لم يكن مارك زوكربيرغ كاذبًا حينما خرج في بث مباشر على فيسبوك قبل شهر أو أكثر من الآن معلنًا سياسة جديدة لفيسبوك، لم تكن تلك السياسة لها علاقة بجعل المستخدمين على تواصل أكثر مع بعضهم البعض كما تقول الشركة في كل مرة تعلن فيها سياسة جديدة، بل كانت عن أكثر شيء يخاف منه زوكربيرغ منذ تأسيسه للشركة منذ أكثر من 13 عامًا، وهو مواجهة فيسبوك للتنظيمات الحكومية.
لم يتوقف الأمر عند تسليم فيسبوك نحو 3000 إعلان سياسي للكونغرس الأمريكي بعد اتهام روسيا بالتلاعب بنتائج الانتخابات الأمريكية من خلال منصة فيسبوك و التياتضح أنه تم شراؤها من خلال حسابات روسية، بل خرجت شركة “كامبيردج أنالاتيكا”، إحدى شركات تحليل البيانات الخاصة، تعترف أيضًا بأن حملة ترامب استعانت بها للتلاعب بالناخبين الأمريكيين.
ما شركة “كامبيردج أنالاتيكا”؟
“نحن نوفر لك تحليل البيانات من أجل تغيير سلوك الجماهير” هذا هو شعار شركة “كامبيردج أنالاتيكا“، وهي الشركة الخاصة بتحليل ودراسة البيانات المختلفة عن الناخبين على الإنترنت على الشبكات المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي فيما يُعرف بالحملات الانتخابية المُدعمة بالبيانات، حيث غير شكل تحليل البيانات العلاقة بين الحملات الانتخابية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل جذري بحسب رأي الموقع الرسمي للشركة، فمن خلال معرفة الناخبين بشكل أفضل، يمكنك التلاعب بسلوكيات الجماهير بشكل مختلف.
تمتلك الشركة خبرة نحو 25 سنة من العمل في تحليل بيانات الناخبين، والتي استطاعت من خلالها دعم وتأييد 100 حملة انتخابية في خمس قارات مختلفة، أما عن الولايات المتحدة وحدها، فقد لعبت الشركة دورًا محوريًا في الفوز بالعديد من السباقات الرئاسية وكذلك انتخابات الكونجرس أيضًا، حيث تجد أن سمعة الشركة في الأخبار لها صيت واسع، إذ يُقال عنها إنها تتنبأ بالأصوات التي قد توصل المرء إلى البيت الأبيض في النهاية.
تمتلك شركة “كامبيردج أنالاتيكا” خبرة نحو 25 سنة من العمل في تحليل بيانات الناخبين، والتي استطاعت من خلالها دعم وتأييد 100 حملة انتخابية في خمس قارات مختلفة
تعمل الشركة على كل من الصعيدين السياسي والتجاري عن طريق التسويق الرقمي، حيث تحقق لعملائها حلم التواصل مع الجمهور بشكل شخصي على مستوى كل فرد، فتجمع الشركة البيانات الخاصة بكل فرد على حدة من أجل معرفة خلفيات الفرد المختلفة، ومن ثم تحدد رغباته واحتياجاته من خلال العلوم النفسية والسلوكية والإحصائية، ومن ثم تجعل العميل على تواصل مع كل فرد في جمهوره أو زبائنه بشكل احترافي.
استخدام بيانات فيسبوك لانتخاب ترامب
اللون الأخضر يشير إلى الناخبين المستهدفين للإقناع
لم تخضع إعلانات فيسبوك فقط للتحقيق من لجنة الكونغرس الأمريكي، بل تخضع بيانات الشركة أيضًا، حيث استخدمت شركة كامبيردج أنالاتيكا كمية كبيرة من البيانات السكانية لتعيين الناخبين المستهدفين الذين يكون لديهم احتمالية كبيرة للتصويت لترامب.
اعترفت الشركة، التي حصلت على الملايين من الدولارات من أرباح حملة ترامب الانتخابية، بأنها استخدمت معلومات عن الناخبين استطاعت الحصول عليها من حساباتهم الشخصية على فيسبوك مكنتها من توقع الناخبين المستهدفين
أصبحت الشركة محور جدل إعلامي شديد بعدما نشرت الصحيفة الأمريكية “دايلي بيست” تقريرًا بعنوان “زعيم بيانات ترامب” مشيرة إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة كامبيردج أنالاتيكا، الذي حاول التواصل مع “جوليان أسانج” مؤسس “ويكيليكس” الأسترالي للتعاون معه ودعم حملة ترامب من خلال دعم الأخير له برسائل بريدية مسربة من بريد المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، وهو العرض الذي رفضه جوليان أسانج بحسب ما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية.
لم تساعد بيانات الشركة ترامب على إيجاد الناخبين المستهدفين فحسب، بل ساعدته أيضًا على اتخاذ العديد من قرارات حملته الانتخابية اليومية، مثل مواعيد سفره بين الولايات الأمريكية على سبيل المثال، أو مواعيد إطلاق الحملات الإعلانية التي تعترف الشركة أنها ساعدتهم على العدد المطلوب من الممولين للحملة، وذلك منذ بدء عمل الشركة على دعم حملة ترامب منذ شهر يونيو/حزيران 2016.
اعترفت الشركة التي حصلت على الملايين من الدولارات من أرباح حملة ترامب الانتخابية، بأنها استخدمت معلومات عن الناخبين استطاعت الحصول عليها من حساباتهم الشخصية على فيسبوك مكنتها من توقع الناخبين المستهدفين، ومكنتها أيضًا من توقع نتيجة الانتخابات على الرغم من رفض عرض ويكليكس للمساعدة وتفضيل الأخيرة العمل وحدها بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
من حسابات على فيسبوك واستطلاعات رأي إلى البيت الأبيض
المدير التنفيذي أليكساندر نيكس يتحدث عن أهمية “المعلومات الضخمة” عن التخطيط الشخصي لكل فرد على حدة في العملية الانتخابية
وهو أيضًا ما كشفت عنه صحيفة “دايلي بيست” بأن تواصل ويكيليكس مع شركة كامبيردج أنالاتيكا علامة واضحة على تواصل ويكيليكس بحملة ترامب الانتخابية أيضًا، حيث كانت الرسائل المسربة من بريد هيلاري كلينتون وعددها 33 ألف رسالة وقت كانت وزيرة للخارجية محط اهتمام دونالد ترامب وحملته الانتخابية، إلا أن في النهاية لم ينشر أحد تلك الرسائل، ولكن ترامب استمر في مدح ويكيليكس وذكرها في مؤتمراته مئات المرات وقتما كان مرشحًا.
حصلت الشركة على مبلغ يُقدر بـ6 ملايين دولار استخدمتها للحصول على بيانات الناخبين وشراء الإعلانات التليفزيونية أيضًا لتستطيع الشركة من خلالها تحديد الناخبين الذين من الممكن إقناعهم بالتصويت لترامب، كما استطاعت من خلالها تحديد قوائم بناخبين يستطيعون تمويل الحملة أو بالتبرع من أجل الحملة، وهو ما ساعد حملة ترامب أن تحصل على 80 مليون دولار في مراحلها المبكرة.
شركة فيسبوك قد أقرت مؤخرًا بأن روسيا وجهات أخرى، لم تعلنها في بث مارك زوكربيرغ المباشر، استغلت خدمات موقعها للتلاعب بنتائج انتخابات بعض الدول الغربية، والتي كان آخرها الانتخابات الفرنسية والألمانية الأخيرة
كما أجرت الشركة مئات الآلاف من الاستطلاعات على مواقع التواصل الاجتماعي لفهم آراء الناخبين المستهدفين لانتخاب ترامب، بالإضافة إلى دراسات الشركة الاستقصائية للنتائج ومع البيانات التي جمعتها حملة ترامب نفسها استطاعت الشركة تكوين خريطة بالأماكن التي يجب على ترامب زيارتها في الأوقات التي حددتها الشركة لكي يزيد من تأثيره.
كان شركة فيسبوك قد أقرت مؤخرًا بأن روسيا وجهات أخرى، لم تعلنها في بث مارك زوكربيرغ المباشر، استغلت خدمات موقعها للتلاعب بنتائج انتخابات بعض الدول الغربية، والتي كان آخرها الانتخابات الفرنسية والألمانية الأخيرة، في حين يأتي هذا الاعتراف بعد اتهامات في أمريكا لروسيا مسبقًا بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وهو ما دفع مؤسس شركة فيسبوك لإطلاق خطة جديدة لتأمين العملية الديمقراطية على منصة فيسبوك خلال الانتخابات.
ولكن يبدو إن كان زوكربيرغ يبيت النية للتحكم في مراقبة الانتخابات بطريقة ما، فهناك أيضًا من سيستخدم بيانات مستخدمي المنصة لتوقع نتائج الانتخابات وتحديد الناخبين المستهدفين للحملة الانتخابية للتلاعب بأفكارهم والتأثير عليها، هذه الجهات التي تحدث عنها زوكربيرغ بغموض في بثه المباشر قبل شهرين من الآن، وهي نفسها الجهات التي تترأسها شركة تحليل البيانات، كامبيردج أنالاتيكا.