أوروبا خمس مرات، كما مثل منتخب إيطاليا في أربعة مونديالات عالمية ولعب نهائي كأس العالم عام 1994.
ولا تقتصر عائلة مالديني على الأب والابن، فالحفيدان كريستيان ودانيال أيضًا يسيران على نهج والدهما باولو وجدهما تشيزاري، وهما حاليًا من أبرز المواهب الصاعدة في أكاديمية نادي ميلان.
2- عائلة كرويف – هولندا
عندما يكون الأب أسطورةً لا تتكرر، يصعب على الابن مجاراة نجاحاته مهما امتلك من موهبة، وذلك بسبب الضغط النفسي والعصبي الذي تولده المقارنات التي تطارد اللاعب أينما حل وارتحل، وهذا بالضبط ما عانى منه جوردي نجل الأسطورة الهولندية يوهان كرويف، الذي اتفق الجميع على امتلاكه الموهبة، التي أهلته للعب على أعلى المستويات في ناديي برشلونة ثم مانشستر يونايتد فترة التسعينيات، حيث حقق نجاحاتٍ معقولة، ولكنها لم ترتقِ بطبيعة الحال لنجاحات والده، أفضل لاعبٍ في العالم ثلاث مرات، والذي صنع أسطورته كلاعبٍ في صفوف نادي أياكس، الذي قاده للتتويج بدوري أبطال أوروبا ثلاث مراتٍ متتاليةٍ بين عامي 1971 و1973، ومع منتخب هولندا الذي قاده لبلوغ نهائي كأس العالم عام 1974، قبل أن يصنع أسطورته كمدربٍ في نادي برشلونة، الذي قاده لتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه عام 1992.
3- عائلة شمايكل – الدانمارك
بيتر وكاسبر شمايكل
لا يمكن لمحبي ومشجعي نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، أن ينسوا اسم واحدٍ من أفضل حراس المرمى الذين حموا عرين ناديهم عبر التاريخ، الدانماركي بيتر شمايكل، الذي لعب للشياطين الحمر في التسعينيات، وحقق معهم أمجادًا خالدةً، منها لقب الدوري الإنجليزي خمس مرات، ولقب دوري أبطال أوروبا مرةً واحدةً عام 1999، كما بصم بقوةٍ في تاريخ منتخبه الوطني الدانماركي، عندما قاده لتحقيق لقب أمم أوروبا عام 1992.
أما الابن كاسبر، فرغم احترافه في الدوري الإنجليزي منذ عام 2005، إلا أنه بقي مغمورًا حتى عام 2016، الذي شهد التتويج الإعجازي لناديه ليستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي، والذي لعب فيه كاسبر دورًا رئيسيًا، جعل الجماهير لا تجد غضاضةً في ذكر اسمه إلى جانب اسم والده الأسطوري، خاصةً وأنه ورث كذلك مكانه في حراسة مرمى المنتخب الدانماركي منذ عام 2013.
4- عائلة ألونسو – إسبانيا
لعب الأب ميغيل أنخيل الملقب بـ”بيريكو”، في نادي ريال سوسيداد الباسكي أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وساعدهم على التتويج بلقب الليغا الإسبانية مرتين، قبل أن ينتقل إلى برشلونة حيث قضى ثلاثة مواسم حقق خلالها لقب الدوري مرة واحدة، كما مثل المنتخب الإسباني في 20 مباراة، وكان ضمن التشكيلة المشاركة في كأس العالم عام 1982.
أما الابن تشابي، الذي يلعب في نفس مركز والده كلاعب وسط، فقد فاق أبيه في الإنجازات، إذ كان ضلعًا رئيسيًا في منتخب إسبانيا الذهبي الذي حقق لقب كأس العالم عام 2010، ولقبين في أمم أوروبا عامي 2008 و2012، كما أحرز لقب دوري أبطال أوروبا مرتين: مع ليفربول عام 2005، ومع ريال مدريد عام 2014، قبل أن ينتقل إلى بايرن ميونيخ الألماني ويساعده في تحقيق لقب الدوري الألماني ثلاثة مواسم متتالية، قبل أن يعلن اعتزاله الصيف الماضي.
5- عائلة الكانتارا – البرازيل
مازينهو يتوسط ولديه رافينيا وتياغو
رغم عدم تمتعه بموهبة كبيرةٍ كما يقول معظم النقاد، استطاع لاعب الوسط الدفاعي البرازيلي مازينهو الكانتارا، تسجيل اسمه بحروفٍ من ذهبٍ في تاريخ الكرة العالمية، بإحرازه لقب كأس العالم مع منتخب البرازيل عام 1994.
وخلال فترة احترافه في إيطاليا وإسبانيا، رُزق مازينهو بمولودين كُتب لهما أن يسيرا على نهجه في لعب كرة القدم، فنجح الابن الأكبر تياغو، الذي يتمتع بموهبةٍ كبيرة، في التحول إلى واحدٍ من ألمع نجوم خط الوسط في العالم، رغم مغادرته نادي برشلونة الذي تخرج من أكاديميته، واتجاهه للعب في ألمانيا، مع كبيرها نادي بايرن ميونيخ عام 2013، حيث تُوج معهم بلقب الدوري أربع مراتٍ حتى الآن.
أما الابن الثاني رافينيا، الذي يلعب في مركز الوسط الهجومي، فقد حالت الإصابات دون توهجه في ناديه برشلونة، الذي يلعب له منذ عام 2011، ليجد نفسه بعيدًا عن الأضواء بعكس والده وأخيه الأكبر. يُذكر أن تياغو اختار اللعب لمنتخب إسبانيا التي يحمل جنسيتها، بعكس أخيه رافينيا، الذي فضل السير على نهج والده، وحمل قميص منتخب السيليساو.
6- عائلة آيو – غانا
لطالما قدم منتخب النجوم السوداء الغاني، العديد من المواهب الكروية الفذة، والتي لا يختلف اثنان على أن ألمعها على الإطلاق، لاعب الوسط الهجومي عبيدي بيليه، المتوج بجائزة أفضل لاعبٍ إفريقيٍ ثلاث مراتٍ متتالية بين عامي 1991 و1993، بفضل تألقه مع ناديه الفرنسي مارسيليا، الذي أحرز معه لقب دوري أبطال أوروبا عام 1993، وقبلها قاد منتخبه الغاني للتتويج بلقب أمم إفريقيا عام 1982.
وقد رُزق عبيدي آيو، وهو اسمه الحقيقي، بثلاثة أبناء، جميعهم أصبحوا لاعبي كرة قدم، ومثلوا منتخب النجوم السوداء الغاني في فتراتٍ مختلفة، ويُعد أشهرهم الابن الأوسط أندريه، جناح نادي ويستهام يونايتد الإنجليزي حاليًا، الذي توج بجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2011 بحسب استفتاء محطة BBC، ومن بعده يأتي الابن الأصغر جوردان، مهاجم نادي سوانزي سيتي الإنجليزي حاليًا، أما الابن الأكبر ابراهيم، الذي يلعب في مركز الوسط الدفاعي، فهو أقلهم نجاحًا، إذ يلعب حاليًا في نادي أشانتي كوتوكو الغاني.
7- عائلة رايت – إنجلترا
أيان رايت بجانب ولديه شون وبرادلي
من الأمثلة التي غطى فيها بريق الأب على موهبة الأبناء، حيث يُعد الأب أيان رايت، الذي لمع خلال تسعينيات القرن الماضي، أحد أبرز المهاجمين في تاريخ الدوري الإنجليزي، إذ تُوج بلقب هداف الدوري لموسم 1991-1992 مع ناديه أرسنال، الذي قضى في صفوفه سبعة مواسم، سجل خلالها 113 هدفًا، ساهمت في إحرازه لقب الدوري عام 1998.
ولم يستطع الابن الأكبر شون رايت فيليبس، مجاراة شهرة ونجومية والده، رغم موهبته الظاهرة، التي أهلته للبروز في صفوف أنديةٍ كبرى كمانشستر سيتي وتشيلسي، الذي حقق معه لقب الدوري عام 2006، قبل أن يشد الرحال إلى الدوري الأمريكي، حيث يلعب منذ عام 2015.
أما الابن الأصغر برادلي رايت فيليبس، فرغم الفرص التي أتيحت له باللعب في أنديةٍ شهيرةٍ كمانشستر سيتي وساوثمبتون، إلا أنه لم يصب حظًا من النجاح والشهرة، لينتهي به المطاف كذلك إلى الدوري الأمريكي، حيث يلعب حاليًا.
8- عائلة سانشيز – إسبانيا
تشابهٌ كبيرٌ في مسيرة الأب وابنه، فكلاهما يحمل الاسم ذاته، ولعب في المركز ذاته، وحقق الأمجاد مع النادي ذاته. الأب مانويل مدافع نادي ريال مدريد في الستينيات، حقق لقب الدوري الإسباني أربع مرات، ولقب دوري أبطال أوروبا مرةً واحدةً عام 1966، والابن مانويل الذي قضى كامل مشواره الرياضي في صفوف النادي الملكي، حقق لقب الدوري الإسباني ثماني مرات، ولقب دوري أبطال أوروبا مرتين عامي 1998 و2000، كما مثل اللاعبان منتخب إسبانيا الأول في كأس العالم، فظهر الأب في مونديال عام 1966، والابن في مونديال عام 1990.
9- عائلة بليند – هولندا
ما زالت ذاكرة عشاق الكرة الهولندية، تحتفظ بصورة المدافع الصلب ذي الشعر الأجعد داني بليند، الذي قضى معظم مسيرته الكروية في نادي أياكس، حيث لعب بين عامي 1986 و1999، محققًا خمسة ألقابٍ في الدوري، ولقبًا عزيزًا في دوري أبطال أوروبا عام 1995، كما لعب لمنتخب هولندا 42 مباراة دولية، قبل أن يتحول إلى التدريب بُعيد اعتزاله، حيث أشرف على تدريب ناديه ومنتخب بلاده.
وقد أحيا ذكره بعد نحو عقدٍ من اعتزاله، ابنه دالي، الذي يشبهه في الشكل ومركز اللعب، كما يحاكيه في مسيرته الرياضية التي ما زالت مستمرة، حيث لعب لأياكس وحقق معهم لقب الدوري الهولندي أربع مرات، قبل أن ينتقل إلى مانشستر يونايتد حيث يلعب حاليًا، كما أصبح قطعةً أساسيةً في المنتخب الهولندي منذ عام 2013.
10- عائلة إمام – مصر
تُعد عائلة إمام المصرية، أحد أشهر العائلات الكروية على صعيد الوطن العربي والقارة الإفريقية، فقد قدمت ثلاثةً من أعظم اللاعبين في تاريخ الكرة المصرية ونادي الزمالك القاهري، بدءًا بالجد يحيى الحرية، الذي حمى عرين نادي القلعة البيضاء في الفترة الممتدة بين أواخر الثلاثينيات ومطلع الخمسينيات، وكان الحارس الأساسي لمنتخب مصر معظم تلك الفترة، ومرورًا بالأب حمادة، المهاجم الخطير الملقب بثعلب الكرة المصرية، والذي لعب لنادي الزمالك ومنتخب مصر فترة الستينيات ومطلع السبعينيات، وليس انتهاءً بالابن حازم، لاعب الوسط الممتاز، الذي قضى معظم مسيرته في نادي الفن والهندسة، حيث تُوج معه بلقب دوري أبطال إفريقيا مرتين عامي 1996 و2002، كما حقق لقب بطولة أمم إفريقيا عام 1998 مع المنتخب المصري.
يُذكر أن ظاهرة الآباء والأبناء ليست غريبةً عن الكرة المصرية، وأشهر أمثلتها حاليًا حارس مرمى المنتخب المصري والنادي الأهلي شريف إكرامي، وهو نجل إكرامي الشحات، حارس مرمى المنتخب المصري والنادي الأهلي في السبعينيات والثمانينيات.
زين الدين زيدان مع ولديه إنزو ولوكا
وهكذا نجد أنه لا يمكننا إطلاق سمة النجاح أو الفشل على جميع تجارب الأبناء في كرة القدم، فمنهم من نجح فعلًا وأفلح في مضاهاة صيت والده بل والتفوق عليه، كباولو مالديني وتياغو الكانتارا وتشابي ألونسو، ومنهم من اكتفى بالعيش في عباءة نجومية والده دون أن يتمكن من الخروج منها، كجوردي كرويف وشون رايت فيليبس، علمًا بأننا لم نتطرق إلى تجارب أخرى لاقت فشلًا ذريعًا، لدرجةٍ اندثر فيها اسم الابن وضاع أمام اسم والده الكبير، فمن يعلم مثلًا أن للأسطورة البرازيلية بيليه ابنٌ احترف كرة القدم اسمه إدينيو؟ ولدييغو مارادونا ابنٌ لعب الكرة واعتزل دون أن نسمع باسمه “دييغو سينارا”؟ وللقيصر الألماني فرانتس بيكينباور ولدٌ اسمه ستيفان، احترف الكرة واعتزلها قبل أن توافيه المنية عام 2015؟
وأخيرًا، لا بد من التنويه إلى تنامي ظاهرة الآباء والأبناء في كرة القدم بشكلٍ كبيرٍ مؤخرًا، فقد أصبح معظم نجوم الكرة اليوم يدفعون بأولادهم لاحتراف الساحرة المستديرة منذ نعومة أظافرهم، طمعًا بالمكاسب الهائلة التي غدت تدرها اللعبة، فها هو النجم الفرنسي الشهير ومدرب فريق ريال مدريد الحالي زين الدين زيدان، يزج بأبنائه الأربع إنزو ولوكا وثيو وإلياس، إلى عالم كرة القدم، ومثله دافيد بيكهام وباولو مالديني ودينيس بيركامب وديديه دروغبا وباتريك كلويفرت وروبن فان بيرسي وريفالدو وجورجي هاجي ودييغو سيميوني ومايكل لاودروب، وغيرهم من نجوم الأمس واليوم، الذين يرجون أن ينجح أبناؤهم في السير على خطاهم، ليصبحوا نجوم المستقبل.