ترجمة وتحرير: نون بوست
تحدث ضابط مصاب في حوار أجراه معه طبيب لمدة ست دقائق، عن الهجوم الذي استهدف قوات الأمن في الصحراء الغربية، في 21 من تشرين الأول/ أكتوبر، قائلا إن “حوالي 10 أو 12 شابا تتراوح أعمارهم بين 20 و21 سنة… هاجموا أكثر من 70 شخصا منا واستهدفوا بنادقنا ومركباتنا المدرعة الجديدة”.
كما ما هو الحال دائما، كان البيان الرسمي لوزارة الداخلية متناقضا مع كل من إفادات شهود العيان والبيانات غير الرسمية التي أدلى بها مسؤولو الأمن لوسائل الإعلام. وقد ذكرت وزارة الداخلية أن عدد القتلى كان 16 شرطيا في حين أن عدد المهاجمين كان 15 مهاجما. لكن مصادر طبية وأمنية كشفت أن الهجوم أودى بحياة أكثر من 50 شخصا ولم تسجلْ أي خسائر في صفوف المهاجمين.
القمع الوحشي
يعد الهجوم الأخير الهجوم الرئيسي الرابع في الصحراء الغربية منذ بداية سنة 2017، وذلك دون احتساب المناوشات البسيطة. ويأتي ذلك في إطار موجة غير مسبوقة من القمع الوحشي والعنف من قبل المتمردين، الأمر الذي تصاعدت وتيرته بسرعة منذ الانقلاب العسكري الذي جدّ خلال شهر تموز / يوليو من سنة 2013. وقد أعقبت عملية الانقلاب سلسلة من المجازر التي وقعت خلال شهريْ تموز / يوليو وآب / أغسطس سنة 2013 والتي استهدفت المتظاهرين المناهضين للانقلاب.
الأمر اللافت للنظر ليس حجم أو نفوذ أو النطاق الجغرافي الذي تسيطر عليه هذه المنظمات بل طبيعة الإستراتيجيات الهجومية التي يتبعها المتمردون
في هذا السياق، سجل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية 1.165 هجوما على القوات المسلحة والشرطة بين سنتي 2014 و2016. وقد ترجمت هذه الأرقام على أرض الواقع من خلال موجة العنف المتصاعدة منذ ثلاث سنوات، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنة 2017. في الواقع، يعزى جزء كبير من المسؤولية في المأساة الأخيرة إلى غياب أي رؤية واضحة عن الأوضاع في مصر، في حين يقع الجزء الآخر من المسؤولية على عاتق الجنرال عبد الفتاح السيسي. وقد بادر السيسي بتنفيذ انقلاب على النظام السابق، لينصب نفسه وصيا على “الإجراءات الوقائية لمكافحة الإرهاب”، إلا أنه ليس هناك الكثير من التقدم حيال هذه المسألة.
في الأثناء، أدى تدهور الوضع الأمني في مصر إلى ارتفاع عدد الجماعات المتمردة. منذ شهر آب/أغسطس سنة 2009 وحتى شهر يوليو / تموز سنة 2013، كانت توجد منظمة إرهابية رئيسية واحدة تنشط في المناطق الشمالية الشرقية النائية من سيناء. ولكن، في الوقت الراهن، أصبح هناك ما لا يقل عن خمس منظمات متمردة تنشط في جميع أنحاء شبه جزيرة سيناء، انطلاقا من وادي دمياط في الشمال وصولا إلى أسيوط في الجنوب، والصحراء الغربية.
من جانب آخر، لا تشمل الأعداد السالف ذكرها المنظمات التي تفتقر إلى جهاز قيادي والخلايا الصغيرة المنتشرة في المناطق كثيفة السكان والفقيرة في القاهرة ووادي النيل. والأمر اللافت للنظر ليس حجم أو نفوذ أو النطاق الجغرافي الذي تسيطر عليه هذه المنظمات بل طبيعة الإستراتيجيات الهجومية التي يتبعها المتمردون. ويعد هجوم طريق الواحات خير مثال على ذلك.
ضابط شرطة خاص يقف على سيارة شرطة بجنوب القاهرة في 16 من يوليو/تموز سنة 2017
نصب كمين:12 ساعة من الرعب
كيف ولماذا وصلت قافلة الأمن إلى منطقة الكيلو 135 على الطريق السريع للواحات واتجهت نحو الواحات البحرية؟ لا تزال هذه المعطيات غير واضحة. وذكرت التقارير الأولية أن القافلة كانت في طريقها لاعتقال ثمانية عناصر كان يُشتبه في انتمائهم لحركة سواعد مصر “حسم”ً، وهي منظمة مسلحة تخيم في الصحراء.
من جهته، يشك الضابط المصاب في أن المخبر الذي قدم المعلومات هو في الواقع عميل مزدوج، حيث لم يقد القافلة فقط إلى كمين، بل حدد أيضا الضباط الذين تم أسرهم وفصلهم عن بقية الجنود الذين قبض عليهم. بغض النظر عن كل ذلك، تم اعتبار هذا الهجوم بمثابة كمين مدبر. وفي حال افترضنا صحة الأرقام التي قدمها الضابط المصاب وغيره من الاتصالات المسربة بين قادة وزارة الداخلية في القاهرة والجنود الفارين، بلغت نسبة قوى الجيش في علاقة بعدد المتمردين نحو 7:1.
بمجرد أن وصلت المركبة إلى واد منخفض محاط بالتلال، شن المتمردون هجوما مباشرا عليها. في بداية المعركة، تم تدمير المركبة الأمامية والخلفية في الوقت ذاته عن طريق قنابل صاروخية (النوع غير واضح، ولكن إذا كانت من الأنواع غير الموجهة في الظلام، فيتطلب إصابة الهدف مهارة عالية، وقرب المسافة والكثير من الحظ).
بالتالي، بقيت المركبات التي توجد في الوسط محاصرة وانطلق تبادل النار بين الجبهتين، ومن ثم وقع القبض على بعض الضباط والجنود الذين ظلوا على قيد الحياة. ووفقا لما ذكره الضابط المصاب، كانت رسالة المتمردين للجنود مفادها أنه “إذا كنت ضابطا ستُضرب برصاصة واحدة… أما إذا كنت جنديا ساهم في إطلاق النار، ستتلقى رصاصة في اليد والساق… أما إذا كنت جنديا لم يطلق النار وألقى سلاحه واستسلم، فستعيش”. وأضاف المصدر ذاته أن “مسار الانسحاب التكتيكي للمهاجمين لم يكن واضحا”.
في المقابل، حرص المهاجمون على جمع أجهزة الملاحة وأخذ البنزين والإطارات واثنين من الرشاشات المتوسطة والبنادق الآلية وغيرها من الأسلحة، قبل أن يلوذوا بالفرار. فضلا عن ذلك، كانوا يتمتعون بمتسع من الوقت لمطاردة الضباط والجنود الهاربين، حيث قاموا بأسر النقيب محمد الحيز، واحتجازه رهينة لديهم. وقد “سألوه عما إذا كان يفضل العيش أم الموت… وعندما قال إنه يريد أن يبقى على قيد الحياة أخذوه معهم”. ومنذ بداية الهجوم حتى وصول التعزيزات الجوية، استمرت العملية لمدة 12 ساعة تقريبا.
مواطنون يسيرون بالقرب من ملصق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يحمل شعار “حملة علشان تبنيها”، في 17 من تشرين الأول/أكتوبر سنة 2017
استمرار الاضطرابات
في حال افترضنا صحة الأرقام غير الرسمية التي تم الإدلاء بها (58 قتيلا: 23 ضابطا و35 جنديا)، تعتبر هذه الحصيلة أسوأ خسارة بالنسبة لقوات وزارة الداخلية المصرية، حتى بالمقارنة مع الأحداث التي كان فيها رجال الشرطة المصريين في صفوف المتمردين الذين يقاتلون ضد القوات البريطانية خلال موقعة الإسماعيلية التي جدّت خلال شهر كانون الثاني يناير سنة 1952، والتي أودت بحياة حوالي 50 شرطيا.
من جهة أخرى، أفضى الكمين إلى النتائج المعتادة: إقالة بعض الجنرالات. وشمل ذلك رؤساء قطاع الأمن الوطني المصري (الذي يعرف سابقا باسم جهاز مباحث أمن الدولة) وفرع الأمن الوطني في الجيزة، فضلا عن مدير العمليات في قطاع الأمن المركزي، ورئيس مديرية أمن الجيزة. كما تمت إقالة رئيس أركان الجيش المصري والجنرال محمود حجازي، على الرغم من أنه ليس لديهما أي مسؤولية فيما يتعلق بهجوم الواحات.
لا تشكل عمليات التمرد تهديدا كبيرا للحكومات الشرعية والمؤسسية خاصة عقب اتخاذ جملة من الإجراءات لمكافحة التمرد، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على مصر. ففي هذه البلاد، يشكك الكثير من الأشخاص في شرعية النظام القائم
في الواقع، أرادت وزارة الداخلية تحقيق “انتصار” حصري دون تدخل الجيش، في حين لم تحاول التنسيق مع وزارة الدفاع. في الوقت ذاته، قد يكون لإقالة حجازي من منصبه أسباب سياسية أخرى. والجدير بالذكر أن التنافس، والتكتيكات التخريبية، وحتى الاشتباكات المسلحة بين المؤسسات المسلحة المتناحرة، تتسم بتاريخ طويل في مصر. في المقابل، حتى لو وقع التنسيق بين مختلف الأطراف وتوفر تدريب أفضل وكان هناك أحسن الجنود الذين يتمتعون بمعنويات عالية فضلا عن أسباب وجيهة للقتال، ومعلومات استخباراتية موثوق فيها، يعد الانتصار في خضم مثل هذا الهجوم احتمالا ضئيلا، خاصة في ظل هذه البيئة المضطربة أمنيا.
معضلة مصر الأمنية
في واقع الأمر، يمكن التطرق إلى جوانب رئيسية من مشكلة الأمن في مصر من منطلق المستوى الكلي. وتتأصل هذه الجوانب في أزمة المصالحة الوطنية المستمرة، والبيئة السياسية الاجتماعية المستقطبة للغاية، فضلا عن عدم وجود آلية سلمية لحل النزاعات. فضلا عن ذلك، تُغذي وحشية النظام الحاكم تجاه المعارضة التي لم يسبق لها مثيل، والافتقار إلى خطة واضحة لإصلاح القطاع الأمني، فضلا عن الخلل الهيكلي في العلاقات المدنية العسكرية، انتشار العنف في البلاد.
في حين لا تشكل عمليات التمرد تهديدا كبيرا للحكومات الشرعية والمؤسسية خاصة عقب اتخاذ جملة من الإجراءات لمكافحة التمرد، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على مصر. ففي هذه البلاد، يشكك الكثير من الأشخاص في شرعية النظام القائم، والمؤسسات الفاسدة، وإجراءات مكافحة التمرد التي لطالما كانت غير قانونية وتفتقر للفاعلية. عموما، تتطلب جهود مكافحة التمرد والإرهاب إصلاحات محلية كبيرة وتغييرات جذرية في السياسة العامة في مصر، وأكثر بكثير من مجرد إقالة عدد قليل من الجنرالات.
المصدر: موقع ميدل إيست آي