ترجمة وتحرير: نون بوست
تم اختيار مقر الحكومة اليمنية في مدينة عدن بصفة وقتية. في الوقت الراهن، تعيش المدينة حالة من عدم الاستقرار بعد فرار المسؤولين منها قبل أن تحط طائرتنا في مطار عدن الدولي، حلقت قليلا فوق المدينة الساحلية التي تبدو من فوق كأنها نقطة في قاع البحر. وعلى جانب مدرج الطائرة، اصطفت القوات العسكرية والدبابات. وعندما انفتحت أبواب الطائرة، غمرنا حر شديد، على الرغم من أن جنوب شبه الجزيرة العربية معروف بمناخه الرطب. عند بوابة المطار، توجد لافتة للترحيب بالمسافرين، وخلف هذه اللافتة، كان جزء كبير من المطار مهدما نتيجة تعرضه لغارة جوية.
أثناء تجولنا في المدينة، شاهدنا ميليشيات مسلحة بأزياء مختلفة تجوب الشوارع، فضلا عن نزل مدمرة ولوحات إعلانية من دون صور. ومررنا أيضا بمركز لأعوان الأمن محاط بأكياس من الرمل وكتل من الخرسانة وعليه آثار حرق. وفي حين انتهت الحرب في مدينة عدن، بات المتحدث باسم الأهالي ينتابه شعور بأن المعارك بين الحوثيين والقوات اليمنية تدور على كوكب آخر. عموما، تعيش عدن في هدوء يشوبه التوتر خاصة وأنها تقع غير بعيد عن بؤر القتال.
في خضم جولتنا في عدن، زرنا مستشفى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث يعالج جرحى الحرب. وفي هذا الصدد، قال طبيب، يدعى علان سهيم، إنه “عقب اندلاع المعارك في سنة 2015، كنا نستقبل حوالي 600 جريح في الشهر. وعلى الرغم من أن عددهم تقلص في الوقت الراهن، إلا أن الوضع ازداد تأزما”. في إحدى غرف المستشفى، كان طفل، يبلغ من العمر 8 سنوات، يخضع للعلاج. ولعل أشد ما يثير الحزن تجاهه أنه مهدد ببتر كلتا ساقيه نتيجة إصابته بلغم أثناء رعي الأغنام. وإلى جانبه، يستلقي مراهق، يبلغ من العمر 17 سنة، يعاني من جروح بعد إصابته بطلق ناري في ذراعه خلال الحرب. وعلى الرغم من معاناته، إلا أن هذا الشاب أعرب عن استعداده للانضمام إلى جبهات القتال فور تعافيه من الإصابة.
غادر العديد من أعضاء الحكومة مدينة عدن في اتجاه الرياض، وذلك لأغراض أمنية
نصف أعضاء الحكومة في المنفى
تدور الحرب الأهلية في اليمن بين مليشيات الحوثي القادمة من الجبال والحكومة اليمنية التي تحظى بدعم من قبل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. وفي سنة 2015، طرد الحوثيون أعضاء الحكومة اليمنية من العاصمة صنعاء بعد نجاحهم في الانقلاب على السلطات الحكومية.
إثر ذلك، سيطر الحوثيون على العاصمة وتوغلوا إلى حدود مدينة عدن. وبعد أربع أشهر من المعارك، وبدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، استعادت السلطات اليمنية سيطرتها على مدينة عدن، وتحديدا في صائفة 2015، لتتخذ الحكومة اليمنية المدينة مقرا مؤقتا لها. والجدير بالذكر أن زائر هذه المدينة الساحلية سيلاحظ بسهولة أن الحكومة اليمنية لا تحكم السيطرة على المدينة.
في الواقع، غادر العديد من أعضاء الحكومة مدينة عدن في اتجاه الرياض، وذلك لأغراض أمنية. ومن بين هؤلاء المسؤولين الحكوميين، الرئيس، عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر. من جهته، فضل محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، اللجوء إلى القاهرة، علما وأنه لا يستطيع الدخول إلى مكتبه إلى حد اليوم. وفي هذا السياق، صرح نائب وزير الإعلام اليمني، حسين باسليم، قائلا: “نحن مجموعة صغيرة من الأشخاص ونسعى إلى فرض وجودنا على اعتبارنا أعضاء حكومة في المدينة”.
يحلم أهالي عدن بالعودة إلى حياتهم الطبيعية
عند دخولنا إلى مكتب نائب وزير الإعلام اليمني باسليم، اعترضنا رجال مسلحون بزي مدني يحرسون مكتبه. وتقع وزارة الإعلام اليمنية بصفة مؤقتة في مقر صحيفة حكومية نظرا لشح العقارات في المدينة. وفي هذا الإطار، أورد موظف لدى الوزارة، يدعى عرفات مدابش، أن “الحكومة تعمل بشكل فعال، لكننا نحتاج إلى المزيد من الدعم الدولي خاصة وأن منظمة الأمم المتحدة تتعامل مع الانقلابيين في صنعاء”. من الملاحظ أن هذا الموظف ينتقد وجود بعثة الأمم المتحدة في صنعاء والحال أن الحكومة الشرعية تتمركز في عدن.
في خضم حديثنا مع نائب وزير الإعلام اليمني باسليم، كان علم اليمن موضوعا على مكتبه. في المقابل، شاهدنا خلال تجولنا في أنحاء المدينة علم اليمن الجنوبي يرفرف في كل الشوارع والساحات والدوريات الأمنية. وتجدر الإشارة إلى أن اليمن الجنوبي كان إلى حدود سنة 1990 جمهورية اشتراكية. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية، أصبح الجنوب مهملا من قبل السلطات اليمنية. وبعد سيطرة الحوثيين على شمال اليمن، تعالت الأصوات المنادية باستقلال جنوب اليمن، بشكل غير مسبوق. وخلال حديثنا مع أهالي عدن، اكتشفنا أن أغلبهم يحنون إلى عهد الانفصال، حيث كان الوضع في المدينة أفضل.
عدد الانفصاليين في ارتفاع
خلال الحرب الأهلية، ازداد الحراك الجنوبي، المطالب بانفصال جنوب اليمن، قوة، علما وأن هذه الحركة الانفصالية متكونة من الميليشيات الشيعية. ومن بين قادة هذا الحراك، نذكر محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، الذي تمكن من حشد عدد كبير من الأنصار. وفي منتصف شهر أكتوبر الماضي، دعا الزبيدي أمام جمع من الأنصار إلى إجراء استفتاء حول انفصال جنوب اليمن. وعلى الرغم من أن الحرب ضد الحوثيين وحدت مختلف الأطراف من انفصاليين وموالين للحكومة، إلا أن هذه الوحدة تفككت بعد انسحاب الحوثيين من المدينة، في حين أن مختلف الأطراف باتت مسلحة منذ اندلاع الحرب اليمنية. وبالتالي، انقسم أهالي عدن إلى عشرات المجموعات المسلحة التي تتنافس فيما بينها لبسط نفوذها.
استغلت أبو ظبي فرصة الحرب ضد الحوثيين لتركيز منطقة نفوذ على طول الساحل اليمني
وفقا للمراقبين، أصبحت المدينة مرتعا لحوالي 55 ألف مسلح بعد أن كانت تضم في السابق 6 آلاف عون أمن. ولعل ما زاد الوضع سوءا، دعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمجموعات على حساب أخرى. وفي الأثناء، يحلم الكثير من الأهالي بالعودة إلى حياتهم الطبيعية. وقد تحدثنا مع طالبة كانت تجلس مع صديقاتها في إحدى المقاهي، التي قالت لنا: “لقد أصبحت حياتنا مملة، إذ أننا لا نخرج للتنزه كثيرا نظرا لأن عائلاتنا تخشى أن يصيبنا مكروه ما، في حين أن كل الرجال انضموا إلى جبهات القتال”. علاوة على ذلك، اشتكت النساء في هذه المدينة من الضغط المسلط عليهن من طرف المتطرفين الذين يفرضون على أصحاب المقاهي توفير أماكن منفصلة مخصصة للرجل وأخرى للنساء، إلى جانب العائلات.
على العموم، يحاول بعض المواطنين جاهدا عدم الاستسلام في ظل هذه الظروف القاسية. وقد عثرنا صدفة خلف مركز تجاري على معرض فني في الهواء الطلق، حيث كان عدد من الأشخاص يشاهدون لوحات فنية مبتذلة تصور زوارق صيد أو لحظات تحرير مدينة عدن من سيطرة الحوثيين. وقبل أن نغادر هذا المعرض، علمنا أن أشخاصا مجهولي الهوية ألقوا قنبلة مسيلة للدموع على زوار المعرض، مما أسفر عن إصابة امرأة بجروح.
المنطقة الخضراء في عدن
قبل هذه الحادثة بوقت قصير، حاول مسلحون ملثمون يرتدون زيا عسكريا سرقة أحد البنوك الحكومية في مدينة عدن. وعلى خلفية ذلك، لقي مدير البنك حتفه. وتعد هذه الحادثة دليلا على مدى اضطراب الوضع الأمني في المدينة، مما يفسر وجود معظم المؤسسات الحكومية الحساسة في منطقة محمية بحواجز. وفي هذا الإطار، أفاد أحد المواطنين، أن “هذه المنطقة تشبه المنطقة الخضراء في بغداد”.
مدينة عدن تضم عددا من السجون التي لا تعلم الحكومة اليمنية شيئا عنها
للذهاب إلى مقر محافظة عدن، ركبنا إحدى السيارات رباعية الدفع التي كان يقودها مسلحان يحملان وجبة عشاء قاما باقتنائها من المطعم. وقد كانت هذه الوجبة مكونة من السلطعون والجمبري والصلصة مع الأرز باللحم المتبل. عند وصولنا إلى مقر المحافظة، سلم المسلحان أسلحتهما للحراس الواقفين على الباب. وقد استقبلنا مضيفنا بشيء من الثقة، قائلا إنه “في سنة 2015، هربت إلى جيبوتي على متن قارب صغير. ومن ثم ذهبت إلى الرياض على متن الطائرة. والآن، عدت إلى عدن”.
في طريقنا إلى القصر الرئاسي، استوقفتنا العديد من نقاط التفتيش. وعند وصولنا إلى القصر، وجدناه فارغا بعد أن غادره الرئيس اليمني الفار، عبد ربه منصور هادي. ويشاع أن الإمارات العربية المتحدة لن تسمح لهادي بالعودة إلى اليمن نظرا للخلافات القائمة بينهما.
في الواقع، استغلت أبو ظبي فرصة الحرب ضد الحوثيين لتركيز منطقة نفوذ على طول الساحل اليمني. وفي الأثناء، يبدو أن الإستراتيجية السعودية والإماراتية في اليمن غير واضحة. وقد انتقد ممثل عن الحكومة اليمنية عدم تعاون التحالف العربي مع السلطات اليمنية وعدم استيعاب الإمارات العربية المتحدة للواقع السياسي اليمني المعقد. وفي سياق متصل، أفاد أحد المراقبين، قائلا: “لا نعلم حقيقة التحالفات التي يمكن أن تتغير بصفة دائمة”.
هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟
رفض العديد من الأشخاص الذين تحاورنا معهم الإدلاء بأسمائهم الحقيقية، نظرا لأنهم يخشون الحديث مع الصحفيين. من جهتهم، أشار العديد من الحقوقيين إلى اختفاء العديد من الأشخاص. وقد أفادت إحدى الناشطات أن “مدينة عدن تضم عددا من السجون التي لا تعلم الحكومة اليمنية شيئا عنها”. في المقابل، لم تجزم هذه الناشطة بوقوف الإمارات العربية المتحدة وراء هذه السجون، في حين شددت على أن الجهاز القضائي يرى أن الوضع غير آمن وغير ملائم للعمل. وفي الإطار ذاته، أوردت محدثتنا أن “الأهالي يعيشون حالة من القلق الشديد نظرا لأن المدينة لا تضم مؤسسات رسمية، وهو ما يمثل مشكلا”.
تعيش مدينة عدن، التي تتميز بحرها الشديد على خلفية وجودها على فوهة بركان، في كنف الهدوء. وفي الأثناء، تلوح بوادر توترات في الأفق، حيث لا يمكن التنبؤ بالوقت الذي قد تنفجر فيه الأوضاع. وفي هذا الصدد، أورد مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي، أن “الوضع في اليمن مقبل على التأزم في أي وقت، حيث ينتظر جميع الأطراف الفرصة السانحة لصب الزيت على النار“.
المصدر: نويه تسوريشر تسايتونغ