تعرّف شركة مونسانتو نفسها بأنها شركة زراعية تساعد المشاريع الصغيرة على النمو والنجاح، وتعبر عن دورها في تقديم الأدوات والمعدات اللازمة للمزارعين لتوفير حاجة العالم من الغذاء، وتضيف أنها تجتهد بصناعة أفضل المنتجات وأكثرها أمانًا للمستهلكين أيضًا، وليس فقط للمزارعين، كما تعرض التحديات البيئية التي تواجهها مثل التغير المناخي، وتتعهد باستمرار الإنتاج الزراعي في العالم بالشكل الذي يتلاءم مع احتياجات ومتطلبات الجميع.
فهي المنتج الأول والأكبر للبذور الزراعية، إذ تقدر قيمتها بـ21 مليار دولار وعدد موظفين يصل إلى 20 ألف عامل، و500 مقر في 69 دولة، وتعتبر الهند السوق الأكبر لمونسانتو خارج الأمريكيتين منذ عام 2002، مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك 70% من محاصليها الزراعية عن طريق الهندسة الوراثية.
قد يبدو هذا التعريف مقدمة لطيفة عن مانسانتو، خاصة أنها تؤكد على مبادئها الأساسية والتي تقوم على النزاهة والشفافية، ولكن إذا بحثت عن مونسانتو على محرك البحث “غوغل” فإنك ستجد العشرات من التقارير التي تنشر أخبارًا تفيد بضرورة تجنب التعامل مع هذه الشركة، وتفسر أسباب كره العالم لها من خلال استعراض الجرائم أو الأخطاء الكارثية التي سببتها منتجات هذه الشركة، حتى تكاد تختفي ملامح الانطباع الأول، ليحل مكانها لقب “الشيطان”، بحسب وصف بعض الصفحات الإخبارية.
على مدى العقد الماضي ارتبطت مونسانتو بألفاظ الكراهية والشر، وتعرضت الشركة ومنتجاتها، بالتحديد البذور المعدلة وراثيًا والمبيدات السامة، للعديد من التحقيقات والاحتجاجات العالمية والاعتداءات من الناشطين في مجال البيئة، كما وثقت العديد من الأفلام تاريخ وأفعال هذه الشركة.
ومن هنا تبدأ الأسئلة بالظهور مثل لماذا تحظى هذه الشركة بكل هذا الاهتمام؟ ولماذا تعتبر أخطاؤها ذنبًا لا يغفر؟
مونسانتو.. كيف بدأت وأصبحت ما عليه؟
تأسست الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية، سانت لويس، عام 1901، على يد جون كويني الذي كان يعمل في إحدى شركات صناعة الأدوية، قبل أن يبدأ في تحقيق مشروعه الخاص، بدأت مونسانتو كشركة كيميائية تقتصر على إنتاج المنكهات أو الإضافات الصناعية للأغذية مثل الكافيين والفانيلين والسكارين.
ومن بعدها توسعت الشركة لتعمل في أنحاء أوروبا ونجحت في حجز مقعد خاص بها في عالم المال والأعمال، حتى تمكنت من إضافة بصمتها بشكل واضح من خلال الاتفاقات والعقود التي قامت بها مع عدد من الشركات العالمية.
تسبب هذا المنتج السام في قتل الكثير من الأشخاص، نحو 400 ألف فيتنامي ما بين قتيل ومصاب ومشوه، فضلًا عن حالات التشوه التي سببها، إضافة إلى الأطفال والأجنة الذين ولدوا بعيوب متسببة في إلحاق الضرر بالكثير من الأشخاص
أما أبرز محطاتها وأكثرها خطورة كانت في عام 1943، أي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بعامين، عندما دعت واشنطن الشركة للعمل معها في مشروع مانهاتن السري الذي كان يهدف إلى صناعة وتطوير الأسلحة النووية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبدعم المملكة المتحدة وكندا، بعدما تلقت الحكومة الأمريكية موافقة الشركة على التعاون معها في هذا البحث ارتكبت مونسانتو جريمة حرب لم تحاسب عليها على الرغم من حجم الخسائر المادية والبشرية التي تسببت بها، وذلك لأن الجيش الأمريكي وقف في ظهر مونسانتو التي كانت مسؤولة عن تصنيع الأسلحة في حرب فيتنام.
ويمكن اختصار الحادثة بالعنصر أو العامل البرتقالي، وهو خليط كيميائي سام ومبيد أعشاب نازع لأوراق الشجر، والمرتبط بالأمراض السرطانية وتشوهات المواليد، الذي استخدمته أمريكا في أثناء الحرب السامة أو البيولوجية في فيتنام، ورشت منه 12 مليون رطل أو جالون لرفع الغطاء عن الفيت كونغ “الحركة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام” ومقاتلي شمال فيتنام، ومنذ ذلك الوقت قدرت إحصائيات الصليب الأحمر أن نحو مليون شخص يعانون من التشوهات أو الإعاقات بسبب هذا المبيد السام، وذلك منذ عام 1961 إلى 1970.
السيطرة على سوق الزراعة
وازدادت قوة ونفوذ مونسانتو في الوقت التي قررت فيه الاستحواذ على الشركات الكيميائية الأخرى والمصانع التي قد تفيدها في زيادة حجم صناعاتها، إلى جانب الاتفاقات مع الحكومة الأمريكية والتعاونات التي شهدتها مع البنتاغون.
كذلك زادت الشركة من حجم استثمارتها في أبحاث الوراثة الحيوية، واستحوذت على عدد من شركات البذور الزراعية لتعيد لنفسها الهوية السابقة وللتركيز على إنتاج البذور الزراعية المهندسة وراثيًا والمعدلة جينيًا، ومن أوائل المنتجات المعدلة وراثيًا فول الصويا الذي وافقت عليه وزارة الزراعة الأمريكية عام 1994.
لم تواجه الشركة أعداءً أكثر من منظمات أصدقاء البيئة والجهات الداعمة والمؤيدة للمنتجات العضوية حتى عام 1996، حتى ظهور مرض جنون البقر في بريطانيا، الأمر الذي أدى إلى ربط هذا المرض بالمحاصيل المعدلة وراثيًا، ومن حينها ثار العالم ضد هذه الشركة ومنتجاتها التي اعتبرها قاتلة ومجهولة العواقب، ومن أشهر الشخصيات العامة التي عبرت عن تأييدها للزراعية العضوية الأمير تشارلز والذي قال “الهندسة الوراثية الزراعية تأخذ البشرية إلى عوالم تنتمي إلى الله، إلى الله وحده” وهذه إشارة إلى النتائج المجهولة عن منتجات مونسانتو.
وكانت هذه القضية ما سحقت سمعة الشركة بين دول العالم، وخاصة بسبب تصريحاتها التي اعتبرها البعض غير متفهمة أو متعاونة، وفيها نبرة واضحة من التعالي لا سيما أن مونسانتو قالت: “الهندسة الزراعية الوراثية مسألة آراء، وينبغي السماع للجميع”، مضيفة أراقام التواصل الخاصة بها وبالجهات المعارضة لصناعاتها، مما زاد من تفاقم موجة الغضب عليها.
على الرغم من قوة علاقة مونسانتو بالحكومة الأمريكية فإنها أرغمت عدة مرات على دفع تعويضات مكلفة للعديد من الجهات المتضررة من صناعاتها، وآخرها كان العام الماضي عندما دفعت الشركة غرامة بقيمة 80 مليون دولار بسبب إخفائها الأرباح الحقيقية لمبيدها الحشري الأشهر “راوند أب”
هذا رغم عدم وجود دليل علمي قاطع على خطورة وضرر هذه التعديلات الجينية التي يرفضها داعمو الزراعة العضوية والبيئة والذين يربطوا الكوارث البيئية بالتكنولوجيات الزراعية الحديثة وبالتالي بشركة مونسانتو، إلا أن هذا لا يزيل الشكوك عن عمل مونسانتو ونهجها في العمل.
جدير بالذكر أنه على الرغم من قوة علاقة مونسانتو بالحكومة الأمريكية فإنها أرغمت عدة مرات على دفع تعويضات مكلفة للعديد من الجهات المتضررة من صناعاتها، وآخرها كان العام الماضي عندما دفعت الشركة غرامة بقيمة 80 مليون دولار بسبب إخفائها الأرباح الحقيقية لمبيدها الحشري الأشهر “راوند أب”.
الجانب المشرق الذي تعمل عليه الشركة لتحسين صورتها الإعلامية والعالمية، هو التمويلات التي تقدمها لمراكز الأبحاث الطبية المتخصصة في علاج السرطان بجامعة هارفرد، إضافة إلى جائزة قيمتها 2000 دولار لأعضاء مجتمع مهندسي نظم الأمان والسلام بهدف التشجيع على الاهتمام بنظم الوقاية من الحوادث.
ورغم هذه المساعي لاسترداد سمعتها فإن بعض الدول منعت المحاصيل المعدلة وراثيًا لمدة عقد كامل حتى تتضح أضرارها على السلامة، ومن هذه الدول البيرو والمجر التي حرقت 1000 فدان من المحاصيل المعدلة وراثيًا والتي تعد ممنوعة وفقًا لقوانين هذه البلاد.