أمس الأربعاء، احتفل الجزائريون بالذكرى الـ63 للثورة المجيدة، تكررت الاحتفالات بذكرى الثورة، التي استمرت أكثر من 7 سنوات ونصف وأجبرت المستعمر الفرنسي على الخروج من البلاد، لكن غابت الإنجازات، فالجزائريون إلى الآن ينتظرون أرشيفهم الذي استحوذت عليه فرنسا وأبت إرجاعه إلى أصحابه إلا القليل منه.
الملف يراوح مكانه
كثر الكلام لكن قل الفعل، هكذا حال الجزائريين مع أرشيفهم الوطني الموجود بحوزة الدولة الفرنسية، فلا تمر مناسبة وطنية إلا ويتحدث فيها المسؤولون الجزائريون عن مساعيهم الحثيثة لجلب الأرشيف، الذي يصل طوله إلى 10 كيلومترات، من فرنسا وإنهاء هذه القصة التي أثرت في العلاقات بين البلدين، واستعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 وحتى سنة 1962 عندما نالت استقلالها بعد حرب تحرير استمرت 8 سنوات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
وتعود عملية ترحيل الأرشيف الجزائري من الجزائر إلى فرنسا، إلى الثلث الأول من سنة 1961، وتمت العملية بشكل سري ولأهداف غير معلنة، حيث أعطيت تعليمات لمحافظي الأرشيفات العاملين في الإدارة الاستعمارية بالجزائر لنقل الأرشيف وتمت عملية الترحيل الأولى لجزء من الأرشيف، بعدها بعام واحد فقط أي سنة 1962 جاء قرار ثانٍ بنقل كل الوثائق المكتوبة بخط اليد أو المطبوعة مهما كانت الأهمية التوثيقية والتاريخية التي تكتسيها.
قرابة طنين من المواد الأرشيفية التي استحوذت عليها السلطات الاستعمارية الفرنسية، بالإضافة إلى 1500 علبة من الأرشيفات الجزائرية ما قبل الاحتلال الفرنسي، بالتحديد مرحلة الوجود العثماني بالجزائر خلال القرنين الـ16 والـ17
وكانت الحكومة الفرنسية تقول إن السبب إعادة تصويرها في فرنسا وحمايتها مؤقتًا من التهديدات الأمنية لمليشيات “المنظمة السرية الخاصة” التي عارضت فكرة الاستقلال وتبنت أطروحة “الجزائر الفرنسية” واعتمدت العمل المسلح ونفذت العديد من عمليات الاغتيال وتخريب المنشآت العمومية بعد أن اتضح أن الأمور آيلة إلى استقلال الجزائر.
ويتعلق الأمر بقرابة طنين من المواد الأرشيفية التي استحوذت عليها السلطات الاستعمارية الفرنسية، ومست عمليات الترحيل كل أوجه ومجالات الحياة الإدارية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية، بالإضافة إلى 1500 علبة من الأرشيفات الجزائرية ما قبل الاحتلال الفرنسي، بالتحديد الخاصة بمرحلة الوجود العثماني بالجزائر خلال القرنين الـ16 والـ17.
وتتعامل فرنسا مع هذا الأرشيف وفقًا لقوانين تحدد ما هو متاح للاطلاع (المواد القابلة للتبليغ) والتي لا يمكن للجمهور الوصول إليها إلا بعد مرور فترة زمنية تتراوح بين 20 و100 سنة، وأخرى تظل سرية للغاية لكونها مصنفة في خانة الأمن الوطني، وأشار تقرير لمجلس المحاسبة الفرنسي في وقت سابق أن جزءًا كبيرًا من الأرشيف الذي نقل من الجزائر إلى فرنسا ما زال محفوظًا في علب لم تُفتح.
الأرشيف الجزائري محل شد وجذب بين البلدين
يعد ملف الأرشيف الوطني الجزائري الذي استولت عليه فرنسا أحد أبرز الملفات التي لا تزال محل شد وجذب بين البلدين منذ عقود، حيث طالبت الجزائر، بعد الاستقلال، فرنسا بتسليم جميع الأرشيفات التي نهبتها من بلادها، لكن مطالبها بقيت معلقة إلى بداية الثمانينيات، حيث بدأت المفاوضات بين الجزائر وباريس من خلال تشكيل لجان مشتركة، واعتمد الطرف الجزائري على النصوص القانونية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو والندوة الدولية للأرشيفات، التي تنص على حق الدول المستقلة في ممارسة سيادتها بأثر رجعي على الأرشيفات التي كتبت وحفظت على أراضيها، وعلى ضرورة أن تبقى الأرشيفات في الأرض التي كتبت وحفظت فيها لأول مرة.
لجان مشتركة لبحث ملف الأرشيف
وفي وقت سابق اتفقت الحكومتان الجزائرية والفرنسية على تشكيل لجنة مشتركة لمناقشة ملفات جادة ذات صلة بقضايا الذاكرة وحرب تحرير الجزائر، أبرزها المطالبة باستعادة الأرشيف الجزائري والتعويضات الخاصة بالجنوب الجزائري، وتلك المتعلقة بالمفقودين واسترجاع جماجم ثوار المقاومة الوطنية، إلا أنه لم يتم إعلان حتى الآن أي نتائج تم التوصل إليها، لا من الجانب الفرنسي ولا من الجانب الجزائري بخصوص أي من ملفات الذاكرة التي ما زالت معلقة.
98% من أرشيف الجزائر بحوزة فرنسا
بعد سنوات من المفاوضات الثنائية لم تتمكن الجزائر من استرجاع سوى 2% من أرشيفها الوطني فيما يظل ما تبقى بين أيدي الفرنسيين، مما يؤكد مماطلة السلطات الفرنسية وعدم رغبة دولتهم في إرجاع هذا الأرشيف حسب عدد من المهتمين بهذا الشأن، وكانت الجزائر وفرنسا قد وقعتا عام 2009 اتفاقية تعاون من أجل الوصول إلى حل بشأن طريقة تسليم الأرشيف الجزائري الموجود على الأراضي الفرنسية، إلا أن الأمر اقتصر على الاتفاق بشأن تسليم نسخ عنه وذلك بصورة مرحلية ومؤقتة، وفق المسؤولين الجزائريين.
تتهم الجزائر فرنسا بإخفاء الأرشيف المهرب ووضعه في أماكن مجهولة
ومساء أول أمس الثلاثاء، أعلن وزير قدماء المحاربين الجزائريين، الطيب زيتوني، في مقابلة مع الإذاعة الحكومية بمناسبة الذكرى الـ63 لاندلاع ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، أن فرنسا ما زالت تحتجز 98% من أرشيف بلاده، وقال الوزير: “حسب المعلومات التي حصلت عليها من إدارة مؤسسة الأرشيف الوطني (حكومية)، حتى الآن استرجعنا فقط 2% من أرشيف المرحلة الاستعمارية (1830/1962) بمعنى أن هناك 98% منه ما زال لدى فرنسا”.
وتتهم الجزائر فرنسا بإخفاء الأرشيف المهرب ووضعه في أماكن مجهولة، في مقابل ذلك تؤكد فرنسا أن الأرشيف الجزائري في بلادها يوجد بالمركز الوطني للأرشيف في باريس، وأيضًا في المركز الجهوي الخاص بأرشيف المستعمرات الفرنسية السابقة الواقع بمنطقة إكس أون بروفانس قرب مدينة مرسيليا جنوبي البلاد، وكثيرا ما أكد مسؤولون جزائريون أن حكومة بلادهم لن تسكت ولن تتخلى عن قضية استرجاع أرشيفهم الوطني الموجود لدى فرنسا.
“أرشيف السيادة”
في بداية مفاوضاتها مع الجزائر، قالت السلطات الفرنسية إن ما جرى ترحيله من الجزائر هو “أرشيف السيادة” وغير قابل للتنازل عنه، والقوانين الفرنسية تمنع فتح الأرشيفات إذا لم تمر عليها آجال زمنية محددة، ثم بدأت تتحدث عن “رصيد أرشيفي مشترك” ما بين الجزائر وفرنسا، قبل أن يتم وقف التفاوض في الموضوع وحظر أي عملية ترحيل للأرشيفات خارج فرنسا لأي غرض ولأي بلد، حسب تعليمات للرئيس الفرنسي حينها جيسكار ديستان.
الأرشيف الجزائري لدى فرنسا يعتبر مسألة سياسية
ويقول مدير الأرشيف الوطني الفرنسي هيرفي لوموان: “هذا الأرشيف يعود للأملاك العامة الفرنسية، أنا مستعد للحديث طويلًا بخصوص هذا الموضوع، إنه موضوع معقد ونحن نعمل عليه بحذر شديد”، وأفاد أن السلطات الفرنسية ومركز الأرشيف يعارضون تمامًا مطالب الجزائر بإعادة الأرشيف المُرحل إلى فرنسا، من منطلق أن الأمر يتعلق بأرشيف تم إصداره من طرف الإدارة الفرنسية في وقت كانت فيه الجزائر تابعة لهذه الإدارة، ولذلك فهذا الأرشيف، حسبه، من الأملاك العامة الفرنسية.
ويؤكّد مسؤولون فرنسيون أن لا سبيل لإعادة الأرشيف المرحل من الجزائر إلى فرنسا باعتبار أن من أصدر هذا الأرشيف هي الإدارة الفرنسية التي كانت الجزائر تخضع لها، وبالتالي فهو يعود إلى الأملاك العامة الفرنسية، حسب قولهم، فيما يرى مراقبون جزائريون، ضرورة استرجاع بلادهم لأرشيفها، خاصة أن فرنسا ستلجأ إلى بيعه بالقطعة لابتزازها والضغط عليها، وحتى لا تكشف بعض جرائمها التي ارتكبتها في الجزائر طيلة سنوات احتلالها لها.