هل تعقد القمة الخليجية في موعدها المحدد؟ سؤال بات يفرض نفسه على الجميع، خليجيين وغير خليجيين، منذ بدء الحصار الرباعي (السعودية – مصر- الإمارات – البحرين) ضد قطر في 5 من يونيو الماضي، في ظل ما تحمله الإجابة عنه من غموض وضبابية رؤية تعكس حجم ما وصلت إليه العلاقات البينية الخليجية، في الوقت الذي يغيب فيه مجلس التعاون – كمظلة تنظيمية – عن المشهد برمته.
أقل من شهر على الموعد المحدد لانعقاد أعمال القمة الخليجية في دورتها الـ38 ولم يحدد بعد بصفة نهائية هل تعقد القمة أم لا، وذلك رغم ما تبذله الكويت، التي من المقرر أن تستضيف هذه الدورة، من جهود لعقدها في الموعد المتفق عليه خلال قمة المنامة 2016، آخرها الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير الكويت للسعودية للدفع بعقدها في موعدها خشية ما يترتب على أي حل آخر من تهديد لاستقرار التحالف الأكثر تماسكًا في المنطقة منذ تدشينه عام 1981.
الكويت في الآونة الأخيرة أبدت تفاؤلها حيال ما تحمله القمة من بوادر إيجابية، كما جاء على لسان سفيرها لدى مملكة البحرين عزام الصباح
ما بين تكهنات الانعقاد المشروط من جانب والتأجيل أو الإلغاء من جانب آخر، تتصاعد بورصة التساؤلات بشأن ما يمكن أن يترتب على هذا السجال – إن استمر – من تهديد لمستقبل مجلس التعاون الخليجي وقدرته على الصمود أمام هذه الرياح العاصفة التي ربما تطيح به في أقرب وقت، هذا بخلاف الحديث عن إمكانية تشكيل تحالفات موازية أخرى ربما تعيد رسم الخارطة الخليجية مجددًا.
الكويت تواصل مساعيها
منذ اشتعال فتيل الأزمة الخليجية وتقوم الكويت بدور الوساطة بين طرفيها في محاولة لتقريب وجهات النظر والحيلولة دون إحداث أي شروخ تهدد الجدار الخليجي، إلا أن تعنت فريق دول الحصار ومطالبه الـ13 من جانب وتمسك الدوحة بعدم المساس بسيادتها من جانب آخر، حال دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
الكويت أعلنت أكثر من مرة أنها مستمرة في جهودها من أجل الابتعاد بالأزمة عن طريقها المسدود في محاولة لتقريب وجهات النظر، حيث اعتقدت أن القمة الخليجية المقبلة والتي ستكون فوق أراضيها ربما ستكون فرصة جيدة لتلاقي طرفي الأزمة والجلوس على مائدة مشتركة، وهو ما يفسر تمسكها إلى آخر لحظة بأن تعقد القمة في موعدها.
زيارة الشيخ صباح الأحمد الصباح للسعودية الشهر الماضي فضلًا عن اتصالاته التي يعقدها مع الوسطاء الأمريكيين، تعكس حرص بلاده على عقد القمة بأي ثمن، وهو ما استقبلته الدوحة بالترحيب معلنة على لسان الشيخ تميم أكثر من مرة استعدادها التام للحوار والجلوس مع الطرف الآخر، لعل آخرها تصريحاته خلال حواره مع قناة ““CBS الأمريكية، الذي أجراه منذ عدة أيام، غير أن تعنت دول الحصار يهدد بعدم وجود بوادر الحل قريبًا بالشكل الذي يمهد لانعقاد القمة، وهو ما تجسد جليًا على لسان ملك البحرين ومن قبله وزير خارجيته.
وكانت الكويت في الآونة الأخيرة قد أبدت تفاؤلها حيال ما تحمله القمة من بوادر إيجابية، كما جاء على لسان سفيرها لدى مملكة البحرين عزام الصباح، الذي أكد أن القمة الخليجية في الكويت ستفتح صفحة مضيئة في مسيرة التعاون الخليجي، وستشهد نهاية مفرحة للاختلافات الخليجية، ساعية بذلك إلى تكرار سيناريو 2014 حين استقبل العاهل السعودي الراحل أمير قطر في الرياض رغم الخلافات بينهما وتم الاتفاق على ما أطلق عليه بعد ذلك “وثيقة الرياض”.
الصباح كان يراهن وفق تصريحاته على أن حكمة قادة مجلس التعاون وحرصهم على تعزيز اللحمة الخليجية لمواجهة التحديات الاستراتيجية المتصاعدة في المنطقة ستعزز أجواء التفاؤل، وأن الأيام المقبلة ستشهد تحركات دبلوماسية في هذا الإطار.
هل يتكرر سيناريو الرياض 2014؟
البحرين تصعد
بينما تكثف الكويت من جهود الوساطة لعقد القمة في موعدها، إذ بوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، يصدر عدة تصريحات متتالية تجهض تلك الجهود بشكل كبير، خاصة في دعوته لتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي.
وبعد أقل من يوم على تصريحات وزير الخارجية يخرج نبيل الحمر المستشار الإعلامي للعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” لينقل اعتذار الملك عن مشاركة بلاده في أي اجتماع خليجي تحضره قطر.
حين تغيب أو تُغيب قطر عن حضور القمة، قد يشكل هذا هاجسًا لدى سلطنة عمان والكويت خاصة في ظل العلاقات المتذبذبة مع أبو ظبي والرياض وإن لم تظهر للعلن
دعوتان لا يفصل بينها سوى ساعات قليلة كانتا بمثابة الصدمة لجهود الوساطة كافة ومحاولة لململة الشمل داخل البيت الخليجي، خاصة أنهما استبقتا الأحداث مبكرًا لتضع بقية دول مجلس التعاون في موقف حرج.
سيناريوهات العقد والتأجيل
3 سيناريوهات تتصدر قائمة التكهنات بشأن مستقبل واحتمالات عقد القمة الخليجية المقبلة المقرر لها ديسمبر القادم في الكويت، تتوقف ترجمة كل سيناريو فيهم على مدى استجابة طرفي الأزمة.
التأجيل لأجل غير مسمى
السيناريو الأقرب للواقع برأي خبراء ومحللين، هو تأجيل انعقاد القمة لأجل غير مسمى، خاصة بعد الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة في ظل تشبث كل طرف بمطالبه، إذ إن الكويت لن تقبل أن تعقد القمة دون بوادر نجاح في أعقاب محاولاتها المستمرة لتحقيق أقل القليل من إعادة رأب الصدع الخليجي.
وفي حال التأجيل فإنها ستكون سابقة من نوعها، كونها المرة الأولى منذ تأسيس المجلس في عام 1981 عقد خلالها ما يقرب من 37 قمة عادية ونحو 20 قمة تشاورية لم يغب عنها أي مسؤول أو زعيم خليجي.
النقل خارج الكويت
السيناريو الثاني كما أشار إليه البعض يدور حول اعتذار الكويت عن استضافة القمة لتُعقد في دولة المقر وهي المملكة العربية السعودية، وهنا لا يتم دعوة قطر لحضور فعاليات هذه القمة، مما قد يترتب عليه تداعيات أخرى سيتم التطرق إليها لاحقًا.
أنصار هذا السيناريو يشيرون إلى أن تطرف دول الحصار في مطالبها في مقابل تمسك الدوحة بثوابتها الوطنية وضع الكويت في موقف حرج، ومن ثم قد تجد نفسها مضطرة إلى الاعتذار عن الاستضافة، لتصبح السعودية هي الدولة المعنية بعقد القمة – بحسب لوائح مجلس التعاون – تجنبًا لتأجيلها وما تحمله من رسائل سياسية غير مطمئنة بشأن تماسك الخليج برمته.
العقد بشروط
السيناريو الثالث يذهب إلى خضوع الكويت لضغوط دول الحصار لا سيما السعودية لعقد القمة في موعدها بشرط عدم توجيه دعوة الحضور والمشاركة للقطر، إلا أن هذا السيناريو حال تنفيذه يضع الكويت في ورطة حقيقية ويفقدها حيادية وساطتها التي تميزت بها منذ انطلاق الأزمة.
السيناريو الأقرب للواقع برأي خبراء ومحللين، هو تأجيل انعقاد القمة لأجل غير مسمى، خاصة بعد الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة في ظل تشبث كل طرف بمطالبه
غياب قطر عن القمة لأول مرة في تاريخ المجلس سعى البعض إلى تعويضه من خلال التكهن بدعوة بعض الشخصيات المناهضة للدوحة والتي تستضيفها السعودية في الوقت الراهن لحضور القمة وعلى رأسها الشيخ عبد الله آل ثاني عضو الأسرة الحاكمة في قطر، والذي تسخر له السعودية والإمارات منصاتهما الإعلامية للترويج لبياناته وخطاباته ما بين الحين والآخر.
إلا أن هذا السيناريو أيضًا قد يواجه برفض بنسبة كبيرة إذ إنه سيحمل – حال حدوثه – بوادر تفكك كامل لمجلس التعاون بحسب آراء بعض المقربين من دوائر صنع القرار في الرياض.
تعنت دول الحصار قد يقود مجلس التعاون إلى التفكك
هل يتفكك مجلس التعاون؟
“إن تصدع وانهيار مجلس التعاون هو تصدع وانهيار لآخر معاقل العمل العربي المشترك”، بهذه الكلمات حذر أمير الكويت في تصريحات سابقة له من تصاعد الأزمة الخليجية المستمرة دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن رغم الجهود المبذولة.
تحذيرات أمير الكويت تأتي في الوقت الذي غاب فيه مجلس التعاون الخليجي تمامًا عن المشهد، خاصة أن لديه العديد من الصلاحيات للتأثير في مسار الأزمة، كون لائحة نظامه الأساسية تمكن من اللجوء لحل الخلافات الداخلية في إطار المجلس من خلال هيئة تسوية المنازعات والتي تنظر في أي خلاف بشأن النظام الأساسي للمجلس، بحسب ما تنص عليه المادة العاشرة “إذا نشأ خلاف بشأن تفسير أو تطبيق النظام الأساسي ولم تتم تسويته في إطار المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى، فللمجلس الأعلى إحالته إلى هيئة تسوية المنازعات”.
وهنا سؤال ثلاثي مركب يفرض نفسه: ماذا لو تم تأجيل أو إلغاء القمة؟ ثم ماذا لو عقدت من دون قطر؟ وأخيرًا.. ماذا لو انسحبت قطر من مجلس التعاون؟ وهنا عدة خيارات للإجابة عن هذا السؤال المركب، كلها تصب في مسار واحد ألا وهو: تفكيك مجلس التعاون.
تغيب أو تُغيب قطر عن حضور القمة، قد يشكل هذا هاجسًا لدى سلطنة عمان والكويت، خاصة في ظل العلاقات المتذبذبة مع أبو ظبي والرياض وإن لم تظهر للعلن
إرهاصات تفكك المجلس ليست وليدة اليوم، إذ إن هناك العديد من الشواهد السابقة التي تشير إلى احتمالية المضي قدمًا نحو هذه الخطوة، آجلاً كان أو عاجلًا، ومع تسارع وتيرة المستجدات الداخلية، سعوديًا على وجه الخصوص، باتت احتمالات تدشين كونفيدراليات خليجية مسألة مطروحة للنقاش.
فحين تغيب أو تُغيب قطر عن حضور القمة، قد يشكل هذا هاجسًا لدى سلطنة عمان والكويت، خاصة في ظل العلاقات المتذبذبة مع أبو ظبي والرياض وإن لم تظهر للعلن، وهنا أصبح من الوارد قيام كونفيدرالية تجمع الإمارات والسعودية والبحرين، في مقابل أخرى تضم قطر والكويت وعمان، وهو ما يعني ميدانيًا نهاية مجلس التعاون إلى الأبد.
ورغم ما تنتاب هذه السيناريوهات من محاذير وتحديات قد تدفع أبو ظبي إلى التفكير ألف مرة قبل المضي فيها، فإنها وفي ظل المنهجية الجديدة لمحمد بن سلمان قد تكون واردة وإن كانت بنسب ضعيفة، هذا بخلاف ما يثار بشأن رغبة السعودية في توسيع دائرة تحالفاتها الإقليمية لتضم الأردن والمغرب وقيل مصر أيضًا ضمن مظلة خليجية واحدة.
وفي النهاية تبقى هذه السيناريوهات في إطار التكهنات السياسية وفق قراءة المشهد بتفاصيله الحالية حتى كتابة هذه السطور، إذ إن الأيام القادمة المتبقية على موعد القمة قد تشهد بعض التطورات المتلاحقة التي تعيد ترتيب المشهد برمته، وحتى حدوث ذلك تظل القمة بتصوراتها الحالية مسمارًا في نعش مجلس التعاون الخليجي.