ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبح الشباب يقرأ أكثر من أي وقت مضى. ولكنهم لا يقرؤون الكتب، وإنما يتصفحون هواتفهم النقالة من خلال الولوج إلى بوابات القراءة الإلكترونية على غرار موقع واتباد وهوكد، بالإضافة إلى الولع بالقصص التي يتم تداولها عبر الدردشات، فضلا عن أنهم يكتبون القصص بأنفسهم.
تعيش الأمريكية جيني روزين، البالغة من العمر 29 سنة، حياة مزدوجة. ففي الصباح، جيني طالبة تدرس في مدرسة في فرانكفورت. أما في المساء، فهي كاتبة مشهورة يحتفي بها الجميع. في الواقع، يحب القراء روايات جيني ويتفاعلون مع كل فصل جديد في رواياتها بحماس شديد، ويتناقشون لفترات طويلة حول “أليكس”، بطلة الرواية، البالغة من العمر 17 سنة، ويتساءلون عن الأسباب التي دفعت بأليكس إلى فقد عذريتها مع ذلك الشاب المهووس بالجنس “إلياس”، صاحب التاريخ الإجرامي، والأعين الخضراء التي لا يقاومها أحد.
في الأثناء، تسأل روزين صديقتها وهم يفكرون في الفصل القادم من الرواية، “هل يجب أن تنهي علاقتها به؟”. في الحقيقة، تجلس الصديقتان في مقهى بشارع أوبرهولتس في برلين، أمامهما مفكرات وحواسب شخصية وهما محاطات بكل تلك “البوهيميا” الرقمية، بينما تفوح في المكان رائحة القهوة، بالإضافة إلى وجود شبكة واي فاي مجانية. ويبدو أن الصديقتان تعملان على مخططات مشروع أو تنجزان فروضهما المنزلية، أو تقومان بتطوير تطبيق ما. حملت سلسلة روايات روزين التي ساهمت في شهرتها العديد من العناوين على غرار “محتال، مخادع، مثير المتاعب”. وفي غضون ذلك، تمت إضافة حلقة أخرى في السلسلة. ولاحقا، قامت دار نشر “أشيت” بإصدار نسخ مسموعة من الروايات. والجدير بالذكر أن جيني نجحت في الانطلاق إلى سماء الكتابة دون قراءات أو محاضرات أو مكتبات.
أصبحت المراسم المعتادة في مجال صناعة الكتب مرهقة وتقليدية. أما في الوقت الحاضر، يفضل الكتّاب التواصل مباشرة مع قرائهم من خلال الهواتف النقالة، على موقع واتباد، إحدى منصات القراءة على شبكة الانترنت، والتي تضم أكثر من مليون قارئ في محيط المناطق الناطقة بالألمانية، وحوالي 60 مليون قارئ حول العالم. وعموما، لم يسمع العديد من الأشخاص ممن تجاوزت أعمارهم 30 سنة، موقع واتباد. بينما تعد هذه البوابة الكندية محورا هاما في الخيال الشعبي. فعلى هذه البوابة، هناك قرابة مليوني مؤلف يتنافسون في الكتابة من أجل نيل استحسان الجمهور. وكل دقيقة تظهر مادة جديدة تستغرق يوما كاملا لقراءتها. وتجدر الإشارة إلى أن قراءة هذه المواد يتم بنسبة 90 بالمائة على الهواتف النقالة. كما أن أغلبية هؤلاء القراء من الإناث، اللواتي لم تتجاوز أعمارهن 25 سنة ويقمن بالاشتراك في الموقع من أجل الحصول على متعة القراءة في المواضيع التي تثير اهتمامهن.
يقضي قراء موقع واتباد قرابة النصف ساعة في تصفح الموقع على هواتفهم في كل مرة يقومون فيها بالولوج إلى الموقع
يحصل الكتاب على القليل من الأموال من دخل تلك الإعلانات، وأحيانا لا يحصلون على شيء مطلقا
في المقابل، يأمل هؤلاء في أن تحقق كتابتهم نجاحا كبيرا على غرار الكاتبة الهاوية، آنّا تود من لوس أنجلوس والتي نالت روايتها الرومانسية على الهواتف المحمولة “لاحقا” (After) إعجاب الكثيرين. وبالفعل قامت دور نشر على غرار “سايمون وشوستر” أو “هاينه” بنشر حوالي خمسة ملايين نسخة مطبوعة من كتبها. وفي نفس الوقت، أعربت شركة “باراماونت بيكتشرز” للإنتاج السينمائي عن رغبتها في تحويل رواياتها إلى أفلام.
عموما، يقضي قراء موقع واتباد قرابة النصف ساعة في تصفح الموقع على هواتفهم في كل مرة يقومون فيها بالولوج إلى الموقع. في هذا الإطار، بلغت عدد الدقائق التي يقضيها القراء في الدول الناطقة بالألمانية على الموقع 135 مليون دقيقة في الشهر وهو ما يعادل قراءة نصف مليون كتاب. ومن المثير للدهشة، أن “أدب الهواتف النقالة” لا يظهر في إحصاءات سوق الكتاب. وفي نفس السياق، علق أنسغارفارنر من بوابة “إي-بوك-نيوز” على تلك الإحصاءات قائلا إن “واتباد يعتبر بمثابة الشبكة المظلمة للقراء”.
في المقابل، يفضل القراء التقليديون الكتب المطبوعة دائما، ويزعمون أن القراءة الرقمية سوف تتراجع نظرا لأن القراء الشباب كانوا يفضلون سماع صوت حفيف الأوراق أثناء تقليبهم للصفحات. ومن جانبه، تنبأ مدير جمعية البورصة لتجارة الكتب الألمانية، ألكساندر سكيبيس، قبل سنتين، أنه سيستمر في استخدام الكتب المطبوعة التقليدية خلال العشرين سنة القادمة على الأغلب. وأضاف سكيبيس قائلا: “قد تتغير الأمور في غضون تلك الفترة، ولكن سيكون التغيير أقل بكثير مما يتوقعه البعض هذه الأيام”. وفي الواقع، يتحدث سكيبيس كما لو كانت القراءة الرقمية عبارة عن حلم سيء.
في هذا الصدد، يقول ناشر “تقرير النشر الرقمي”، شتيفن ماير إنه “لا توجد صناعة أخرى لا نستطيع أن نقدر جحمها في السوق على غرار صناعة الكتب”. في الحقيقة، يبدو أن عالم المعرفة أعمى، فالإحصاءات التي يصدرها معهد بحوث السوق عن عادات القراءة غير دقيقة، لأنها تتجاهل الكتب الإلكترونية المجانية، وكذلك عروض المكتبات أو اشتراكات “كل ما تستطيع قراءته” على غرار كاندل أنليميتد وسكوب.
هاتف نقال بسلسلة روايات من واتباد
في البداية، لم يدرك مؤسس موقع واتباد، ألين لاو أن فكرته ستلقى قبولا
في الأثناء، نشأ لاو في مدينة هونغ كونغ، ثم انتقل إلى مدينة تورونتو الكندية ليعمل في مجال تطوير ألعاب الحاسوب. وفي وقت فراغه، قام لاو باختراق نظام هاتفه النوكيا، من أجل تحميل رواية “موبيديك”. وبعد ذلك، أنشأ موقعا إلكترونيا للكتب المجانية، وحينها كان دخل إعلانات الموقع شهريا يكفي لشراء كوب واحد من القهوة. وفي سنة 2007، أصيب لاو بخيبة أمل وأراد التخلي عن فكرته.
بعد ذلك، ظهرت شركة أبل في السوق حيث لقي تطبيق لاو استحسانا كبيرا ولكن دون المطلوب. فقد اتجه القراء إلى قصة مصاصي دماء بسيطة، وبدؤوا النقاش حولها ما دفع لاو إلى تعديل شكل منصته لتصبح موقعا للنقاش. وبعد فترة وجيزة، بلغ عدد مستخدمي الموقع خمسة ملايين مستخدم. وقد يتفاجأ المتشائمون حول انتشار الثقافة، ولكن وفقا لدراسة أجرتها أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة ستانفورد، أندريا لونسفورد على نطاق واسع، تبيّن أن الشباب يقرؤون في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى. في المقابل، اختلفت طريقتهم قراءتهم للكتب حيث أصبحوا يقرؤون من الشاشات أكثر من الكتب.
من جهة أخرى، نشرت آتوود الحائزة مؤخرا على جائزة السلام لاتحاد الكتاب الألماني بعض قصصها على موقع واتباد. وفي هذا السياق، تعتبر آتوود هذه المنصة أداة تمكين للأجيال القادمة من الكتاب والقراء. ومن المثير للدهشة للوهلة الأولى أن العديد من قصص الكتّاب الهواة حتى الآن أحدثت ضجة كبيرة، وغالبا ما تستخدم هذه القصص قوالب على غرار الفتاة التي فرت من الأشرار، تنفس الصعداء ثم نهاية سعيدة. وغالبا ما توصف النساء بالسلبية والضعف، والرجال بالقوة والنشاط، في الواقع هذا ما يتفق عليه جميع الكتّاب رجالا كانوا أو نساء، وهذا ما اكتشفه فريق من مهندسي الحاسوب في جامعة ستانفورد بعد تحليل قرابة 600 ألف قصة على موقع واتباد. وعموما، أثبتت تلك القصص أنها كنز دفين عندما يتعلق الأمر بإجراء أبحاث عن القراء باعتبار أنها تساعد على معرفة ما يدور في أذهان الجمهور.
في شأن ذي صلة، لا بد من التنويه بأن تعليقات القراء لا تقل أهمية عن الروايات نفسها. فعلى سبيل المثال، أثارت الأسطر الأولى من رواية جيني روزين عاصفة من التعليقات. فعندما ينطق إلياس “المتسلط” بكلمة خرقاء، تنهال عليه الشتائم. كما أن القراء من النساء يتبادلن الخبرات والمخاوف ونصائح القراءة. ومن جانبهم، تجد القارئات معجبات ببطلة القصة في تعليقاتهن، عندما نقرأ مثلا “أنا أحبك أيتها الفتاة، يجب أن نكون صديقتين مقربتين، وأن نذهب سويا إلى الجحيم، مع الاختلاف بين الواقع والخيال”.
حذت واتباد حذو هوكد، وبدأت بتفعيل تطبيقها الخاص “بالدردشة الأدب” على الأجهزة اللوحية
أغلب كتّاب واتباد يدرسون تلك التعليقات بدقة، وحينما يكتشف القراء مسار حدث معين يقوم الكاتب بتغيير القصة
في سياق آخر، يقول ألين لاو بحماسة إننا “ننتج كل يوم ملياري بيان ونستطيع التعرف جيدا على الملايين من التعليقات، ومعرفة أي جزء من الرواية يحصل على آلاف التعليقات، وأين سيلتقط القارئ الطعم وأين سيتركه”. وعلى الرغم من أن شركة واتباد تضم حتى الآن مائة ألف موظف، إلا أنه من المتوقع أن تتفوق عليها بعض المنصات الأخرى التي تقدم عروضا للقراءة على غرار تطبيق “هوكد” الذي استطاع تبديد القصص الرومانسية على الهاتف النقال، لتتكون فقط من حوارات دردشة. وبعد قراءة عدة أسطر، تظهر قائمة مفاجئة تطالبهم بدفع الأموال لقراءة المزيد.
في الأثناء، حذت واتباد حذو هوكد، وبدأت بتفعيل تطبيقها الخاص “بالدردشة الأدب” على الأجهزة اللوحية. وفي هذا السياق، لطالما ينشر ألين لاو قصائد شعر أو خيال علمي. وعلى الرغم من النجاح المتوسط حتى الآن، إلا أن القراء يقومون مرارا وتكرارا بتصحيح الأخطاء في لغته الإنجليزية. وفي سياق مغاير، يؤسس لاو فصلا جديدا في واتباد، حيث يريد أن يجعل الحاسوب بمثابة رواية. وعلى العموم، تعتمد خطته في ذلك على الذكاء الاصطناعي في بناء أحداث القصة. وفي هذا الصدد، صرح لاو أن التطبيق سيقدم نصائح للمؤلفين، وستكون آلية عمله شبيهة بتطبيقات التصحيح الإملائي. لكن لن يرشد هذا التطبيق الكاتب إلى مكان الفواصل الصحيحة أو لأخطاء الرقن، وإنما سيساعده على كتابة أحداث أفضل وذلك حتى يطلق الكاتب العنان لخياله وفقا لأفضل اقتراح في الأحداث. وبذلك، سيحصل كل قارئ على إصداره الخاص من القصة، وفقا لمخيلته. وفي هذا الشأن، أردف لاو قائلا إنه “سيتعين على الكاتب في المستقبل اختيار الإطار الأساسي للقصة، ثم سيقوم نظام البرنامج بوضع آلاف الاقتراحات من الأحداث، بأسماء وأماكن ومشاهد مختلفة”.
بالفعل شيء رائع، أن يقوم كتّاب آليون بتأليف القصص، ولكن يبدو أن ما يقوله ألين لاو عن الراوي الآلي في حد ذاته خيال علمي.
المصدر: صحيفة دير شبيغل