تدخل الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة يومها الـ170 على وقع المجازر والكوارث الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق العزل من الأطفال والنساء والشيوخ على مرأى ومسمع من العالم الذي يعاني من جفاف المشاعر وتبلد الإحساس وفقر دماء النخوة والإنسانية.
10 أيام فقط تفصل عن اكتمال الشهر السادس لتلك الحرب الأطول في تاريخ المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية، التي خلفت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي 32 ألفًا و226 شهيدًا، و74 ألفًا و518 جريحًا، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة بغزة.
استهداف محيط مجمع الشفاء الطبي من الطائرات الحربية وارتفاع أعمدة الدخان
تصوير: محمود عيسى pic.twitter.com/AtkNmxqNaH
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 24, 2024
يتزامن ذلك مع مواصلة جيش الاحتلال حصار واقتحام مجمع الشفاء الطبي، شمال القطاع، الذي يضم أكثر من 7 آلاف مريض ونازح، لليوم السابع على التوالي، مرتكبًا العديد من المجازر التي خلفت عشرات الشهداء والمصابين، فيما نفذ حملات اعتقالات واسعة النطاق وهدم وتدمير لعشرات البنايات داخل وخارج المجمع.
تنسف حرب المستشفيات التي تشنها قوات الاحتلال بحق مجمع الشفاء وعدد من المشافي الأخرى على رأسها مستشفى الأمل في خان يونس والنصر في مدينة غزة، كل ادعاءات حكومة الاحتلال بشأن السيطرة على شمال القطاع ووسطه، وتحقيق أهداف الجيش من تلك الحرب التي أحدثت خروقات كبيرة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، سواء على المستوى العسكري أم السياسي.
إجرام وفقدان للتوازن
تكشف عشرات الجرائم والمجازر التي ارتكبها الاحتلال خلال حصاره لمجمع الشفاء على مدار الأسبوع الماضي حالة فقدان التوازن التي يعاني منها ومعاناة الارتباك التي يتجرع مرارتها منذ بداية الحرب، في واحدة من أكثر الصور الميدانية فضحًا لقوة الجيش الإسرائيلي المزعومة التي روج لها خلال عقود طويلة.
بات من الواضح أن الجيش الذي لا يقهر لا يستأسد إلا على العزل من المرضى والأطفال والنساء والنازحين والعجزة، فبحسب وزارة الصحة في القطاع، فإن قوات الاحتلال تحتجز نحو 240 من المرضى ومرافقيهم و10 من الطواقم الطبية في مركز الأمير نايف بمجمع الشفاء، وفي الوقت ذاته يتعرض مئات من المحتجزين داخل المجمع للتنكيل والمهانة، وفق ما ذكر رئيس مكتب الإعلام الحكومي بغزة سلامة معروف، في مقابلة له مع الجزيرة.
وبحسب شهادات سكان يعيشون بالقرب من المجمع، فإن قوات الاحتلال فجرت عشرات المنازل والشقق السكنية في شوارع محيطة بالمستشفى وجرفت الطرق، فضلًا عن قصفها لعدة أقسام تابعة له، وتنفيذها لحملات اعتقالات واسعة بصفوف النازحين.
تغطية صحفية: "شاهدة عيان فلسطينية تروي تفاصيل جـ..رائم الاحـ..تلال في محيط مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة". pic.twitter.com/331hdRYNfU
— القسطل الإخباري (@AlQastalps) March 24, 2024
أوضح شهود عيان في تصريحات صحفية، حجم الإجرام الذي ترتكبه قوات الاحتلال بحق المحتمين بالمجمع، فقالت إحدى المحاصرات بالمشفى، جميلة الهسي، إن جيش المحتل أجبر 65 عائلة على مغادرة محيط المجمع بعدما أحرق المبنى الذي كانوا يتحصنون بداخله، وأضافت “قامت قوات الاحتلال بقتل وإحراق عائلات بأكملها، كما اغتصبت نساء وقتلتهن”.
فيما كشف الصحفي جهاد أبو شنب، الموجود بالقرب من محيط المجمع، أن الاحتلال يمارس حرب تجويع ضد المحاصرين في المستشفى، لافتًا إلى أن عشرات العائلات المحاصرة لم تحصل على الماء أو الطعام منذ 6 أيام، بالتزامن مع ذلك يتعرضون لإطلاق نار وقصف جوي ومدفعي إجرامي، مناشدًا المنظمات الإغاثية الدولية بالتدخل لإنقاذهم.
يتعامل الاحتلال مع الأطفال والنساء والمرضى داخل مجمع الشفاء، ذي الرمزيات الثلاثة، التاريخية والسياسية واللوجستية، على أنهم إرهابيون يجب القضاء عليهم، في مشهد يرسخ الانهزامية والارتباك وفقدان بوصلة الاتزان ميدانيًا، فيما يعكس حالة الانتقام التي تخيم على جيش الكيان الباحث عن أي بصيص يُخرجه من وحل الانهزامية الغارق فيها.
صمود المقاومة
رغم مخططات تجفيف منابع الإمداد وممارسة كل أشكال تضييق الخناق، فإن المقاومة وبعد 170 يومًا من الحرب تقدم ملحمة قتالية غير مسبوقة، حيث الصمود والتحدي والتعامل مع جحافل الاحتلال بندية أربكت خطط مجلس الحرب المصغر وعززت من الانقسامات الداخلية في صفوفه.
يشهد محيط مجمع الشفاء منذ بداية حصاره الحاليّ معركة ضارية بين المقاومة وقوات الاحتلال، فلم تكن معركة سهلة كما كان يُمني المحتل نفسه، إذ فوجئ بمقاومة شرسة من فصائل عز الدين القسام وسرايا القدس كبدته خسائر غير متوقعة.
وقد أعلنت كتائب القسام بنهاية اليوم الـ169 للحرب أن مقاتليها استهدفوا آلية عسكرية إسرائيلية بمحيط الشفاء بقذيفة “الياسين 105” وأوقعوا من كان بداخلها من الجنود بين قتيل وجريح، كما أوقعوا كذلك عددًا من القتلى خلال استهدافهم بقذيفة “تي بي جي” المضادة للتحصينات، تجمع لقوات الاحتلال داخل مبنى تحصنوا بداخله.
#عاجل | سرايا القدس: استهدفنا آلية عسكرية صهيونية بصاروخ موجه على دوار أبو السعود جنوب مجمع الشفاء بمدينة غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/aDc9VQ4xwd
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 24, 2024
بالتوازي مع معركة الشفاء وصمود المقاومة هناك، أعلنت سرايا القدس، صباح الأحد 24 مارس/آذار 2024، عن تنفيذ كمين محكم، لسيارة كانت تقل ضابط و3 جنود إسرائيليين، قرب “بوابة الغصون” في طولكرم، ما أدى إلى انقلاب السيارة ومقتلهم جميعًا.
ومن مجمع الشفاء شمالًا إلى خان يونس في الوسط مرورًا بالضفة ورام الله، بالتوازي مع الجبهة اللبنانية والعراقية واليمنية، تواصل المقاومة تصديها لقوات الاحتلال، موقعة في صفوفها خسائر فادحة، في الوقت الذي طورت فيه فصائل المقاومة في الداخل من تكتيكات المواجهة بما يتناسب مع تطورات المعركة، الأمر الذي أربك حسابات جيش الاحتلال الذي فقد بوصلة التوقع بشأن جهة ومكان الاستهداف، في ظل تعدد إستراتيجيات القتال ما بين القنص والمواجهة من المسافة صفر والتفجيرات عن بعد وعمليات الطعن الفردية.
170 يومًا من الحرب.. معركة الشفاء العنوان الأبرز
تُلخص معركة الشفاء الحاليّة الوضع الميداني في قطاع غزة بعد 170 يومًا من الحرب، فبعد العزف المنفرد الذي قدمه الاحتلال على لسان قادته بشأن السيطرة على الشمال والوسط وانتظار معركة رفح جنوبًا لحسم الحرب وتحقيق كامل أهدافها، جاءت عملية الشفاء الأخيرة لتنسف تلك الادعاءات وتلقي بها في سلة القمامة التاريخية.
فالمجمع الواقع في شمال القطاع الذي يفترض أنه تحت السيطرة الإسرائيلية منذ الشهر الأول للحرب، بحسب المتحدث باسم جيش الاحتلال، يشهد اليوم حضورًا قويًا للمقاومة، وعمليات نشطة توقع الإسرائيليين بين قتيل وجريح، في ظل فشل فاضح في السيطرة على المجمع رغم حصاره لقرابة 7 أيام كاملة.
أما الوسط فعمليات المقاومة كفيلة بالتحدث عن نفسها، إيقاعات يومية في صفوف جيش الاحتلال، ليس لجنود فقط، لكن لضباط وقادة وحدات في صفوف الجيش، وسط عمليات نوعية تنفذها الفصائل وتنشر بعض تفاصيلها بالصوت والصورة.
عاجل | الجيش الإسرائيلي يعلن مــقـ ـتل أحد جنوده في معارك مجمع الشفاء الطبي بغزة ليرتفع العدد المعلن لقتلاه منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 595 pic.twitter.com/z4bPAeKhQk
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) March 24, 2024
وبعد 170 يومًا من الحرب يعاني جيش الاحتلال من ارتباك حاد، رأسيًا وأفقيًا، حيث توسعة دائرة الصراع بعد دخول لبنان والعراق واليمن على خط المواجهة، والتنوع في تكتيكات المقاومة التي أرهقت قوات الكيان وأفقدتها التوازن وأحدثت خللًا نفسيًا في صفوفها.
وحاول الكيان المحتل ومجلس حربه المصغر تحقيق ما عجزوا عنه ميدانيًا من خلال مسار المفاوضات، حيث الضغط على المقاومة من جميع الأطراف لقبول السردية الإسرائيلية الأمريكية بما يخدم أجندتها، وسط رفض قاطع من المقاومة لتقديم التنازلات التي تمكن حكومة نتنياهو من تحقيق أهدافها.
أمام هذا الفشل في تحقيق الأهداف لم يجد جيش الاحتلال سوى لغة الهمجية والوحشية لحفظ ماء الوجه، والارتكان لسياسة الأرض المحروقة، متخذًا من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والمدنيين العزل أهدافًا ميدانية يحاول تسول الانتصار على حسابها، معتمدًا على لغة الأرقام في عدد الضحايا وحجم التدمير.
السؤال هنا: ألم تحرك مشاهد التنكيل والقتل بحق أطفال غزة ونسائها وشيوخها ضمائر الأنظمة العربية؟ إن لم تحركهم حرب التجويع الممنهجة ضد أكثر من مليوني إنسان والمؤامرات التي تحاك على مرأى ومسمع من الجميع لإبادة شعب غزة وتصفية القضية الفلسطينية فما الذي يحركهم إذًا؟ ماذا ينتظرون بعد؟