بينما كان السعوديون يستعدون للخلود إلى الراحة استبشارًا بيوم جديد، أعلنت وسائل الإعلام السعودية فجأة هبوب “تسونامي” مدمر، راح ضحيته العشرات من كبار الرجال النافذين في المملكة العربية السعودية، من أمراء ووزراء ووجهاء ورجال أعمال شغلوا العالم بأسره طيلة السنوات الماضية.
“التسونامي” كان عبارة عن أوامر ملكية صادرة عن الملك سلمان بن عبد العزيز ظاهرًا في وقت يعلم كل المتابعين للشأن السعودي أن الأخير لا يدرك ما يحدث حوله وكل دواليب الدولة أصبحت في يد ابنه وولي عهده محمد بن سلمان، الذي أبى إلا أن يكتب اسمه بأحرف لا يمكن الحكم عليها في الوقت الحاليّ إن كانت من ذهب أو من دم.
ولي العهد السعودي لم ينس للأمير متعب والوليد بن طلال تعنتهما، فقرر معاقبتهما بسجنهما ونهب أموالهما والتشهير بهما بدعوى أنهما من كبار الفاسدين الذين وجب استئصالهم وتطهير الأرض من رجسهم
الأوامر الملكية التي أفزعت العالم بأسره ولم تقعده طوال أكثر من 24 ساعة كاملة، فاجأت الجميع، بعد أن تم إعلان عزل الأمير متعب بن عبد الله من وزارة الحرس الوطني وسجنه، رفقة أخيه وعدد كبير من الأمراء والوزراء السابقين ورجال أعمال يشار إليهم بالبنان على غرار الوليد بن طلال وصالح كامل وبكر بن لادن وغيرهم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فولي العهد السعودي لم ينس للأمير متعب والوليد بن طلال تعنتهما، فقرر معاقبتهما بسجنهما ونهب أموالهما والتشهير بهما بدعوى أنهما من كبار الفاسدين الذين وجب استئصالهم وتطهير الأرض من رجسهم تزامنا مع إعادة الحقوق لأهلها، وفق البيان الصادر عن الملك سلمان.
بعد أكثر من 24 ساعة من هذا “التسونامي” المدمر، لم تتضح الصورة بعد، ولكن الحقيقة التي كشفتها الإجراءات الملكية الأخيرة في المملكة العربية السعودية، تؤكد أن آل سعود لم يعودوا في توادهم وتكتلهم كمثل الجسد الواحد، بل أصبحوا أوهن من بيت العنكبوت نتيجة تلاعب الأمير الشاب محمد بن سلمان بدولة بناها جده وأعمامه بدهاء وخبث وذكاء يشهد به الخصم قبل الصديق.
لسنا ننكر أن من تم إلقاء القبض عليهم كثير منهم فاسدون، لكننا نشكك في جدية هذه الحرب على الفساد خاصة أن الأسماء التي أُلقي القبض عليها محسوبة على الجناح المناهض لابن سلمان
الأمير الشاب الذي لم يرقب في أعمامه ولا في أبنائهم إلا ولا ذمة، قرر بعد طول انتظار ومفاوضات مرهقة نفسيًا مع الأمير متعب بن عبد الله، أن يتخلص منه ويرتاح من صداعه في وقت توقع كل متابع للشأن السعودي ألا يتجرأ ابن سلمان على مثل هكذا خطوة في هذا التوقيت الحرج نظرًا لعدم موافقة الأمير أحمد بن عبد العزيز وآخرين على عزل ابن أخيهم عبد الله الذي كان حصنهم قبل الأخير في مواجهة تغول الشاب الذي يطمح لأن يصبح أول “تريليونير” في العالم.
الخطوة الجريئة التي قام بها ولي العهد السعودي بعزل الأمير متعب وسجنه إضافة لسجن خالد التويجري رئيس ديوان الملك عبد الله سابقًا، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن محمد بن سلمان لا يحسب خطواته جيدًا بقدر ما يسارع الخطى نحو إدخال البلاد في مأزق وصراع دموي سيكون هو أول الخاسرين فيه.
لا يهمنا كثيرًا موضوع الحرب على الفساد التي أطلقها ولي العهد السعودي بقدر ما يهمنا عزل الأمير متعب وسجن أخيه عبد الله وأمراء آخرين من العائلة المالكة على غرار محمد بن نايف وعبد العزيز بن فهد، لأنه من غير المعقول أن يكون أحد كبار الناهبين للمال العام والمحاط بدائرة ضيقة متورطة في الفساد بأنواعه لأبعد الحدود كما يؤكد ذلك معارضون، ساهرًا على اجتثاث الفساد ومحاربة الفاسدين في وقت كان هو نفسه يأمر بسجن كل فاضح للفساد في البلاد.
إزالة متعب لن تمر مرور الكرام كما مر الانقلاب على محمد بن نايف، فالوضع داخل العائلة سينفجر قريبًا ومن غير المستبعد أن تتواصل “مجزرة الأمراء” إذا ما واصل عمه أحمد تعنته ولم يوافق على فسح المجال له لإعلان تنصيبه ملكًا للبلاد خلفًا لأبيه
لسنا ننكر أن من تم إلقاء القبض عليهم كثير منهم فاسدون، لكننا نشكك في جدية هذه الحرب على الفساد خاصة أن الأسماء التي أُلقي القبض عليها محسوبة على الجناح المناهض لابن سلمان، بل تعتبر صراحة من الموالين لوزير الحرس الوطني المقال متعب بن عبد الله ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف.
فور سماع خبر عزل الأمير متعب، ظن كثيرون أن الموالين له في جهاز الحرس الوطني الذي يعتبر القوة العسكرية الثانية في البلاد والذي كان الملك عبد الله مؤسسًا له، سيقودون تمردًا مسلحًا لإخراج وزيرهم من سجنهم والقيام بانقلاب مسلح، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فالأمير الشاب أعد العدة هذه المرة ولم يترك ثغرة إلا وقام بسدها، بعد أن نجح في كسب ود الضباط الكبار في هذا الجهاز ترغيبًا وترهيبًا.
يعرف محمد بن سلمان كما يعرف المحيطون به، أن إزالة متعب لن تمر مرور الكرام كما مر الانقلاب على محمد بن نايف، فالوضع داخل العائلة سينفجر قريبًا ومن غير المستبعد أن تتواصل “مجزرة الأمراء” إذا ما واصل عمه أحمد تعنته ولم يوافق على فسح المجال له لإعلان تنصيبه ملكًا للبلاد خلفًا لأبيه، كما يعلم الأمير الشاب أن استقواءه بصديقه دونالد ترامب الذي تجمعه مصالح شخصية معه، لن تنفعه كثيرًا في ظل توتر الأوضاع الداخلية والخارجية، واقتراب دخول السعودية في حربين جديدتين، واحدة ضد الشعب بالقرارات الموجعة التي ستصدر تباعًا، والثانية ضد إيران بعد أن دخلت الأمور منعرجًا خطيرًا قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه إذا ما تواصل دخول “الصغار” في لعبة “الكبار”.