يحظى قادة التكنولوجيا في الوقت الحالي بقدرٍ هائل من الاهتمام، بينما كان مقتصرًا في السابق على مشاهير الرياضة ونجوم السينما والفن والقادة السياسيين، ولهذا أثارت عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت ضجة كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية، حين أعلنت عن تعيين مصطفى سليمان رئاسة قسم الذكاء الاصطناعي بالشركة.
نسلّط الضوء في هذا التقرير على ما جذب مايكروسوفت إلى الشاب السوري الأصل، وما الذي سيقدمه لها، بالإضافة إلى مستقبل مايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي.
من هو مصطفى سليمان؟
عبر موقعه على الإنترنت، يصف مصطفى نفسه بأنه “رجل أعمال متسلسل في مجال التكنولوجيا”، ولا يُعد هذا التوصيف مبالغة منه، فسيرته الذاتية تتحدث عن نفسها،ومع تركيز العالم حاليًّا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، استطاع أن يبزغ نجمه بقوة بفضل مشاريعه الريادية في هذا المجال.
نشأ سليمان في شمال لندن، وهو ابن سائق سيارة أجرة سوري وممرضة إنجليزية، عندما كان عمره 19 عامًا ترك جامعة أكسفورد، وفي عام 2010، قبل وقت طويل من ظهور موجة الذكاء الاصطناعي الأخيرة، أسّس شركة “ديب مايند (DeepMind)” مع صديقَيه ديميس هاسابيس وشين ليغ، وهي شركة تهتم بالذكاء الاصطناعي أحدثت ضجة آنذاك.
ولنجاحها، جذبت أنظار عمالقة التكنولوجيا نحوها، إلى أن استحوذت عليها ألفابيت (الشركة الأم لجوجل) عام 2014، حيث استمر مصطفى سليمان في منصب نائب رئيس الذكاء الاصطناعي بشركته تحت قيادة جوجل.
وقالت جوجل حينها أن خبرة “ديب مايند” في التعلم العميق ستكون حاسمة في السباق ضد شركات التكنولوجيا الأخرى، والتي تهدف جميعها إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحقيق مزايا تجارية.
انتقل سليمان عام 2019 ليتولى منصب مدير منتجات الذكاء الاصطناعي لدى جوجل، ثم ترك الشركة عام 2022 ليؤسّس هو وشريكه كارين سيمونيان، وهو باحث ورائد في الذكاء الاصطناعي، شركة “إنفلكشن (Inflection)”، وهي شركة ناشئة تركّز على الذكاء الاصطناعي العاطفي، وتتطلع إلى بناء مساعد شخصي ذكي لينافس “شات جي بي تي“.
ولهذا أطلقت Pi، روبوت الدردشة الذكي الذي يمكنه إجراء محادثات مع المستخدمين، وتقديم التعاطف والدعم والمساندة لهم عندما يشعر أنهم بحاجة إليها.
ويوم الثلاثاء 19 مارس/آذار الجاري، أضاف مصطفى سليمان إنجازًا جديدًا إلى سجل نجاحاته، عندما أُعلن عن انضمامه إلى مايكروسوفت بمنصب الرئيس التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي بالشركة، وكتب عبر حسابه الرسمي على منصة إكس: “سأقود جميع منتجات وأبحاث الذكاء الاصطناعي الاستهلاكية، بما في ذلك Copilot وBing وEdge”.
مايكروسوفت وسباق الذكاء الاصطناعي
مايكروسوفت ليست غريبة على مجال الذكاء الاصطناعي، وكانت تراهن بشكل كبير عليه خلال الفترة الماضية، وقد أقامت شراكة طويلة الأمد من خلال استثمار 13 مليار دولار في شركة “أوبن أيه آي (OpenAI)” المطوِّرة للنموذج اللغوي GPT ولروبوت الدردشة الشهير “ChatGPT”.
كما استثمرت في شركات ناشئة أخرى في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك ميسترال الفرنسية، من أجل بناء نماذج لغوية كبيرة يمكن الاستفادة منها ودمجها في منتجات مايكروسوفت، وهكذا أصبحت مايكروسوفت لاعبًا رائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
لكن شعرت مايكروسوفت أن جوجل بدأت تسبقها بخطوات، عندما أعلنت عن محرك الذكاء الاصطناعي الخاص بها والمعروف باسم جيميناي (Gemini)، والذي يتكون من 3 إصدارات كالتالي:
- نموذج Gemini Ultra: الإصدار الأعلى والأكثر قوة وقدرة على التعامل مع المهام المعقدة بسهولة.
- نموذج Gemini Pro: الإصدار الأنسب للتعامل مع مجموعة واسعة ومتنوعة من المهام بشكل سلس.
- نموذج Gemini Nano: النموذج الأصغر والمصمَّم للتعامل مع المهام البسيطة على الهواتف والأجهزة المحمولة.
لكن ما جعل جوجل تحتل صدارة سباق الذكاء الاصطناعي، أن الشركات بدأت تتهافت على ترخيص جيميناي على منتجاتها، على رأسها آبل التي ترغب في استخدام جيميني لتشغيل ميزات الذكاء الاصطناعي في هاتفها آيفون (هذا يعني الوصول إلى أكثر من 2 مليار جهاز لصانع الآيفون)، بالإضافة إلى سامسونج التي تستخدم أيضًا جيميناي على هواتفها الرائدة (سلسلة جالاكسي إس-24).
لذلك، رأت مايكروسوفت أن عليها أن تعتمد على أحد العقول المذهلة في الذكاء الاصطناعي، وكان أمامها اسمان هما سام آلتمان، رئيس “أوبن أيه آي” التنفيذي، ومصطفى سليمان مؤسس “ديب مايند” و”إنفلكشن”، وحاول عملاق التكنولوجيا استقطاب آلتمان، عندما سُنحت له الفرصة بعد طرد آلتمان الصادم من شركة “أوبن أيه آي” على يد مجلس إدارتها في نوفمبر/ تشرين الثاني.
في ذلك الوقت، سارع رئيس مايكروسوفت التنفيذي، ساتيا ناديلا، إلى إغراء آلتمان بالإضافة إلى زملاء آخرين للعمل لديه، وكان آلتمان سيقود “فريق بحث متقدم جديد للذكاء الاصطناعي، وهو ما عُرِف الآن تحت اسم Microsoft AI” في شركة البرمجيات العملاقة، لكن انتهى الأمر سريعًا بعودة سام آلتمان إلى “أوبن أيه آي”، بمجلس إدارة جديد وبدعم من ناديلا نفسه، الذي قال حينها: “بغض النظر عن مكان تواجد سام، فهو يعمل مع مايكروسوفت”.
وهكذا كان أمام الشركة اسم آخر لامع في مجال الذكاء الاصطناعي، هو مصطفى سليمان، ومعه؛ تهدف مايكروسوفت إلى دفع حدود ابتكار الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية والتأثير المجتمعي، ولهذا تنتظر مايكروسوفت بفارغ الصبر ما سيُحدثه مصطفى سليمان وفريقه في مستقبل الذكاء الاصطناعي للشركة بشكل خاص، وفي المجال بشكل عام.
لكن لماذا انضمَّ مصطفى إلى شركة مايكروسوفت ولم يستمر مع شركته؟
الإجابة جاءت من قبل أندرو روجويسكي، من معهد الذكاء الاصطناعي في جامعة سري، حيث أشار إلى أن الأساس المنطقي الذي دفع سليمان للانضمام إلى مايكروسوفت هو مكانة الشركة في العالم.
إذ قال: “إذا كنت مهتمًّا حقًّا بأن يكون هناك ذكاء اصطناعي آمن، حينها سيكون أمامك طريقان، إما أن تصرخ حول أخلاقيات وسلامة الذكاء الاصطناعي من بين صفوف الجماهير، وتأمل أن يستمع إليك أحدهم ولن يعيرك أي شخص الانتباه؛ وإما يمكنك أن تكون في خضمّ الأمر، ويكون لديك دور مؤثر في اتخاذ قرارات حاسمة في إحدى الشركات الرائدة في العالم”، وقد اختار سليمان أن يكون له دور مهم، بدلًا من أن يقف كمشاهد دون أي تأثير.