ترجمة وتحرير: نون بوست
هل كان نظام العقوبات المسلطة على إيران، الذي جاء قبل الاتفاق النووي الإيراني، يعزز قوة الحرس الثوري الإسلامي، أحد أبرز عناصر النظام الإيراني؟ مؤخرا، حاول الصحفي توماس إردبرينك من خلال مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، تسليط الضوء على الآثار المترتبة عن فرض المزيد من العقوبات على إيران. ومن خلال عرقلة عمل القطاع الخاص، عززت العقوبات الأمريكية الإيرانية نسبيا قوة الحرس الثوري الإيراني داخل إيران.
في ذلك المقال، تطرق الصحفي إلى الأدلة التي تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني تمكن من ترسيخ مكانة متميزة، لأنه كان الكيان الأكثر قدرة على التهرب من العقوبات، من خلال تطوير شراكة مع شركات “خاصة” وهمية. وبعد أن رفعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي معظم العقوبات، يفترض إردبرينك أن حكومة الرئيس حسن روحاني تعمل على استئصال جذور الفساد في البلاد، ووضع قيود على نفوذ الحرس الثوري الإسلامي.
إلى جانب ذلك، يرى إردبرينك أن “مسألة رفض الرئيس ترامب، خلال الأسبوع الماضي، إعادة المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني، وإمكانية فرض عقوبات جديدة، يمكن أن تكون موضع ترحيب بالنسبة للحرس الثوري، حيث سيجعلهم ذلك يستعيدون دورا مركزيا في الاقتصاد”.
ومع ذلك، حتى لو كان تحليل الآثار المترتبة على العقوبات المفروضة على إيران يكشف أنها تعزز من قوة الحرس الثوري الإيراني، فإن ذلك لا يعني أن نظام العقوبات كان نموذجا سيئا. لذلك، يجب على الكونغرس والرئيس أن يتجنبا في المستقبل فرض عقوبات جديدة بهدف تغيير سلوك بعض الجهات الفاعلة السيئة، إما داخل إيران أو خارجها. في المقابل، يشير ذلك إلى أن هناك دروسا مهمة يجب أن يتعظ منها كل من الكونغرس والرئيس الأمريكي.
تعتبر الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني إحدى أكثر القوى المهددة للاستقرار في الشرق الأوسط
من وجهة نظر الولايات المتحدة، يبقى نظام العقوبات الناجح السرد الذي يسبق المفاوضات حول الاتفاق النووي. في الواقع، عزلت العقوبات الدولية الشاملة الاقتصاد الإيراني إلى درجة أنه لم يكن أمام طهران خيار سوى الجلوس على طاولة المفاوضات.
أما من وجهة نظر إيران، لم تلعب العقوبات دورا حقيقيا في قرارها بالتوصل إلى صفقة. في حين أن فقدان إيران 160 مليار دولار من عائدات النفط، وتجميد ما يربو عن 100 مليار دولار من أصولها، وتراجع الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 15 و20 بالمائة ساهم بالتأكيد في ارتفاع ثقة المسؤولين الأمريكيين في نجاعة نظام العقوبات، الذي ساهم في جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات.
في هذا السياق، وبغض النظر عما إذا كانت الصفقة النهائية تخدم مصالح الولايات المتحدة، فإن التركيز عند هذه النقطة يجب أن يكون على مدى نجاح نظام العقوبات في العمل على النحو المنشود. حيال هذا الشأن، قال وزير الخزانة الأمريكي السابق، جاكوب ليو، “هذا هو بالضبط ما حدث”. بطبيعة الحال، كان جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات سيمثل نجاحا للولايات المتحدة إذا كانت الآثار الجانبية السلبية للاتفاق النووي لا تعادل قيمة الإنجاز الرئيسي في حد ذاته.
في الواقع، تعتبر الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني إحدى أكثر القوى المهددة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن التعزيز من حجم قوته سيشكك في نجاح نظام العقوبات. ومن خلال القيام بنظرة ثاقبة على جهود الحرس الثوري في الخارج، نكتشف أن الحرس الثوري استمر إلى حد كبير في ممارسة نشاطه الطبيعي خلال فترة العقوبات، فضلا عن سعيه إلى تحقيق أهداف إيران القديمة. وفي الوقت ذاته، لم تعد التغيرات الهيكلية في الاقتصاد الإيراني الهادفة إلى جعله مقاوما للضغوط الخارجية مجدية.
خلال فترة العقوبات لم يرفّع روحاني من حجم ميزانية الحرس الثوري بنسبة 145 بالمائة فقط، بل ضخ أيضا النقد إلى إيران بعد إبرام خطة العمل المشتركة الشاملة
في شأن ذي صلة، من المؤكد أن الأخبار في السنوات الأخيرة كانت مليئة بالعناوين الرئيسية حول مشاركة الحرس الثوري الإيراني في الحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، انطلاقا من الدعم المادي والعسكري الذي يقدمه لنظام الأسد الظالم في سوريا، وصولا إلى دعم حماس في غزة. ولكن، لم يكن دعم الحرس الثوري الإيراني مختلفا عما كان قبل فرض العقوبات الدولية على إيران.
خلال سنة 1984، اعتبرت الولايات المتحدة إيران أول دولة راعية للإرهاب. وعلى إثر ذلك، قامت إيران بإعادة تسليح حزب الله منذ الصراع الذي نشب بين إسرائيل وحزب الله سنة 2006، فضلا عن دعم التمرد الشيعي الذي استهدف القوات الأمريكية خلال حرب العراق، وسماحها لتنظيم القاعدةّ بنقل “الأموال والمقاتلين” عبر إيران منذ سنة 2009.
في سياق متصل، أفادت العديد من التقارير أن إيران وسّعت من حجم مشاركتها في حروب الوكالة، بينما كان نظام العقوبات قائما. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى استمرار القتال في العراق والدعم الإيراني لحكومة الأسد في سوريا. وعموما، كان سلوك إيران متوقعا نسبيا؛ فخلال فترة العقوبات لم يرفّع روحاني من حجم ميزانية الحرس الثوري بنسبة 145 بالمائة فقط، بل ضخ أيضا النقد إلى إيران بعد إبرام خطة العمل المشتركة الشاملة.
مما لا شك فيه، لا توضح ميزانية الحرس الثوري الحقائق الكامنة وراء قوتها النسبية قبل وبعد العقوبات، ولكنها تشير إلى أنه كان مقيدا أثناء فترة العقوبات، كما كان يأمل صناع القرار. ومع اقتراب فرض المزيد من العقوبات على إيران، اعترفت السلطات الإيرانية بالحاجة إلى خطة اقتصادية مختلفة، على الرغم من أنهم لم يتفقوا بعد على طبيعة الخطة الجديدة.
دعم آية الله علي خامنئي للحد من نفوذ الحرس الثوري الإيراني كان ضئيلا، فمن المتوقع أن يظل الحرس الثوري لاعبا رئيسيا في الاقتصاد الإيراني
خلال سنة 2013، كان انتخاب روحاني بمثابة رفض نسبي للعزلة المفروضة على إيران، ومثل عهدا جديدا لتغيير مستقبلها، بما في ذلك الاقتصادي. في تلك الأثناء، دعا آية الله علي خامنئي، خلال شهر شباط/ فبراير من سنة 2014، إلى إنشاء “اقتصاد مقاوم” من شأنه أن يواجه العزلة المفروضة على الأمة وتقلبات السوق، والأهم من ذلك، الحد تأثير العقوبات. وبموجب هذه الخطة، ساهمت زيادة إنتاج النفط، ونمو الاقتصاد، والإصلاح المالي، فضلا عن تحقيق استقلال اقتصادي أكبر في مساعدة إيران على تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلي عن الاعتماد على الغرب.
من جانب آخر، فتحت خطة العمل الشاملة المشتركة التي أبرمت سنة 2015 باب النقاش حول الهيكل المستقبلي للاقتصاد الإيراني، وجعلته في طليعة أهداف المؤسسة السياسية في البلاد. فضلا عن ذلك، تمثل التحركات النشطة التي قام بها روحاني لتقييد نفوذ الحرس الثوري الإسلامي محاولة نسبية لجعل الاقتصاد الإيراني أكثر استساغة للاستثمار.
في المقابل، وبما أن دعم آية الله علي خامنئي للحد من نفوذ الحرس الثوري الإيراني كان ضئيلا، فمن المتوقع أن يظل الحرس الثوري لاعبا رئيسيا في الاقتصاد الإيراني. علاوة على ذلك، يأمل كل من الزعيمين الإيرانيين أن يبلغ اقتصاد البلاد مرحلة الاكتفاء الذاتي، ولكن يملك كلاهما أهدافا مختلفة تتعلق بدرجة رغبة إيران في العودة إلى النظام الدولي. ويؤكد الخلاف حول هذه الأهداف النهائية أن إعادة الهيكلة الاقتصادية المعلن عنها أبعد ما يكون عن التحقق، وأن الاقتصاد الإيراني غير قادر على مواجهة العقوبات.
من ناحية أخرى، يعد وضع مجموعة من العقوبات الناجحة والفعالة أمرًا صعبًا بطبيعته. لذلك، يتعين على صناع السياسات التفكير بجدية في الآثار الجانبية لأي نظام عقوبات تضعه. كما ينبغي أن تكون العقوبات المفروضة على إيران بمثابة خطة عمل لكيفية تطوير العقوبات الأولية والثانوية، من أجل تحقيق هدف معين.
ومع ذلك، يمكن أن تكون العقوبات المفروضة على إيران بمثابة دراسة حالة عن كيفية تفادي العقوبات، وكيف يمكن أن تستفيد الجهات الفاعلة السيئة منها؟ وكيف يمكن للدول المعادية أن تحاول، بنجاح أم لا، أن تكون مكتفية ذاتيا؟ وفي نهاية المطاف، سيعتمد تبرير أوجه قصور أي نظام عقوبات على مدى أهمية التهديد الذي ينبغي التصدي له، وما إذا كانت لدى الولايات المتحدة آليات أخرى يمكن أن تخفف من حدة العواقب السلبية الناجمة عنه.
المصدر: فورين بوليسي