ترجمة حفصة جودة
هذا الأسبوع ستقدم تيريزا ماي إهانة محسوبة للفلسطينيين، فوعدها بإحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر يشير إلى أي مدى تذهب الحكومة البريطانية في دعمها للعدوان الإسرائيلي، فقد أكدّ موظفو الخارجية على المدافعين عن حقوق الإنسان أنه سيتم الاحتفال بوعد بلفور رسميًا بدلاً من الاحتفال الذي تم إلغاؤه في “داونينغ ستريت”، فما الذي تفخر به تيريزا ماي تحديدًا؟
الراعي الملكي
في يوم 2 من نوفمبر 1917 أعطى آرثر جيمس بلفور – وزير الخارجية البريطانية آنذاك – الضوء الأخضر لعملية سرقة واسعة النطاق، فمن خلال إعلانه قيام الاتحاد الصهيوني أصبحت بريطانيا الراعي الملكي لدولة اليهود والتي ستكون في فلسطين من خلال طرد سكانها بشكل جماعي.
لم يكلف بلفور نفسه عناء استشارة الفلسطينيين في الأمر، فكما قال بعد عدة سنوات من إعلانه أن بريطانيا تهتم بشكل أكبر بالتطلعات الصهيونية عن رغبات وتحيزات 700 ألف عربي يعيشون في تلك الأرض القديمة.
وفي الوقت الذي اكتسب فيه مبدأ حق تقرير المصير رواجًا كبيرًا وأيده الرئيس الأمريكي آنذاك وودرو ويلسون، كان وعد بلفور أمرًا شاذًا، حُرم الفلسطينيون من الحكم الذاتي بنسبة كبيرة بسبب الضغط الهجومي الذي قام به حاييم وايزمان – صهيوني له نفوذ كبير ويعيش في مانشستر -، وكمبدأ عام فجميع الأراضي العثمانية القديمة تُدار لصالح سكانها الحاليين، لكن حاييم قال يجب أن يكون هناك استثناءٌ بشأن فلسطين.
“إنشاء مستعمرة يهودية في فلسطين سيمنع فرنسا من السيطرة على قناة السويس” – هربرت صامويل
وبينما أعلن وايزمان أنه سيعطي الفلسطينيين حقوقهم، إلا أنه أصر على منحهم وضعًا أقل من المستوطنين اليهود القادمين، واليوم يعتبر الاحتلال الإسرائيلي أن هذا الوعد بمثابة تصرف شهم تجاه اليهود المضطهدين.
تعتبر الصهيونية حركة أيدولوجية معارضة صارمة أسسها اليهودي الوحيد في مجلس وزراء الحكومة البريطانية عام 1917 إيدوين مونتاغو، وحذر مونتاغو في مذكرة دبلوماسية واضحة أن اليهود سيُعاملون في كل البلاد مثل الأجانب إلا في فلسطين”.
كانت وجهة نظر مونتاغو معارضة تمامًا لرأي هربرت صامويل ابن عمه وعضو مخلص للحركة الصهيونية، فقد عزز صامويل من الأيدولوجية كأداة للنهوض بمصالح بريطانيا، وقال صامويل إن إنشاء مستعمرة يهودية في فلسطين سيمنع فرنسا من السيطرة على قناة السويس والتي تقع على طريق التجارة الرئيسي الذي يربط بين أوروبا والهند.
العقاب الجماعي البريطاني
كان لصامويل دور محوري في الجهود الرامية للتأكد من أن الإعلان سيكون له آثار عملية، خاصة بعد أن تم دمجه بتفويض عصبة الأمم والذي تحكم بريطانيا بموجبه فلسطين بين الحربين العالميتين.
في عام 1920 أصبح صامويل أول مندوب بريطاني لفلسطين، وخلال 5 سنوات تالية قام بالعديد من الإجراءات الضخمة لتسهيل وتمويل اقتناء الحركة الصهيوينة للأراضي التي يعيش فيها الفلسطينيون ويزرعونها منذ أجيال.
هذه الأوامر منحت الجنود البريطانيين تفويضًا مطلقًا لترويع الفلسطينيين دون عقاب
تمكنت الوحشية الشديدة من سحق المقاومة، فعندما اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات من القرن الماضي قالت الإدارة البريطانية في القدس للقادة العسكريين إنهم يستطيعون اتخاذ أي إجراءات يرونها ضرورية، وبناءً على ذلك عوقب الناس بشكل جماعي لعدم انصياعهم للظلم، واعتقل أكثر من 100 رجل من قرية حلحول قرب الخليل في شهر مايو عام 1039 بحجة أنهم سيئو السمعة، توفي 8 منهم بسبب الحر الشديد حيث كانوا محتجزين في قفص بالهواء الطلق.
ألقت السلطات البريطانية باللوم على المناخ وأنه السبب في وفاتهم، لكنها اعترفت أنها منعت عنهم الطعام والمياه لعدة أيام متتالية، وفي المراحل الأخيرة للثورة سدد برنارد مونتجموري – شخصية معروفة في الجيش البريطاني – ضربة قوية للسياسية، فبناءً على أوامره يتم اعتبار أي شخص يساعد المقاومة بأنه منهم، هذه الأوامر منحت الجنود البريطانيين تفويضًا مطلقًا لترويع الفلسطينيين دون عقاب.
المليشيات الصهيونية
استأجرت بريطانيا أعضاء الهاغانا – أكبر المليشيات الصهيونية في هذا الوقت – لمساعدتها على قمع الثورة، ونتيجة لهذا التعاون حصلت العديد من القوات الصهيونية على تدريب بريطاني بعد أن طردت نحو 75 ألف فلسطيني من منازلهم خلال عقد من الزمان، وبذلك وضعت بريطانيا حجر الأساس للنكبة – التطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948 -.
لكن العلاقة بين بريطانيا والصهيونية لم تكن سلسة، فقط ظهرت جماعتان صهيونيتان مسلحتان (إرجون وشتيرن) وتعاملتا مع بريطانيا كأنها عدوتهن اللدود في الأربعينيات، وبعد الهجمات التي شنوها ضد بريطانيا، اضطر وينستون تشرشل إلى التنازل عن دعمه للصهيونية ولوم الأيدلولوجية على إنتاج تلك العصابات، لكن رد فعل بريطانيا على أعمال تلك العصابات كان محدودًا مقارنة بطريقة تعاملها مع الثورة الفلسطينية في الثلاثينيات.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مفيدًا لإسرائيل حتى على المدى القصير
أكد آلان كونينغهام آخر مندوب بريطاني لفلسطين علىى ضرورة وفاء بريطانيا بالتزاماتها للصهيونية بموجب تفويض عصبة الأمم، في المقابل كان كونينغهام غير مبالٍ بمعاناة الفلسطينيين، وفي إحدى المرات برر تدمير بريطانيا لمساكن الفلسطينيين في الثلاثينيات بقوله إنها مبان ذات قيمة مالية قليلة نسبيًا، تخلت بريطانيا عن ولايتها فلسطين في مايو 1948 وبعدها مباشرة أعلنت “إسرائيل” نفسها كدولة.
مقاطعة “إسرائيل” واجب أخلاقي
استمرت بريطانيا في رعاية الصهيونية، فالعديد من الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” ضد الإنسانية دعمتها بريطانيا، والاحتلال العسكري الذي بدأ في يونيو 1067 ساعدت فيه مدرعات القتال البريطانية، حتى الهجوم الإسرائيلي على غزة في صيف 2014 دعمته بريطانيا بكل حماس.
قد يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مفيدًا لـ”إسرائيل” حتى على المدى القصير، ففي الوقت الذي توترت فيه علاقة تيريزا ماي بالقادة الأوروبيين، كانت تعتبر بنيامين نتنياهو حليفًا ثابتًا، وسوف يلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي معاملة مميزة عند حضور احتفالات بلفور في لندن هذا الأسبوع.
أظهر تدليل ماي لنتنياهو أنها لا تتفق مع الرأي العام، فبينما تسعى الحكومة لتعزيز التجارة مع “إسرائيل”، يقاطع المواطنون في بريطانيا وحول العالم البضائع والمؤسسات الإسرائيلية، هناك صدى تاريخي عن الأهمية المركزية للمقاطعة في الجهود المبذولة لتصحيح الخطأ الذي قام به آرثر بلفور وزملاؤه، لقد أهانت المقاطعة أرستقراطية بلفور عندما استُخدمت لتحدي السلطة.
في أثناء إدارته للمستعمرة البريطانية في أيرلاندا في أواخر القرن الـ19، أيد بلفور التشريعات التي من شأنها معاقبة من يقاطعون ملاك الأراضي بالعمل الشاق ستة أشهر، سُمي هذا المصطلح نسبة لتشارلز بويكوت أحد وكلاء الأراضي والذي رفض موظفوه التعاون معه بعد أن ساعد في مجموعة من إشعارات الإخلاء، لذا من المناسب أن يقاوم الفلسطينيون إرث بلفور البغيض بالطريقة التي كان يرفضها بشدة، مقاطعة “إسرائيل” واجب أخلاقي.
المصدر: ميدل إيست آي