في الوقت الذي تصر فيها السلطات المغربية على نفي وجود علاقات رسمية بين المملكة والكيان الإسرائيلي، تشير العديد من المعطيات على أرض الواقع إلى تنامي العلاقات بين الطرفين في أوجه عدّة بينها الرياضي والسياحي والاقتصادي والسياسي أيضًا، تزامنًا مع خطوات دول خليجية عدّة على رأسها المملكة العربية السعودية للتطبيع مع الكيان المحتل، فهل تدفع جرأة الدول الخليجية لخروج العلاقات المغربية الإسرائيلية من السر إلى العلانية وتطويرها وتوسيع مجالاتها؟
خطوات خليجية
في كلمة له خلال مأدبة عشاء، بمناسبة “إحياء الذكرى المئوية لصدور إعلان بلفور” في العاصمة البريطانية لندن، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى وجود دول عربية ماضية في تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، معبرًا عن ذلك بقوله: “هنالك أخبار سارة، فإلى جانب مصر والأردن اللتين صنعنا السلام معهما بالفعل، هناك جهات أخرى في الوطن العربي تمضي قدمًا وتقر بأن “إسرائيل” ليست عدوًا لها”.
وإن لم يصرح بنيامين نتنياهو عن أسماء تلك الدول، فإنه يعني يقينًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فقد كشفت الفترة الأخيرة عن معطيات جديدة تفيد بتصاعد مؤشرات تطبيع هاتين الدولتين مع الكيان الصهيوني بصورة ملحوظة في شتى المجالات، اقتصاديًا وسياسيًا ورياضيًا وحتى عسكريًا، بدءًا بما جاء على لسان رئيس اتحاد الجودو الإماراتي محمد الدرية، الأسبوع الماضي، حين قدم اعتذاره ﻟﻨﻈﻴﺮه ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺪﻡ ﺭﻓﻊ ﻋﻠﻢ “إسرائيل” ﺧﻼﻝ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻣﺆﺧﺮًﺍ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ، بمشاركة لاعبين إسرائيليين، ﻭﺑﺤﺴﺐ صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻬﺪﺕ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ ﺑﺮﻓﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ، ﺧﻼﻝ ﻣﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻮﺩﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ.
سبق أن أوصلت السعودية لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع “إسرائيل” من دون شروط
مرورًا بما كشفته صحيفة “جيروزاليم بوست”، بشأن إجراء عدد كبير من الشركات الإسرائيلية محادثات عديدة ومكثفة مع صندوق الاستثمار العام السعودي للمشاركة في مشروع مدينة نيوم (NEOM)، الذي أعلن ولي العهد السعودي تدشينه، والمقرر له أن يقام على أراضٍ من السعودية والأردن ومصر، باستثمارات إجمالية تقدر بـ500 مليار دولار.
وصولًا إلى مشاركة رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، في أعمال المؤتمر الدولي الذي استضافته العاصمة الأمريكية واشنطن، الأسبوع الماضي، لبحث سبل مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بسوريا والعراق، بمشاركة رؤساء أركان جيوش بعض الدول العربية على رأسها مصر والإمارات والسعودية والأردن.
توجه سعودي نحو تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”
وسبق أن أوصلت السعودية لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع “إسرائيل” من دون شروط، وذلك قبل أيام من زيارته للرياض مايو الماضي، حسب تسريب لصحيفة “وول ستريت جورنال”، كما أنه لأول مرة في تاريخ البلدين تتوجه طائرة مباشرة من الرياض إلى تل أبيب وذلك حين حطت الطائرة الرئاسية للرئيس الأمريكي في مطار بن جوريون في تل أبيب قادمة مباشرة من الرياض عقب انتهاء زيارته في مايو الماضي.
وخلال الفترة الأخيرة تناقلت عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء عن قيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بزيارة سرية إلى “إسرائيل” مشيرة إلى أن هناك اتجاهًا واضحًا لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات الجيدة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية ومن بينها السعودية، منوهة إلى الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات السعودية السابق أنور عشقي لـ”إسرائيل” قبل نحو عام تقريبًا.
وقبل ذلك، نشرت بعض المواقع خبرًا يفيد بهبوط طائرة شحن سعودية في مطار عمان قادمة من مطار بن جوريون في تل أبيب، وفي يوليو 2017، نشرت صحيفة “بلومبرج” تقريرًا يشير إلى تأكيد وزير الاتصالات الإسرائيلي وجود مفاوضات مع السعودية لتسيير رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى المملكة.
علاقات قديمة
هذه الموجة تسعى “إسرائيل” لتصديرها إلى باقي الدول العربية خاصة ما تصفهم بدول الاعتدال، بما فيهم المملكة المغربية، التي ما فتئ المسؤولون الإسرائيليون يشيدون بانفتاح المغاربة، وضرورة إقامة علاقات قوية رسمية بينهم بعيدًا عن العلاقات السرية لما يربط الطرفين من علاقات قديمة.
وتعود العلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني، إلى عام 1961، بعد غرق السفينة “إيغوز“، وانتقال السلطة من الملك محمد الخامس إلى ابنه حسن الثاني، حيث جرت مفاوضات سرية بين الكيان الإسرائيلي والمغرب، وتوصل الجانبان إلى اتفاق للسماح بهجرة يهود المغرب، وبمقتضاه تحصل الرباط على 250 دولارًا عن كل يهودي تسمح له بالهجرة إلى “إسرائيل”، كما تلتزم الأخيرة بمساعدة المغرب على تطوير أجهزته الأمنية.
تحتلّ المملكة المغربية طليعة الدول العربية التي سمحت للمسؤولين الإسرائيليين بزيارتها سواء بشكل سري أو علني
وكانت سفينة “إيغوز” تحمل المهاجرين اليهود من المغرب إلى “إسرائيل”، استأجرها الموساد الإسرائيلي عام 1960، وحملت على متن كل رحلاتها بين 40 – 50 من اليهود المهربين من المغرب إلى “إسرائيل”، وفي 10 من يناير 1961، أبحرت إيغوز من ميناء الحسيمة المغربي في رحلتها الـ13 مع 44 من المهاجرين اليهود على متنها، لكن المهاجرين غرقوا، وتم إنقاذ ثلاثة من أفراد الطاقم، وانتشال 22 جثة، في حين ضاعت بقية الجثث في البحر.
منذ ذلك الحين، بدأ المغرب و”إسرائيل” في تأسيس علاقات سرية بينهما، وهو ما اتضح في فضيحة “بن بركة”، ففي 29 من أكتوبر 1965، اختطف الناشط السياسي في المعارضة المغربية بفرنسا مهدي بن بركة وقتل، لكن ما كشفته التحقيقات والوثائق بعد ذلك، وتسبب في أزمة بين “إسرائيل” وفرنسا، أن الموساد الإسرائيلي هو الذي أمد أجهزة الأمن المغربية بالمعلومات عن المكان الذي يقيم فيه بن بركة.
وشهدت منتصف الستينيات ذروة استفادة “إسرائيل” أمنيًا من التعاون مع المغرب، إذ تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ساعد “إسرائيل” في التجسس على القمة العربية التي انعقدت في المغرب عام 1965، مما هيأ لها سبل الانتصار في حرب 1967.
تعدد مجالات العلاقات بين الطرفين
وتحتل المملكة المغربية طليعة الدول العربية التي سمحت للمسؤولين الإسرائيليين بزيارتها سواء بشكل سري أو علني، في 22 من يوليو 1986، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز المغرب، والتقى الملك الحسن الثاني في مدينة إفران السياحية، وعام 1995، وبعد اتفاق أوسلو، تأسست العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، لكن عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع “إسرائيل”.
وذكر مركز إسحاق رابين للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إسحاق رابين زار المغرب سرًا عام 1976، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة عربية، وناقش مع الملك المغربي سبل دفع عملية السلام مع الدول العربية، وبعد ذلك، استضافت الرباط محادثات سرية بين وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان، ومستشار الأمن القومي المصري حسن التهامي، وهذا ما مهدّ لزيارة الرئيس أنور السادات لـ”إسرائيل”، حسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
علاقات سرية
مع قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين سنة 2000، عادت العلاقات إلى السرية، ويؤمنها من الطرف المغربي المستشار أندريه أزولاي الذي كان يشتغل أيضًا مع الملك محمد الخامس، وعن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرجي برديجو.
وتتميز المملكة المغربية بوجود جالية يهودية بها هي الأكبر بين الدول العربية، إذ تبلغ نحو 70 ألف مغربي من أصول يهودية بنسبة 02% من إجمالي سكان المغرب وفق إحصاء 2010، هذا بخلاف عشرات الساسة في “إسرائيل” أصولهم مغربية وأبرزهم: إيلي يشا وزير صناعة إسرائيلي وزعيم حزب شاس اليهودي سابقًا، عمير بيرتز وزير دفاع إسرائيلي سابقًا، بالإضافة إلى وزيري الخارجية السابقين شلومو بن عامي وديفيد ليفي.
وبلغ حجم المبادلات التجارية بين المغرب و”إسرائيل” خلال سنة 2015 ما يقارب 33 مليون دولار، مقابل 13.2 مليون دولار في سنة 2014، وفق ما أورده المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، وبلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية نحو المغرب ما يزيد على 22 مليون دولار، هيمنت عليها بدرجة أولى المنتجات الكيميائية المصنعة والمنسوجات والأجهزة الميكانيكية والحواسيب والآليات الموجهة إلى القطاع الزراعي، وتقول الغرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية، إن 45 شركة إسرائيلية تستثمر بالمغرب، وكثيرًا ما تلجأ بعض الشركات من الطرفين إلى إنشاء شركات بأوروبا حتى يتم إخفاء العلاقة المباشرة.
في سنة 2013، عجز البرلمان المغربي، على المصادقة على مشروع قانون تقدّمت به 4 أحزاب من الأغلبية والمعارضة، يجرّم التطبيع مع “إسرائيل”
ومع تراجع السياحة الإسرائيلية المتجهة نحو مصر وتركيا، ارتفع عدد السياح الإسرائيليين الوافدين على المملكة المغربية بشكل لافت، ويقصد السياح الإسرائيليين المدن الجنوبية، على غرار الصويرة التي تعتبر الوجهة المفضلة الأولى لهم، تليها مدينة ورزازات ثم مدينة أكادير ثم مراكش، ودائمًا ما يكون المسار السياحي لهؤلاء ثلاثيًا، وغالبًا ما تكون الدولة “الوسيط” إحدى دول البحر الأبيض المتوسط، ويفوق عدد هؤلاء السياح القادمين إلى المغرب أكثر من 40 ألف سائح.
مطلع العام الماضي، صوتت المملكة لصالح “إسرائيل”لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، وعلى الرغم من دعوة “مجموعة العمل من أجل فلسطين” بالمغرب، حكومة المملكة، ومطالبتها بإصدار توضيح لهذا الأمر، إلا أن الحكومة المغربية لم تعلق على الموضوع.
وفي أغسطس 2015، كشفت قناة i24 الإسرائيلية أن المغرب أرسل نحو 30 شابًا من اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، للمشاركة في برنامج يرمي إلى دمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي قبل توطينهم في “إسرائيل” والخدمة في الجيش الإسرائيلي.
التمور الإسرائيلية في الأسواق المغربية
وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن الشباب حضروا إلى “إسرائيل” عن طريق روما، للمشاركة في مخيم صيفي لمدة 30 يومًا، تنظمه أكاديمية “عميحاي” ما قبل العسكرية بالتعاون مع الاتحاد الصهيوني الإسرائيلي، ومنظمة الصهيونية العالمية، للتدريب على أساليب القتال الإسرائيلية، تحت الرعاية المباشرة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
وفي سنة 2013، عجز البرلمان المغربي، على المصادقة على مشروع قانون تقدّمت به 4 أحزاب من الأغلبية والمعارضة، يجرّم التطبيع مع “إسرائيل”، وينص على معاقبة كل من يساهم أو يشارك في التطبيع مع “إسرائيل” أو يحاول ارتكابه، بعقوبة حبس تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية.