ليس سرًا أنّ العلامات التجارية والإعلانات تسعى لأنْ تكون مرتبطة بالسعادة. وبالتالي، فإنّ مدى فهم العاملين في المجال الإعلانيّ لهذا الأمر وأخذه بعين الاعتبار يُعدّ أمرًا أساسيًّا ومركزيًّا. وقد تمّ استخدام السعادة والابتسامات في الإعلانات قديمًا اعتمادًا على الحدس، أمّا في السنوات الأخيرة بات الأمر مدعومًا بعلم النفس ونظرياته.
نشرت كوكاكولا منذ بدايتها أكثر من 56 شعارًا مختلفًا، كاان أحدها عام 2009 Open Happiness أو ما نعرفه باللغة العربية “افتح تفرح”، ووفقًا للشركة فتعريف السعادة باختصار ينطوي على رسم الابتسامة على وجه شخصٍ ما، كما ترى أنّ تغيير العالم لا يحصل خلال يومٍ وليلة، بيد أنّ رسم عدد من الابتسامات وخلق المتعة والفرحة والسعادة “الحقيقة” هو طريق في ذلك، ولذلك تركّز في إعلاناتها ودعاياتها المصوّرة على فكرة الفرح والمتعة والتشارك الاجتماعي وغيرها من المشاعر الإيجابية.
فكيف تعمل السعادة والابتسامات عملها في الإعلانات؟ وهل يستجيب الناس للابتسامات دون وعي على أمل أن يصبحوا سعداء مثل الذين في الإعلان؟
وفقًا لعلم النفس، فالعدوى العاطفية أو الحسيّة تحدث بين الأفراد، وبالتالي فنحن نشعر أنّنا أفضل حينما نرى الآخرين يبتسمون أو يضحكون، وهذا عائد لعمل “أعصاب المرايا” في الدماغ والتي ينطوي عملها على تقليد ومحاكاة سلوكيات وانفعالات وتعابير وجه مَنْ نراهم أمامنا، وبالتالي فعندما تنظر إلى شخصٍ ما يبتسم، فإنّ عواطفك وانفعالاتك تتأثر إيجابيًّا ولو بشكلٍ خفيّ وبسيط جدًا لا يكاد يُشعر به.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الإيجابية أو المزاج الجيد الذي قد يصل إليه المتابع تلعب دورًا كبيرًا في طريقة تعامله مع المعلومات واتخاذه للقرارات المتعلّقة بالمنتج، أيْ أنّ ابتسامة صغيرة لها من التأثير ما يجعل المستهلك يتخذ قرارًا بشراء المنتج وتجربته.
السعادة تجعلنا نريد أن نشارك، وهذا يعني الإعلان الإيجابي هو أكثر عرضة لتلقي مشاركة العملاء والمشاهدين مقارنةً بالإعلانات التي تنطوي على رسائل سلبية أو رسائل غير مفهومة وغير مرتبطة بالعاطفة والمشاعر.
ومن جانب آخر، تلعب العواطف والانفعالات دورًا كبيرًا في ذاكرة الأفراد. فقد لا يتذكر الناس ما قلته، ولكنهم سيتذكرون دائمُا كيف جعلتهم يشعرون أو ما هو المزاج الذي وضعتهم فيه.
وبالتالي تسعى العلامات التجارية على جعل المستهلك يتلقّى استجابة عاطفية مكثفة، وتحاول إيصال العديد من المشاعر الإيجابية له، بوعي أو بدون وعي، بهدف تذكّره تلك المشاعر والعواطف لحظة تعرّضه للمنتج، وهذا ما يجعله أكثر عرضةً لشرائه أو حتى يزيد من حدّة تفكيره فيه، ظنًّا منه أنّه قد يجلب له السعادة تمامًا كما فعل الإعلان.
هناك الكثير من الطرق والاستراتيجيات التي يستخدمها العاملون في مجال الإعلانات لوضع المشاهدين والمتابعين في مزاجٍ جيّد أو إيجابيّ، فإلى جانب الوجوه السعيدة والابتسامات البرّاقة، تلعب الألوان والموسيقى وأناقة الثياب وأسماء الحملات دورًا كبيرًا في العدوى العاطفية التي قد يكوّنها الإعلان.
على سبيل المثال، تُطلق ماكدونالدز منذ عام 1979 اسم “الوجبة السعيدة” على إحدى وجباتها الموجّهة للأطفال، والتي تحتوي على لعبةٍ ما جنبًا إلى جنب مع الطعام والشراب الذي تنتجه الشركة، وفي بعض البلدان يتم استبدال الحليب بدلًا من العصير أو المشروبات الغازية، نظرًا لإنّ الوجبة موجهة للأطفال.
اسم الوجبة لم يأتِ من فراغ، فكلّ حملة تخضع لدراسةٍ وفحص دقيق بناءً على علمٍ قائم على دراسة النفس البشرية وما يؤثر بها. فوضع كلمة “سعيدة” ورسم وجه تعبيريّ مبتسم على غلاف الوجبة يؤثّر كثيرًا في نفسية المشتري، ويجعله يشعر بالسعادة المؤقتة لحظة الشراء بناءً على الأسباب التي ذكرناها في الأعلى.
ومن الجدير بذكره أنْ لا أحد ينتقد صناعة الإعلان للحصول على صور مثالية للسيارات أو الثياب أو الطعام أو غيرها من المنتجات. إنها فقط الصور المثالية للأشخاص والأفراد المبنية على السعادة الوهمية والمثالية المطلقة التي لا تمتُّ للواقع بأي صلة.
ماذا يتعلم الأفراد من الرسائل الإعلانية إذن؟
يغفل الكثير من الأفراد عن أنّ الإعلانات التجارية غير واقعية. وكلّ دعاية أو إعلان بالضرورة انتقائيٌّ ومختار بعناية فائقة تتخللها التعديلات والإضافات. فالتصوير نفسه حيلة، والأشخاص الذين في الإعلان ليسوا أفضل مَن في المجتمع ولا يمثّلون أغلبيته وأفراده.
بشكلٍ واضحٍ جدًا تحاول الإعلانات الوصول إلى مثالية مطلقة لا علاقة لها بالواقع من خلال اختيار شخصياتها، كما تعمل على زرع القوالب النمطية في نفوس مشاهديها، وذلك عن طريق خلق عالم أسطوري، يحتوي فقط على أشخاص سعداء وأغنياء وجميلين، خاصة النساء منهم، فنادرًا ما ترى امرأة سمينة، أو رجلًا حزينًا، أو شخصًا فقيرًا، أو طفلًا لا يرتدي ثيابًا أنيقة.
يؤدي هذا كله إلى خلق مشاكل كبيرة في الصورة التي يرى بها الفرد نفسه بنفس الدرجة التي تتأثر بها صورته عن جسمه وجسده، فيصبح غير راضٍ عن جسده ما يمكن أن يطوّر عدة مضاعفات عنده منها اضطرابات الأكل أو استخدام حبوب الحمية أو المنشطات أوالجراحة التجميلية بأشكالها المتعددة، سعيًا للوصول للجسد الذي تروّج له الإعلانات.
أما على مستوى الحياة العام، فيتشكّل لدى الأفراد رغبة عارمة بامتلاك المنتجات، ظنًّا منهم أنها ستكون مصدر سعادة لهم، تمامًا كما جاء في الإعلان وكما بدا عليه الأشخاص فيه، متناسين أنّ السعادة تلك هي مجرّد سعادة مؤقتة مرتبطة بزمنٍ ما، تنتهي بانتهائه وتفوت بفواته، أو تنتهي بانتهاء المنتج وبالتالي يبقى الفرد راغبًا بالمزيد والمزيد منه، وهذا ما ترمي إليه بكلّ تأكيد الشركات المصنّعة للمنتج.