تتعالى في الجزائر هذه الأيام أصوات من السلطة تدعو إلى ضرورة التزام المؤسسة العسكرية بمهامها الدستورية وعدم تدخلها في الحياة السياسة والكف عما يتهمونها به من حشر نفسها في صنع القرار، لكن في المقابل ترى المعارضة أن ذلك مجرد كلام يقال أو محاولة لتوريط هذه المؤسسة التي لازال جنودها يلقون احتراما بين جموع المواطنين ، خاصة والبلاد مقبلة في 23 نوفمبر تشرين الثاني على انتخابات محلية وفي ربيع 2019 على استحقاقات رئاسية في بلد اتهم فيها الجيش دائما بأنه من يصنع الرؤساء.
و ارتبطت أهمية الجيش في الجزائر كغيرها من دول العالم الثالث والمنطقة العربية بالثورة التحريرية والاستقلال من الاستعمار، فـ”الجيش الوطني الشعبي” كما يسمى في الجزائر يوصف بأنه سليل “جيش التحرير الوطني” الذي خاض مسيرة الاستقلال ضد الاستعمار، لذلك استمرت أهميته بعد الاستقلال في بلد بني على الشرعية الثورية ولا يزال كما قال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس.
وتبرز أهمية الجيش بالنظر إلى بعض قادة البلاد كانوا من الجيش، فالرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد والرئيس اليامين زروال كانوا من المؤسسة العسكرية، كما كان لمؤسسة دائما الجيش دورا بارزا في الحياة السياسية للبلاد خلال الحزب الواحد أو بعد التعددية الحزبية، لذلك يقال أن الجيش من يدير مقاليد السلطة.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها الجزائر بين فترة أو أخرى، ظلت ميزانية وزارة الدفاع تأتي في أعلى ميزانيات القطاعات الأخرى وحتى قبل التربية والصحة اللتين تستنزفان جزءا كبيرا من موازنة البلاد كل عام.
وتصنف الجزائر ضمن الدول التي تعطي أهمية بالغة للإنفاق العسكري، فالجيش الجزائري يأتي ثانيا في الترتيب الأفريقي بعد مصر، وكانت على هذا الترتيب عربيا أيضا ، إلا هذا العام بعد أن تقدمت عليها السعودية التي رفعت إنفاقاتها العسكرية من اجل الحرب في اليمن ، بحسب ما تذكره مراكز ومعاهد دراسات متخصصة كغالوب وستوكهولم.
مرت الجزائر في التسعينيات بمرحلة انتقالية عندما أوقف الجيش المسار الانتخابي بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل بالانتخابات البرلمانية
بوتفليقة يتكلم لأول مرة
لم يكن الرئيس الجزائري صريحا في موقفه بشأن دور الجيش في البلاد وضرورة التزام مؤسسة الجيش بمهامها الدستوريه كما كان في رسالته للجزائريين بمناسبة الثورة التحريرية المصادفة للفاتح نوفمبر تشرين الثاني من كل عام.
وقال بوتفليقة الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسحة إن “الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني الذي أتوجه إليه بالتحية باسمكم جميعا يتولى بكل حزم مهمته الدستورية في حماية حدودنا من خطر الإرهاب الدولي والجريمة العابرة للأوطان. فلا بد من الإبقاء على هذه الـمؤسسة الجمهورية في منآى عن الـمزايدات والطموحات السياسوية”.
وأضاف “لقد ولى عهد الـمراحل الانتقالية في الجزائر التي ضحى عشرات الآلاف من شهداء الواجب الوطني من أجل إنقاذ مؤسساتها السياسية، وبات الوصول إلى السلطة، من الآن فصاعدا، يتم عبر الـمواعيد الـمنصوص عليها في الدستور ومن خلال سيادة الشعب الذي يفوضها عن طريق الانتخاب على أساس البرامج الـملـموسة التي تعرض عليه. “
ومرت الجزائر في التسعينيات بمرحلة انتقالية عندما أوقف الجيش المسار الانتخابي بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل بالانتخابات البرلمانية، والذي كان “يطمح لإلغاء الديمقراطية، وكان قياديوه يروجون في خطاباتهم أن الديمقراطية كفر”، حسب ما قال الجنرال المتقاعد محمد تواتي في تصريح لقناة “فرانس2” في شهادة له ضمن فيلم وثائقي حول الأحداث التي عرفتها الجزائر بداية التسعينيات.
وقبل رسالة الرئيس بوتفليقة كان الأمين العام للحزب الحاكم جمال ولد عباس قد قال إن الجيش لن يختار الرئيس المقبل في 2019، لأن الرئيس بوتفليقة لن يسمح بذلك
وتدعو بعض الشخصيات المعارضة والأحزاب إلى ضرورة تدخل الجيش لتطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن
المعارضة غير مقتنعة
لكن الخطاب الذي تسوقه عبر أحزاب المولاة لا يقنع لحد الآن المعارضة، وقال رئيس حركة مجتمع السلم ثالث الأحزاب تمثيلا في البرلمان أنه في حال عدم بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، فمن المؤكد أن الجيش هو من سيختار الرئيس المقبل كالعادة.
ولا يعارض مناصرة من أن يشارك الجيش في تسيير البلاد في إطار حل توافقي للأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر.
وتدعو بعض الشخصيات المعارضة والأحزاب إلى ضرورة تدخل الجيش لتطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع. يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها 45 يوما رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدّستور“.
وتقول المادة ذاتها أنه “وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة”.
ويعاني الرئيس بوتفليقة من متاعب صحية منذ النوبة الأفقارية التي تعرض لها في ربيع 2013، ما جعل ظهوره نادرا بعدها، وترى المعارضة أن رئيس البلاد أصبح غير قادر على ممارسة المهام المخولة له، لكن المولاة تنفي ذلك وتؤكد أن الرجل الأول في الدولة يسهر على التدقيق في كل كبيرة وصغيرة تخص تسيير شؤون البلاد.
وقال عبد المجيد مناصرة في لقاء مع وكالة الأنباء الأناضول إن الجزائر أمامها حلين للأزمة السياسية التي تعيشها الآن.
أكد الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي : سيظل الجيش الوطني الشعبي، مثلما أكدنا على ذلك مرارا وتكرارا، جيشا جمهوريا، ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظا للاستقلال
وقال مناصرة في مقابلة مع وكالة الأناصول إن “الأزمة السياسية” التي تعيشها البلاد منذ سنوات، لها حلان لا ثالث لهما، الأول توافقي يكون الجيش شريكاً فيه، والثاني إجراء انتخابات رئاسية حرة لحسم خيار الشعب. .
ويرفض مناصرة النداء الذي أطلقه وزير التجارة الأسبق نور الدين بوكروح وآخرون، والداعي إلى تدخل الجيش لإنهاء ما يصفونه “الشغور في منصب الرئاسة”.
وأكد مناصرة أن حركته ترى أن “دعوة الجيش للانقلاب، أو ما يشبه الانقلاب، مرفوضة تماماً، ولا يليق أن تصدر من شخص يؤمن بالديمقراطية، ولا يمكن أن نحسم مشاكلنا بالجيش ولا ندفعه للانحياز لأي طرف أو تيار”
الجيش يحدد موقفه
المحاولات المتكررة من قبل الطبقة السياسية لإقحام الجيش في نقاشاتها، دفعت بالمؤسسة العسكرية إلى إعلان موقفها من هذه القضية صراحة، فقد أكد الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الذي يشغل أيضا منصب نائب وزير الدفاع الوطني أن المؤسسة العسكرية ستلتزم بالمهام الدستورية الموكلة لها.
وقال قايد صالح في كلمة له يوم 23 أغسطس الماضي أمام أفراد الجيش بقسنطينة شرق البلاد “سيظل الجيش الوطني الشعبي، مثلما أكدنا على ذلك مرارا وتكرارا، جيشا جمهوريا، ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظا للاستقلال”
وأضاف ” جيشا لا يحيد أبدا عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال، وسيظل أيضا، بإذن الله وقوته، مثابرا على تطوير قدراته، مرابطا على الثغور، راعيا لمهامه ومعتنيا بمسؤولياته، ومقدرا لحجم واجبه الوطني وسيبقى رمزا جلي الدلالة من رموز حب الوطن”.
وأكد قايد صالح في اكثر من مرة أن مؤسسة الجيش تبقى دائما تعمل وفق ” توجيهات رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني”.