يعرف شهر أكتوبر بالشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي، فمنذ بداية هذا الشهر “الوردي” وحتى نهايته يعج العالم بالندوات والنشاطات والإعلانات التي تهدف -بالأساس- على رفع مستوى الوعي لدى النساء -بالتحديد- عن أعراض ومخاطر هذا المرض.
يرمز لهذا المرض بالشريط الوردي، الذي تم اعتماده منذ بداية تسعينيات القرن الماضي في نيويورك، الذي استوحيته فكرته من الشريط الأحمر الذي يرمز إلى مرض الإيدز. تستخدم معظم الهيئات والمنظمات والناشطين هذه الأشرطة للتعبير عن دعمهم للمرضى، وكوسيلة أيضًا لجمع المال اللازم لمكافحة هذا المرض من خلال البحوث الطبية والبرامج التوعوية والأجهزة المتطورة.
وتعود فكرة هذه الحملات إلى أكثر من 20 عام، في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قررت مجموعة من المؤسسات الطبية والجهات الحكومية التعاون لجذب انتباه العالم على هذا المرض وتشجيعهم على الفحص المبكر ولو بشكل ذاتي.
لكن جدير بالذكر أن هذه الحملات تعرضت للكثير من الانتقادات بسبب الأرباح الطائلة التي تجنيها من بيع المنتجات التجارية “الداعمة” لمرضى سرطان الثدي، إضافة إلى اخفاق هذه المؤسسات على توجيه رسالة واضحة ومباشرة دون استغلال مظهر المرأة الخارجي لأهداف تجارية أو نمطية، وتحويل جسدها إلى منتج أو واجهة إعلامية أو إعلانية، لتكون النتيجة إهمال الفكرة الرئيسية لهذه المسألة الصحية والالتفات إلى المنافع الربحية والنمطية الثقافية التي بشكل أو بآخر، أضاعت الحقيقة الواقعية لهذا المرض الذي يدمر حياة بأكملها وركزت على فكرة تقوم على أن قيمة المرأة وجدت في شكل ثدييها المثالي، وكأنها وسيلة لإنقاذ ثدي وليس روح.
أرقام عن مرض سرطان الثدي وأسبابه
فهو يعد أكثر الأمراض السرطانية شيوعًا بين النساء، فهناك أكثر من 1.38 مليون إصابة جديدة بسرطان الثدي سنويًا. وفي عام 2015 وحده توفت أكثر من 500 و70 ألف امرأة نتيجة الإصابة بهذا المرض، أي 15% من جميع الوفيات الناجمة عن السرطان بين النساء. حيث توجد 50% من حالات سرطان الثدي و58% من الوفيات في البلدان النامية. مع العلم، أن معدلات الإصابة بهذا المرض تتزايد في جميع أنحاء العالم. هذا بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية.
كذلك، تفسر المنظمة انخفاض معدلات الوفاة، بسبب سرطان الثدي، في الدول المتقدمة بأن السبب يعود إلى الكشف المبكر عنه، على العكس من البلدان التي تفتقر إلى مراكز التشخيص والعلاج فتزداد لديها معدلات الوفاة الناتجة عن سرطان الثدي. بالإضافة إلى مجموعة من العوامل التي تساعد خلق هذا المرض، مثل: شرب الكحول وزيادة الوزن المفرطة وقلة النشاط البدني والخمول، إلى جانب العوامل الوراثية والجينية.
هل تخدم حملات التوعية المرأة أم تهدم صورتها اجتماعيًا وثقافيًا؟
تدير العديد من الشركات والمنظمات التجارية والخيرية مجموعة من الإعلانات المتعلقة بالتوعية حول سرطان الثدي، على أمل تنبيه العالم بهذا الأمر، لكن الإفراط في إنتاج الإعلانات والعلامات التجارية دفعت البعض إلى انتقاد هذه الجهات والتي تسعى بحسب رأيهم إلى زيادة حجم المبيعات لديهم، ليس أكثر.
تقول الصحفية إليزابيث دالي في تقرير نشرته على “ذا بريست لايف”، أنه في بداية الستينيات كان من الصعب الحديث عن هذا النوع من الأمراض، بسبب الخجل العام من تلفظ كلمة “ثدي” ولكن مع جرأة البعض تم التخلص من الحرج الاجتماعي لمعالجة أمر أكثر أهمية من القيود الثقافية.
وتضيف، لكن ما يؤسف اليوم هي الطريقة التي أصبح بها العالم يدعو النساء -المحتملين للإصابة بالمرض- للكشف والفحص المبكر، والتي تتم عبر نشر صورة لفتاة لم تتعدى 18 عام وبجسد عار لتحذرنا من مخاطر وأعراض هذا المرض!
وتعرض دالي نماذج أخرى للإعلانات والحملات الخيرية التي تركز على جسد المرأة، وخاصة الشابات، والتي تفضل دائمًا تسليط الضوء على ثدييها بطريقة تبدو فيها جذابة. هذا رغم أن النساء في سن 50 أو أكبر هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي. إضافة إلى تجاهلهم إصابة الرجال لهذا المرض أيضًا، ولكن قد لا يعتبر الرجال مادة إعلانية ناجحة في هذا السياق لذلك يتم تجنب الأرقام التي تؤكد على إصابة
هذا وتعزز حملات التوعية مفهوم الفحص الشهري الروتيني للثدي، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع أن الفحص المبكر قد ينقذ حياة المصاب، خاصة أن العلماء لم يعرفوا مرض سرطان الثدي بصورة أو آلية محددة، فلكل جسم طريقته في استقبال أو الدفاع عن الخلايا التي تنتشر فيه. إذ وجد أن 50% من الأشخاص المصابين بهذا المرض لم يأخذوا الأدوية المناسبة أو التدابير الوقائية. وهو خلل في الجينات أكثر منه في السيطرة.
وتعتبر أنه كان من الجدير توفير هذه الأموال على البحوث والدراسات للوقاية من هذا المرض وفهم آليته بشكل دقيق وتطوير أدوية للقضاء عليه، بدلًا من زيادة الوعي حوله عبر صورًا لأجساد عارية. فعلى مر العقود الأربعة الماضية، ساعدت العلاجات الجديدة والمطورة حديثُا على تمديد حياة الكثير من المرضى، ومن الصعب ربط هذا الإنجاز المؤقت بالأشرطة الوردية التي تباع في كل مكان خلال شهر أكتوبر.
هل حملات سرطان الثدي “بيزنس” مربح أم خدمة تطوعية؟
يمكن الإجابة على هذه النقطة إذا نظرنا إلى الأرباح السنوية التي تحرزها هذه العلامات التجارية التي تطوعت في المشاركة في حملات التوعية والتي تحرز أكثر من 3 مليار دولار سنويًا لتدعم هذه البرامج. مع وجود أكثر من 1400 جمعية خيرية تهتم بمسألة سرطان الثدي.
إذ تقول المسؤولة في مجموعة “إن بي دي” لاريسا جنسن، “انتشرت المنتجات الوردية والإعلانات في كل مكان على التلفزيون والأسواق التجارية، وهذا ليس أمرًا غريب، فالأمر ناجح، وأينما يوجد النجاح سوف تقفز إليه الشركات التجارية ومنتجاتها”
وفي الوقت الذي تموت فيه الكثير من النساء بسبب هذا المرض، هناك ملايين الدولارات التي تمول برامج التوعية وفي الوقت نفسه، المنتجات المسببة لهذا المرض. لذلك ينصح عند شراء منتج وردي داعم لمصابي هذا المرض، ألا يكون هذا المنتج مضر بالصحة.
والدليل على ذلك هي التبرعات التي تقدمها الشركات بملايين الدولارات للجهات المسؤولة عن علاج هذا المرض، والذي جعل البعض يقارن بين مبالغ التبرعات وبين ما ربحته هذه العلامات التجارية بالفعل.
وهذا ما كشفه عدد من الناشطين والمشككين في شفافية العلامات التجارية والجمعيات التجارية. فوفقًا لمنظمة “سوليكس” لجمعية سرطان الثدي، فإنه يتم جمع حوالي 6 مليار دولار كل عام، وفقط مليار دولار واحد ينفق على أبحاث الطبية المتعلقة بالسرطان. والمشكلة الحقيقية تكمن في غياب الرقابة والمتابعة على هذا النوع من الأعمال الخيرية.