ترغب المفوضية الأوروبية في فرض ضرائب على الشركات الرقمية على غرار جوجل وفيسبوك بصفة عادلة. ولئن يعتبر هذا الأمر جيدا، إلا أنه لا يخلو من عواقب غير متوقعة. يعد مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية بالاتحاد الأوروبي، بيير موسكوفيتشي، في بروكسيل رجل التسويات والتسامح. وتعلق الدول، التي تنتهك القواعد المالية للاتحاد وخاصة فرنسا وإيطاليا، آمالها على تسامح هذا الرجل.
في الوقت الراهن، ظهر موسكوفيتشي أمام العالم بوجه آخر، حيث يعمل هذا الرجل ذو اللحية المشذبة على الاتصال بالشركات الرقمية النشيطة التي يشتبه في أنها تزود مصالح الضرائب في كل دول العالم بمعطيات مغلوطة بشأن أرباحها. على هذا الأساس، يبدو أن موسكوفيتشي يريد أن يتصدى للتجاوزات التي ترتكبها هذه الشركات الرقمية، مع العلم وأن ممارسات الشركات الرقمية لا تثير قلق البيروقراطيون الأوروبيون فحسب. ففي مطلع الأسبوع المقبل، سيحتل موضوع فرض ضرائب على الشركات الرقمية صدارة جدول أعمال اجتماع وزراء المالية في دول مجموعة العشرين في بوينس آيرس، أي مجموعة أكبر الدول الصناعية والناشئة.
خلال العديد من المناسبات، لفت عمالقة الإنترنت على غرار شركة فيسبوك الأنظار من خلال تهربهم الضريبي. ففي سنة 2016، بلغت نسبة العبء الضريبي لفيسبوك في المملكة المتحدة أكثر من 4 بالمائة، علما وأن معدل الضريبة العادي يقع في حدود 20 بالمائة. خلال السنوات الأخيرة، نجحت شركة جوجل، بصفة منتظمة، في تخفيض نسبة عبئها الضريبي إلى حدود النصف مقارنة بمعدل الضريبة العادي في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعتبر شركة “آبل” رائدة في مجال التهرب الضريبي. ووفقا لتقديرات المفوضية الأوروبية، حققت هذه الشركة في سنة 2011 في أوروبا أرباحا قدرت بنحو 16 مليار يورو. وبفضل مساعدة مصلحة الضرائب الأيرلندية وبرنامج توفير الضرائب، تمكنت هذه الشركة من إخفاء أرباحها في إحدى الجنات الضريبية. تبعا لذلك، انخفض عبؤها الضريبي إلى حدود النصف، ما دفع المفوضية الأوروبية إلى أن تطالب هذه المؤسسة بدفع ضرائب إضافية تقدر بالمليارات.
لا تجرؤ شركات الإنترنت متعددة الجنسيات على تحويل أموالها إلى دول مشهورة بالتهرب الضريبي فحسب، بل تستفيد أيضا من خصوصية نشاطها. ففي الغالب، لا تستطيع مصالح الضرائب الاطلاع على أرباحها نظرا لأن أغلب معاملاتها تحدث في الفضاء الافتراضي. في الأثناء، تؤرق شركات أمازون وجوجل وفيسبوك السلطات في جميع أنحاء العالم. ففي السابق، كانت هذه الشركات تعمل ضمن قاعدة بسيطة، ألا وهي في مكان الإنتاج، تتراكم الأرباح والضرائب. في هذا الإطار، لسائل أن يسأل، أن يقع مقر منصة إنترنت مثل فيسبوك؟ وأين يمكن العثور على صور الإنستغرام؟
تضع التكنولوجيا الحديثة والعروض الجديدة السياسيين ومحامي الضرائب ومصالح الضرائب أمام تحديات غير معهودة. في هذا السياق، يملك متجر آبل آي تيونز الإلكتروني عددا صغيرا من الفروع. وتحتوي فروع متاجر آبل آي تيونز على صناديق بريد يمكن أن يضع فيها موظفو المالية الاعلامات الضريبية. عموما، لا يريد السياسيون الاعتراف بأنه لا يمكنهم الاطلاع على بيانات شركات الإنترنت العملاقة. لهذا السبب، تعمل المفوضية الأوروبية بشكل خاص على السيطرة على الظواهر الجديدة بموجب قانون الضرائب. في المقابل، يحمل هذا المشروع في طياته جملة من المخاطر والآثار الجانبية.
من جهتهم، ينصب اهتمام البيروقراطيين الأوروبيين في بروكسل على الشركات الأمريكية بصفة خاصة. وفي ظل احتمال اندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، يمكن أن يعتبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المخططات الأوروبية بمثابة خطوة عدائية. ولكن، لن تقف هذه العقبات في وجه موسكوفيتشي ولن تحول دون مواصلته لبرنامجه. ففي يوم الأربعاء، أصدر هذا المسؤول الأوروبي وثيقة تحت عنوان “ضرائب الأنشطة الرقمية في السوق الداخلية”. خلال حملتهم، قام خبراء الاتحاد الأوروبي ببعض عمليات الحجز. هنا، يجب علينا طرح السؤال التالي: على أي أساس يحق للأوروبيين الحصول على عائدات ضريبية من شركات تقع في الخارج وتخضع للضرائب هناك؟
رابط الصورة:
https://cdn4.spiegel.de/images/
وصف الصورة: متجر آبل في سيدني
على عكس الاقتصاد التقليدي، يعتبر مستخدمو الإنترنت جزءا من الإنتاج، لأنه بمجرد وضع بياناتهم على شبكة الإنترنت يعطي ذلك فرصة للشركات لتحسين إنتاجها من خلال بتعديل إعلاناتها وفقا لهذه البيانات. وبمجرد الاشتراك، يقوم المزود بتحسين جودة خدماته. وكلما زاد عدد المستخدمين على موقعي فيسبوك وتويتر، أصبحت هذه المواقع جذابة أكثر بالنسبة للأفراد. من هذا المنطلق، أكدت المفوضية الأوروبية أن العملاء الأوروبيين يساهمون بشكل مباشر في القيمة المضافة للشركات. وعلى هذا الأساس، يحق لدول الاتحاد الأوروبي أن تفرض ضرائب على أرباح هذه الشركات.
من أجل تحقيق ذلك، يتبع خبراء المفوضية الأوروبية نهجا مزدوجا. فعلى المدى الطويل، يرغب هؤلاء الخبراء في دفع الدول الأعضاء إلى إجبار شركات الإنترنت على إنشاء مؤسسة افتراضية. في هذا السياق، أوردت مسودة مشروع الاتحاد الأوروبي أن “إنشاء مؤسسة افتراضية من شأنه أن يساعد على تقسيم الأرباح، الذي يتم بموجبه فرض ضرائب”.
في الواقع، لا يريد الاتحاد الأوروبي اتخاذ هذا الإجراء بشكل أحادي. ففي حال لم تكن بلدان المنشأ على غرار الولايات المتحدة الأمريكية طرفا في اتخاذ هذه الخطوة، فقد يترتب عن ذلك ازدواج ضريبي مخالف للاتفاقيات الدولية. لهذا السبب، قرر خبراء المفوضية الأوروبية اتباع نهج قصير الأمد، معروفا في نطاق الاتحاد “بالإصلاحات السريعة”. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذه الإصلاحات تم اتخاذها بشكل أحادي وسريع.
على ضوء هذه المعطيات، سيتم فرض معدل ضريبي موحد في جميع دول الاتحاد الأوروبي على الإيرادات المتأتية من اشتراكات المستخدمين الأوروبيين. ووفقا لمشروع الاتحاد الأوروبي، يتراوح معدل الضريبة بين 1و5 بالمائة. عموما، تعد هذه الضريبة الجديدة بمثابة ضريبة استهلاك على العروض الرقمية. من جانبهم، لا يخفي البيروقراطيون الأوروبيون مساعيهم حين يصبون اهتمامهم على فرض عقوبات على الشركات الأمريكية الرقمية على غرار فيسبوك وجوجل وتويتر وإنستغرام، بالإضافة إلى بعض المنصات مثل إير بي إن بي وأوبر.
حذر المجلس الاستشاري لوزارة المالية الاتحادية من تبعات هذا الأمر. ويتكون هذا المجلس من مجموعة من الخبراء الماليين المعتمدين لدى العديد من الجامعات ومعاهد البحوث. ويخشى معظم الخبراء ضمن هذا المجلس من أن تكون خطط الاتحاد الأوروبي مجرد إجراء وقائي في المقام الأول. وقد أشار الباحثون إلى أن المنهج الذي تتبعه المفوضية الأوروبية سيؤدى إلى فرض ضريبة إضافية على ست شركات أمريكي. وبالتالي، ستكون الأضرار المترتبة عن هذه التدابير أكثر من منافعها.
أخيرا وليس آخرا، يقوض هذا الأمر الجهود الأوروبية الرامية إلى الحد من الضرائب في أي مكان ترتفع فيه نسبتها بشكل كبير. وبذلك، يدعم الاتحاد الأوروبي البلدان التي لطالما طالبت بأن تكون قيمة الضرائب المفروضة عليها متوافقة مع قيمة منتجاتها السوقية، والتي تعد حتى الآن البلدان الأكثر تصديرا لمنتجاتها. فعلى سبيل المثال، تأبى حكومة كل من الصين والهند الاعتراف بأنها لا تستفيد بأي شكل من الأشكال من الضرائب، التي تفرضها على أرباح شركات دايملر وبي إم دبليو وفولكس فاغن، على الرغم من أنها تستطيع الاستفادة من ذلك، بسبب السوق الضخم لهذه الشركات.
والجدير بالذكر أن شركات السيارات الألمانية لا تبيع سوى 20 بالمائة من منتجاتها داخل البلاد، وتقوم بتصدير الباقي، في حين تفرض ألمانيا ضريبة على هذه الأرباح. في المقابل، ستصبح هذه النسبة في خطر في حال طالبت الدول، التي تستورد سلعا تقليدية، بمساواتها مع الدول الأوروبية، التي تعتمد على اقتصاد الإنترنت. وبالتالي، من شأن الإعلان عن ضريبة رقمية أن يضع حدا للضرائب التقليدية. في حال تحقق ذلك، ستضطر مصلحة الضرائب الألمانية إلى دفع الضرائب بدلا من جمعها.
من جهتها، تحقق شركة جوجل إيرادات في ألمانيا تناهز 7 مليار يورو من الإعلانات على شبكة الإنترنت. في حال كانت هذه الإيرادات مثقلة بالضريبة الإضافية، التي يخطط لها الاتحاد الأوروبي والتي تقدر بنحو 3 بالمائة، فستنتعش ميزانية الدولة الألمانية بمبلغ يقدر بقرابة 210 مليون يورو. على سبيل المقارنة، دفعت شركة دايملر في سنة 2017 ضرائب بقيمة 2 مليار يورو لفائدة مصالح الضرائب الألمانية. وقد صرح رئيس مصلحة الضرائب لدى شركة دويتشه تيليكوم، كريستيان دورنكامب، متحدثا عن شركة جوجل، أنه “حتى في حال تحديد حصص الأرباح المنسوبة إلى ألمانيا، لن تجني الكثير من الأرباح”. وقد جاء هذا التصريح في إطار ندوة داخلية لوزارة المالية الاتحادية حول الضرائب.
خلال السنة الماضية، حققت شركة جوجل أرباحا تفوق 20 مليار يورو. في الأثناء، كان نصيب ألمانيا من هذه الأرباح في حدود حوالي مليار يورو، أي ما يعادل 5 بالمائة من الأرباح الإجمالية. ووفقا لتقديرات الخبراء، ساهم العملاء الألمان في 20 بالمائة من القيمة المضافة. في الوقت نفسه، ستدفع شركة جوجل ضريبة على الأرباح بقيمة 200 مليون يورو لفائدة ألمانيا، أي بمعدل ضريبة يقدر بحوالي 30 بالمائة.
في هذه الحالة، ستنتعش مصالح الضرائب الألمانية بإيرادات بقيمة 60 مليار يورو. في هذا السياق، أفاد دورنكامب أن “عائدات الضرائب، التي حققتها ألمانيا والتي تقدر بحوالي 150 مليار يورو، تعد متواضعة”. من جانب آخر، ستشكل الضريبة على العائدات الإجمالية خطرا على صناعة الإنترنت المحلية. في الوقت الحالي، هناك العديد من الشركات في المنطقة الحمراء، التي ستضطر لدفع الضريبية الجديدة بغض النظر عن أرباحها.
أفاد مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأن الضرائب الجديدة يمكن أن تلحق أضرارا بالشركات ذات الهوامش المنخفضة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، يمكن أن يشكل معدل ضريبة بنسبة 5 بالمائة عبئا ضريبيا بنسبة 10 بالمائة على شركة ذات هامش ربحي في حدود 50 بالمائة. وفي حال بلغ العائد 5 بالمائة، يمكن أن يصل العبء الضريبي إلى حدود 100 بالمائة. في الأثناء، يراقب الخبراء المخططات الأوروبية بشيء من الريبة. وقد اعتادت الحكومة الألمانية على فرض رسوم ضريبية على المواد الضارة على غرار التبغ والكحول أو الوقود الأحفوري. في هذه الحالة لسائل أن يسأل: ما مضار العروض الرقمية؟
في هذا السياق، أورد مدير معهد ماكس بلانك لقانون الضريبة والمالية العامة، فولفغانغ شون، أنه “يجب علينا أن نخشى من أن تشمل الضريبة على الخدمات الرقمية شركات ناشئة ومبتكرة. في هذه الحالة، ستتأثر المنافسة بين الاقتصاد التقليدي والحديث“.وتابع شون أنه “ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يحذر من الأزمات المؤقتة، التي من شأنها أن تؤثر على النظام على المدى الطويل”. ومن غير المؤكد أن الضريبة الجديدة ستشمل الشركات بصفة فعلية. فمن المحتمل أن تفرض شركات على غرار جوجل وفيسبوك وسبوتيفاي ضرائب على عملائها أو المعلنين على مواقعها.
على الرغم من هذه التحفظات، إلا أن المخططات الأوروبية لاقت استحسان وزارة المالية الاتحادية الألمانية، التي ترى أن شركات الإنترنت متعددة الجنسيات تتهرب من دفع الضرائب. في المقابل، لا يزال موقف وزير المالية الألماني الجديد، أولاف شولتس بشأن شركات الإنترنت متعددة الجنسيات، غير واضح.
في ظل الاصلاح الضريبي الأمريكي، تغيرت مخططات بروكسيل بشكل جذري، حيث يبدو أن قانون ضرائب الشركات الأمريكي الجديد قادر على المنافسة على المستوى الدولي. في الماضي، ظلت الشركات الأمريكية القوية بعيدة عن أعين مصالح الضرائب الأمريكية. على هذا الأساس، عملت العديد من الشركات على تهريب أرباحها المقدرة بمئات الملايين من الدولارات إلى الملاذات الضريبية. في الوقت الحالي، يمكن إعادة هذه الأموال بفضل التعريفات المنخفضة وقوانين العفو. في هذا السياق، أعلنت شركة آبل أنها ستدفع ضرائب تكميلية بقيمة 250 مليون يورو، ومن المنتظر أن تنسج شركات أخرى على منوالها.
يمكن أن يكشف الإصلاح الضريبي الأمريكي الجذري أن الشركات متعددة الجنسية الأمريكية لن تواجه الكثير من المشاكل في المستقبل جراء استراتيجية التهرب الضريبي، بل ستصرح بأرباحها لدى مصالح الضرائب الأمريكية وتدفع ضرائبها. ولكن ذلك سيجعل المخطط الأوروبي من دون جدوى طالما ستلتزم الشركات الأمريكية بواجبها الضريبي في الأراضي الأمريكية تماما مثل الشركات الألمانية أو الفرنسية.
رابط الصورة:
https://cdn2.spiegel.de/images/
وصف الصورة: وزير المالية الألماني، أولاف شولتس
سيبادر وزير المالية الألماني، أولاف شولتس، بالعمل وفقا للمخطط الأوروبي. وفي ظل التطورات الجديدة، يمكن للوافد الجديد على وزارة المالية أن يتولى زمام المبادرة. ومن المثير للاهتمام أنه لا يمكن تطبيق المخطط الأوروبي في حال فقد دعم أقوى دولة على الصعيد الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي.