تدرك هذا الأحد حملة الانتخابات المحلية في الجزائر المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني أسبوعها الثاني، على أمل أن يستطيع المترشحون جذب أكبر عدد من المواطنين لتجمعاتهم، ومحو صورة الأيام السبع الأولى التي كشفت عن حملة انتخابية باهتة ابتعدت عن انشغالات المواطنين وركز بعض قادة الأحزاب فيها على تبادل الاتهامات بينهم وتسفيه بعضهم البعض.
وعلى عكس الانتخابات السابقة التي كان فيها الحضور المحتشم للجمهور مقتصرًا على تجمعات الأحزاب التي توصف بالصغيرة وقليلة الانتشار، فإن الحملة الانتخابية كشفت أنه حتى الأحزاب التقليدية والتي يتشدق قياديوها في كل مرة بعدد المنخرطين عجزت هي الأخرى في بعض المرات عن ملء القاعات التي تنظم فيها تجمعاتها الشعبية.
شاهد من أهلها
لا يتحرج الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم “حمس” (حزب إسلامي) أبو جرة سلطاني في الاعتراف بالمقاطعة اللافتة للجزائريين للحملة الانتخابية الحالية بسبب نضوج فهمهم لخطب السياسيين الذين يبدون أنهم لم يستطيعوا التفطن بعد أنهم مطالبون بتجديد خطابهم السياسي.
وقال أبو جرة سلطاني في تقرير ميداني نشره على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “على الصعيد السياسي تحضر الشعب الجزائري كثيرًا، وصار صدره أوسع من البضاعة التي يروج لها منشطو الحملة، ونظرته أبعد من حدود البلدية والولاية، وصار فهمه أعمق من خطب الساسة ومن الدعاية الانتخابية ومن برامج الأحزاب المتنافسة”.
وأضاف “في الأسبوع الأول من الحملة زرت ست ولايات، وتجولت في شوارع كثير من المدن والبلديات وتحدثت إلى مختلف فئات المواطنين في المقاهي وفي الأماكن العمومية، وتناولت الطعام مع بعض وجهاء القوم وأعيانهم، وقد استخلصت نتيجتيْن هما خلاصة الرسالة التي يصر المواطنون على إرسالها إلى صناع القرار وينتظرون الإجابة عنها في الميدان كشرط عملي للانخراط في المسار الديمقراطي والمشاركة في العملية الانتخابية ومعالجة ظاهرة العزوف التي تحولت إلى أداة وطنية للمقاومة السلبية لواقع يعيد إنتاج نفسه بطريقة الاستنساخ الانتخابي، وهي ضعف اهتمام المواطنين بالمحليات واتساع دائرة التوجس من المستقبل”.
حذر الوزير الأول أحمد أويحيى الذي يتولى الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي من أي محاولة للانقلاب على بوتفليقة، مع العلم أن أويحيى فضل عدم القيام بالحملة الانتخابية إلا في عطلة نهاية الأسبوع بسبب التزاماته في الوزارة الأولى
الموالاة تختبئ وراء بوتفليقة ورئاسيات 2019
لم تستطع أحزاب الموالاة سواء الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي وحتى البقية كتجمع أمل الجزائر أو الحركة الشعبية أو التحالف الجمهوري الخروج من خطابها المعتاد، وبقت تركز فيه على أن برنامجها الذي ستقدمه للمواطن مستمد من برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ستنتهي عهدته الحالية في 2019، وهو ما يطرح تساؤلاً لدى المواطنين مفاده أنه كيف لمترشحين لولاية انتخابية تمتد خمس سنوات أن يبنوا البرنامج الذي سيقدم للمواطن على برنامج على وشك نهايته، ومخطط عمله تنتهي آجاله بعد عام وبضعة أشهر.
وانصبت خطابات أحزاب الموالاة حول “المشاريع الضخمة” و”المكاسب” التي حققتها البلاد خلال حكم الرئيس بوتفليقة، محذرة من أي محاولة تشكك في “إنجازاته العظيمة”، خاصة أن نداءات تطبيق المادة 102 المطالبة بعزل بوتفليقة بسبب وضعه الصحي لا تكاد تخمد حتى تظهر من جديد من المعارضة أو من شخصيات كانت إلى وقت قريب من رجالات النظام الحالي.
وحذر الوزير الأول أحمد أويحيى الذي يتولى الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي من أي محاولة للانقلاب على بوتفليقة، مع العلم أن أويحيى فضل عدم القيام بالحملة الانتخابية إلا في عطلة نهاية الأسبوع بسبب التزاماته في الوزارة الأولى.
وقال أويحيى في أول تجمع انتخابي له: “نعمة الأمن والسلام التي تنعم بها البلاد من فضل بوتفليقة دون سواه”.
وشدد الرجل الذي لا يستطيع في كثير من المرات الفصل بين منصبه الحزبي والحكومي على أن “عهد الانتقالات والانقلابات العسكرية قد ولى، ومن يريد السلطة عليه بالتوجه للشعب والصندوق”.
بدوره، لا يمل الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس من القول في كل خطاباته إن ما حققته الجزائر طيلة السنوات الماضية في عهد الرئيس بوتفليقة يعود الفضل فيه إلى هذا الأخير الذي جنب الجزائر مزيدًا من الأزمات الاقتصادية بفعل تهاوي أسعار النفط.
أما أبو جرة سلطاني فيرى أن هذا الوضع دفع إلى “انصراف المواطن إلى العمل اليومي وتطلع الرأي العام إلى رئاسيات 2019”.
وقال: “غرابيل الرأي العام لا ترى في هذه الاستحقاقات المحلية جديدًا في الوجوه ولا في الخطاب ولا في البرامج، بل هناك إصرار على تكريس رداءة الاستقطاب الثنائي الذي لا يريد تهيئة الأجواء التنافسية للتداول الديمقراطي على إدارة الشأن المحلي والسعي لتكريس سياسة تدوير هذا الواقع على الحواشي لضمان تموقع مريح لاستحقاقات الرئاسة المنتظرة، التي يزعم حزبا السلطة أنهما على علم بما تحت “غطاء البئر”، لكن العارفين بالخفايا يقولون: دعوا المحليات تجري في أجواء هادئة بخطاب محلي يهتم بهموم المواطن الصغيرة أما ما بعدها فاتركوا شأنه للأوزان الثقيلة ولا تشغلوا أنفسكم بما يقوله الصغار، فالكبار لم يقولوا كلمتهم بعد”، على حد تعبيره.
شكلت الحملة الانتخابية مناسبة جديدة للصرع بين حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي
تنابز وتبادل للاتهامات
في ظل غياب الخطاب السياسي الجاد وافتقار أغلبية الأحزاب إلى برامج حقيقية تعرض على المواطنين، لجأت مختلف التشكيلات إلى تبادل الاتهامات فيما بينها والتي وصلت مستوى كلام الشارع في بعض الحالات.
وكعادته، عاود أحمد أويحيى انتقاد المعارضة بسبب وقوفها ضد قانون القرض والنقد الجديد الذي سيسمح للحكومة طبع المزيد من الأوراق النقدية، بهدف تغطية النفقات وتمويل المشاريع جراء تراجع مداخيل البلاد بعد تهاوي أسعار النفط الذي تبقى عائداته أساس الاقتصاد الجزائري.
وشكلت الحملة الانتخابية مناسبة جديدة للصراع بين حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فقد أعلن جمال ولد عباس أن الرئيس المقبل للجزائر سيكون أيضًا من الحزب الحاكم في حال لم يترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة في محاولة منه لقطع الطريق على أحمد أويحيى الذي يبدو أن عودته إلى الوزارة الأولى ستكون فرصة من ذهب سيستغلها لإعادة بعث طموحاته في الترشح لرئاسة البلاد.
ويأمل أويحيى في تحقيق حزبه مقاعد جديدة في الانتخابات المحلية ومواصلة الصعود الذي حققه في تشريعيات مايو الماضي، مقابل تراجع جبهة التحرير الوطني.
ورفض أويحيى مصطلح الزعامة التي يحاول ولد عباس إطلاقها على حزبه بالقول: “يدعي الزعامة لكنه لم يتمكن من الترشح في 50 بلدية من أصل 1541”.
كما أثار الخطاب الشعبوي لولد عباس، المعارضة وفي مقدمتهم رئيس حركة مجتمع السلم عبد المجيد مناصرة الذي وصف كلام أمين عام الحزب الحاكم بالفارغ حينما ادعى دراسته في الجامعة ذاتها التي درست فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وقال مناصرة في أثناء تجمع شعبي لحزبه بقسنطينة شرق البلاد: “اليوم للأسف الشديد بعض الإدارات والولاة أصبحوا محافظين يشطبون ويسقطون ويمولوا ويملؤون الصناديق كما يشاءون، وبعض رؤساء الدوائر تحولوا إلى رؤساء قسمات (القسمة أحد الهياكل التنظيمية للحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني)، هذا كله يدفع إلى اليأس حتى بعضهم قال إن الرئيس القادم في رأسي وبحكم معرفتي للشخص فإن رأسه فارغ لم أكلف نفسي عناء البحث عن هذا المجهول وقد يكون ميركل مثلاً”.
وبرأي مراقبين، فإن هذا الخطاب الذي ميز الحملة الانتخابية في أسبوعها الأول لو تواصل بالشكل نفسه في قادم الأيام لن يزيد سوى من رفع العزوف الانتخابي، وتحقيق نسبة مشاركة قد لا تتعدى تلك المسجلة في التشريعيات الأخيرة حينما توقفت عند 38.25%،وذلك رغم إقرارهم أن عوامل العصبية وارتباط موعد 23 تشرين الثاني المقبل بالمسؤولين المباشرين للمواطن قد ترفع نسبة المشاركة قليلاً.