انتهت أعمال الاجتماع الثالث الهادف لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، الذي أُقيم في العاصمة المصرية نهاية الأسبوع الماضي، دون نتائج تذكر كباقي الاجتماعات السابقة، سوى الاتفاق على عقد لقاء آخر بالقاهرة لاستكمال التشاور بين الفئات المجتمعة، مما أثار تساؤلات العديد من المتابعين عن جدية القيادة المصرية في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.
العقبة الأبرز
تعتبر القاهرة حسب عديد من المراقبين، العقبة الأبرز أمام توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ذلك أنها تسعى أن يظل اللواء المتقاعد وقائد مليشيات الكرامة خليفة حفتر قائدًا للجيش الليبي وصاحب الكلمة العليا هناك وفاعلًا رئيسيًا في أي اتفاق سياسي وعسكري في ليبيا يجمع قوات ما يسمى “الجيش الوطني الليبي” وقوات “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق الوطني.
ومن أبرز المشاركين في اجتماع القاهرة – الذي عقد في الفترة من 29 من أكتوبر/تشرين الأول إلى 2 من نوفمبر/تشرين الثاني – العميد أحمد المسماري والعميد إدريس مادي و17 ضابطًا جرى تكليفهم من المجلس الرئاسي أبرزهم العميد سالم جحا من مدينة مصراتة، وتشكلت اللجنة المصرية المعنية بليبيا في أغسطس/آب الماضي بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقد أسندت رئاستها إلى رئيس أركان القوات المسلحة المقال محمود حجازي، الذي كان مسؤولاً عن التعاون العسكري مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
هذا التوجه يؤكّد أن مصر تسعى لتشكيل الجيش الليبي الجديد وفق سياستها، ومن ثم استخدامه في علاقاتها مع الدول الخارجية
سعي القاهرة لتوحيد قوات الجيش بقيادة اللواء حفتر الذي تتماهى صورته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فكلاهما وجد شرعيته على تسويق شعار “الكفاح ضد الإرهاب”، فضلًا عن خلفيتهما العسكرية، يعود لإدراكها بعدم استطاعة أي طرف في ليبيا امتلاك النفوذ العسكري الكامل هناك، وتقول القيادة المصرية إنها تسعى لتأسيس جيش وطني في ليبيا يكون بمثابة قوة ضاربة وجاهزة لضرب الحركات الإرهابية التي تحاول استغلال حالة الفوضى الأمنية في العديد من المدن الليبية لشن هجمات داخل مصر.
ويؤكد هذا التوجه أن مصر تسعى لتشكيل الجيش الليبي الجديد وفق سياستها، ومن ثم استخدامه في علاقاتها مع الدول الخارجية، وهو ما ترفضه العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي تؤكد على ضرورة الحل السلمي والسياسي للأزمة الليبية، ووجود جميع الأطراف الليبية في أي حل لهذه الأزمة، حتى لا ينفرد طرف بالسلطة على حساب آخر، مما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاقتتال وانتشار العنف في هذا البلد العربي.
الجيش الليبي يعيش على وقع انقسامات كبيرة
وكانت القوات المسلحة المصرية كشفت الشهر الماضي، عن اتفاق بين عسكريين ليبيين يستهدف تشكيل لجان فنية مشتركة، لبحث آليات وإجراءات توحيد المؤسسة العسكرية في البلاد، وقال المتحدث العسكري المصري العقيد تامر الرفاعي، حينها: “الاتفاق يقضي بالبدء في دراسة جميع الشواغل التي تدعم تحقيق هذا المسار، دون تدخل أو فرض منهج انتقائي من أي طرف خارجي”.
إرباك الوضع
عرفت دولة مصر منذ تدخلها في ليبيا، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي صيف 2013، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات المصرية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر، وليس خافيًا على أحد إلحاح خليفة حفتر على ضرورة تدخل الجيش المصري في شرق ليبيا، لضرب معاقل ما أسماها “الجماعات المتشددة”، بحسب إعلان حفتر المستمر، وإن كانت النية الأصلية ضرب الثوار الذين يقفون حجر عثرة أمام المشروع المصري الإماراتي السعودي في إعادة ترتيب المشهد السياسي الليبي، على طريقة إقصاء الإسلام السياسي والثوار.
المحاولات المصرية تأتي لإرباك الوضع الليبي أكثر
ويحظى الدور المصري في ليبيا بمباركة ومساندة من حفتر الماسك بزمام الأمور في الشرق الليبي، وهو تأييد يسمح لمصر بالتحرك على الساحة الليبية بشكل أكبر، وقد ظهر ذلك بوضوح في التنسيق العسكري بين الطرفين لا سيما خلال الغارات الجوية التي شنها الطيران المصري على ليبيا والتي تمت بتنسيق كامل مع قيادة قوات حفتر.
وسبق أن أكّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مايو الماضي، ضرورة العمل من أجل توحيد الجيش الليبي، وبعد نحو أربعة أشهر من هذه الدعوة، أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية في بيان رسمي وزعه في شهر سبتمبر الماضي، تشكيل لجان فنية مصرية – ليبية مشتركة، لبحث آليات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لضمان استقرار الدولة الليبية، واستضافت العاصمة المصرية خلال الشهر الماضي عدة اجتماعات لعسكريين ليبيين من الغرب والشرق، في مسعى لتوحيد الجيش الليبي، إلا أن محاولاتها تأتي لإرباك الوضع الليبي أكثر حسب عديد من المتابعين.
محاولات أخرى
المحاولات المصرية لتوحيد الجيش الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تزامنت مع إعلان عدد من ضباط الجيش في مدينة مصراتة، مبادرة من أجل تنظيم الجيش وتوحيده وإعادة هيكلته بالشكل المتعارف عليه دوليًا، بمناسبة الذكرى الـ77 لتأسيس الجيش الليبي.
ونصت مبادرة ضباط مصراتة على أهمية مدنية الدولة والتداول السلمي على السلطة والنأي بالمؤسسة العسكرية عن أي نزاع أو انقسام سياسي والاهتمام بتأمين الحدود وسلامة أراضي البلاد، ويعتبر الضباط المجتمعين الجنرال المتقاعد خليفة حفتر مجرم حرب.
اجتماع مصراتة لتوحيد الجيش
إلا أن الجانب المصري لا يروقه ذلك، فيسعى لأن تكون الكلمة لحفتر ومليشياته تحت مسمى الجيش الليبي، وما فتئت القيادة المصرية تؤكّد سعيها لتوحيد الجيش الليبي، إلا أنها تقوم بعكس ذلك، ذلك أنها تدعم الواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته دون التنسيق مع حكومة الوفاق، بحيث يضمن النظام المصري استمرار نفوذه على الساحة الليبية، والإبقاء على أوراق ضغط حال فشل الحل السياسي، يستطيع من خلالها الحفاظ على الوجود في الساحة الليبية وفرض رؤيته التي تتوافق مع مصالحه.