ترجمة حفصة جودة
لم يُضع ولي العهد محمد بن سلمان أي وقت في تنفيذ رؤيته لمستقبل السعودية، فمنذ أن تجاوز الأمراء الأكبر سنًا في خطة ولاية العرش، منح الأمير المرأة السعودية الحق في قيادة السيارات وقيد من سلطة الشرطة الدينية، أصبحت الموسيقى الآن تُعزف في المطاعم، واستبدلت الكثير من النساء العباءات السوداء بأخرى ملونة، هذا الوضع يبدو تناقضًا حادًا في البلد التي حكمها الإسلام المتشدد منذ عقود.
مقترحات الأمير الاقتصادية أكثر طموحًا وموجودة بشكل مفصل في خطته المسماه “رؤية 2030″، يهدف هذا المخطط إلى الحد من اعتماد البلاد الكلي على عائدات النفط وذلك بتشجيع التنمية في مجالات جديدة مثل السياحة والترفيه، لتمويل تلك الجهود يرغب ابن سلمان في بيع أسهم بشركة النفط السعودية العملاقة المملوكة للدولة، بالإضافة إلى خصخصة أصول الدولة ومن ضمنها مطاحن الدقيق وملاعب كرة القدم والبورصة.
سيتم توجيه عائدات تلك المبيعات إلى أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، تدعو الخطة كذلك إلى اتخاذ إجراءات تقشفية للقضاء على عجز الميزانية الذي تضخم العام الماضي لأكثر من 15% من إجمالي الناتج المحلي نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام.
رفض الناس لقيادة المرأة للسيارات كان الهاشتاج العربي الأكثر انتشارًا على تويتر
لكن الأمير البالغ من العمر 32 عامًا فقط يجب أن يكون حذرًا، لأنه إذا تحرك بسرعة كبيرة فقد يتسبب ذلك في معارضة خطيرة لمشروعه من مواطني المملكة المتعاطفين مع الجماعات الإسلامية المسلحة، وكذلك العائلة الملكية التي تخشى أن تتسبب سياساته في تهميشهم، يجب أن يوازن الأمير بين رغبته الملحة في التغيير مع قدرة الشعب على التكيف.
كما أنه ليس واضحًا إذا ما كان القطاع الخاص سيتمكن من النهوض بالاقتصاد بعد عقود من الهبات الحكومية، يقول للويد بلانكفين المدير التنفيذي لمجموعة “Goldman Sachs”: “يعد هذا الأمر تحديًا كبيرًا للبلاد وله آثار عظيمة على العالم، ورغم ضرورة وجود الإلحاح، فإن توخي الحذر مطلوب، وبذلك لا يؤدي التغيير المطلوب للاستقرار على المدى البعيد إلى استقرار على المدى القريب”.
وبالفعل هناك علامات على أن الأمير يتحرك بسرعة كبيرة، فرفض الناس لقيادة المرأة للسيارات كان الهاشتاج العربي الأكثر انتشارًا على تويتر بعد إعلان الحكومة في 26 من سبتمبر بأن المرأة لها الحق في القيادة، بالإضافة إلى هجوم نادر يوم 7 من أكتوبر على قصر ملكي في جدة أدى إلى مقتل فردي أمن وإصابة 3 آخرين، مما يعني أن العائلة الحاكمة أصبحت مرة أخرى هدفًا للجماعات المسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.
ولاستباق أي رد فعل عنيف على سياستها، شنت الحكومة أكثر الحملات قمعًا ضد المعارضة منذ سنوات، فقد اعتقلت رجال دين ونشطاء بارزين، يقول بول بيلار أستاذ بجامعة جورج تاون في واشنطن وضابط سابق في المخابرات الأمريكية: “لقد قام النظام بما يكفي من تحركات ضد المعارضة ليبدو واثقًا أكثر من أي وقت مضى، هذا الأمر يجعل هذا النوع من التغيير السياسي مثير للجدل”.
نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في السعودية لا يتجاوز 1% في النصف الأول من عام 2017، فقد انخفض كثيرًا عن ذروته التي وصلت إلى 10% عندما كان سعر برميل النفط الخام يتجاوز 100 دولار
ظهرت آثار خفض الإنفاق الحكومي على الاقتصاد، فقد انخفضت مبيعات شركات الأجهزة الطبية بسبب انخفاض مشتريات الرعاية الطبية، أما شركات البتروكيماويات فكان عليها أن تدفع أموالاً أكثر من أجل المواد الأولية بعد أن انخفض الدعم الحكومي لها، تضررت كذلك أعمال البناء التي كانت تعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية، تقول البيانات الرسمية إن نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي لا يتجاوز 1% في النصف الأول من عام 2017، فقد انخفض كثيرًا عن ذروته التي وصلت إلى 10% عندما كان سعر برميل النفط الخام يتجاوز 100 دولار.
تعثرت الجهود الرامية لفرض التقشف على القوة العاملة الضخمة في القطاع المدني، فبعد انقطاع واسع النطاق أعادت الحكومة البدلات والمكافآت لموظفي الدولة والذين يشكلون نحو ثلث السكان، يقول علي رضا (المدير المنتدب للشركة السعودية الحاج حسين علي رضا وشركاه، والتي تبيع كل شيء بداية من الشاحنات القبلابة وحتى سيارات آستون مارتينز): “يحتاج الاقتصاد للتغيير بالطبع، لكن هذا التغيير يبدو كثيرًا للغاية، فالإطار الزمني الذي وضُع لمعالجة تلك الأمور هو المشكلة”.
لم تدق الشركات المحلية فقط ناقوس الخطر، فقد حذر صندوق النقد الدولي صناع السياسة في السعودية من الاندفاع نحو الإصلاح لأنه قد يشّل الاقتصاد، وفي أثناء وجوده في واشنطن لحضور الاجتماع المالي السنوي في شهر أكتوبر، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن الحكومة لديها مجال للتنفس لأنها تسير على الطريق الصحيح لخفض عجز الميزانية لتصل إلى أقل من 10% من إجمالي الناتج المحلي، ولا ترى السلطات أنها بحاجة للوصول من 10% إلى 0% في عامين فقط.
من الواضح أن مستقبل “رؤية 2030” معلق بيد رجل واحد
قد يضعف التزام الحكومة بالإصلاح الاقتصادي عام 2018 إذا ارتفعت أسعار صادرات النفط الخام السعودية مرة أخرى، يقول جيمس مكورماك الرئيس العالمي للتصنيفات السيادية في شركة “Fitch Ratings”، في مؤتمر بالرياض: “تنطلق البلدان في برامج الإصلاح عندما تنخفض أسعار النفط، وفي بعض الأحيان يقل حماسهم عندما ترتفع الأسعار مرة أخرى”.
كما أن التأخير في بيع حصة أرامكو أو الكوارث التي تحدث في حرب اليمن (حيث لم تتمكن القوات المدعومة من السعودية من السيطرة على متمردي الشيعة بعد أكثر من عامين من القتال)، قد تضر بسمعة الأمير وتحد من قدرته على الضغط ناحية التغيير.
بدلاً من ذلك، قد يرى الأمير أنه سيصبح أقوى إذا تخلى والده الملك سلمان عن العرش، هذا الأمر سيسمح له بقيادة التغيير الاقتصادي بنفسه بينما يسحق المعارضة القادمة من أعضاء الأسرة المالكة مثلما ذكرت مجموعة “أوراسيا” في تقريرها في شهر سبتمر.
في كل الأحوال، من الواضح أن مستقبل “رؤية 2030” معلق بيد رجل واحد، تقول إيميلي هاوثرون مراسلة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة الاستشارات “firm Stratfor Enterprises LLC”: “في النهاية، اعتقاد الأمير محمد بن سلمان بأن الإصلاحات لا يمكن نقلها من شخص لآخر مشكلته وحده”.
المصدر: بلومبرج