النصر لا يعني الموت، هو الحياة، والحرية لا تعني الذل بل الواقعية، والموت بمعنى الألم وليس النهاية، المعادلات المتوافقة والمختلفة وحي ما أعيش، في زمن اللامعقول، والمدرك في الوقت نفسه في المتناقضات التي لا تأتي إلا بشر.
لذة الدمار تتحقق حين يتساوى الموت والحياة، فمفهومات الماضي مآسي الحاضر، ومحسوبات الربح والخسارة متغيرة، أحيانًا يصيبنا الحياء المعنوي ونحن نراجع ما علمنا إياه أجدادنا ليس انتقاصًا، بل لأنهم ما قرأوا ما وراء المنظور، واكتفوا بما تراه العين المجردة لا يزيدون عليه ولا ينقصون، في قاموسهم الواعي ما كان مفهوم الكذب فضيلة، لكنه اليوم سياسة.
السياسيون مدعوون للتكفير عن تقصيرهم الذي له أول ولا آخر له، ويساهموا بكل طاقتهم لتعويض الأهالي عما فاتهم
وفي حياتهم ما كان الظلم عدلاً، وهو كذلك اليوم، واقعنا المعاش، يجعلك تضرب الأخماس بالأسداس، ويتيه بك في بحر لجي، تتقاذفك الأمواج، ولا ترسو بعدها على بر، أحمد الذي فقد كل عائلته في المدينة القديمة من جانب الموصل الأيمن كيف يعرف الحياة، بلا شك هي عنده القهر والضيم والضيق والحسرة والندامة والألم والدمار والدماء والأشلاء والضحايا.
وهي الهدم والحطام والأنقاض واللاطريق إلى حيث الذكريات، وأحمد اليوم ما عادت تهزه الذكريات، بل المواجع التي تأخذه ذات اليمين وذات الشمال، وهي ذاتها اليد المبتورة والرجل المقطوعة والوجه المهشم والعظم المكسور والعين المصابة والجسم المنهك.
الحزن بالتحرير
لا فرح بما حصل، ولا أمل فيما جرى، ولا تفاؤل فيما وقع، المنزل لا يعني أرضًا جرداء قاحلة، ولا دمًا مسفوحًا ورائحة كريهة، سوادًا يلف المكان والزمان معًا، وهو يعني بصورته الحالية الظلم الواقع والتعاسة المعاشة والحلم المبدد المرسوم الذي قتلته اللافتة السوداء وقبلها القلب الأسود.
وحتى متى.. جرى ما جرى بمكتوب نازل لا محالة، لكن ماذا بعده وخلاله، كيف سيعود ما كان شاخصًا أعرفه ويعرفه الزمان، ومن سيأخذ على عاتقه النهوض من الكبوة، ويستغل عجز (المسؤول) الذي لا يعرف المدينة القديمة ولا تعرفه، لا هو منها ولا هي منه.
حصاد الحرب، وصناعة السلم.. السياسيون مدعوون للتكفير عن تقصيرهم الذي له أول ولا آخر له، ويساهموا بكل طاقتهم لتعويض الأهالي عما فاتهم، وأن يكونوا رسل سلام، لا يهدأ لهم بال حتى ينعم آخر شخص من الموصل القديمة بالسكن الملائم، وأن يحضروا بقوة بين الناس ليكسروا الهوة بينهم وبين جمهورهم، وأن يحرصوا أن يكونوا دعاة للسلم يطوفون حوله وفيه، وأن يبتعدوا عن الحرب أيًا كانت كلامية.. إعلامية.. وغيرها.
نشعر بالفخر يأخذنا من كل أطرافه حين نرى الفرق الشبابية باختلافها المرجعي، يتنافسون كل حسب اختصاصه، فهذا يعنى بالجانب الصحي، وذاك بالإنساني، وثالث بالإغاثي، ورابع بالثقافي، وخامس بالاجتماعي، وسادس بالرعاية، وسابع بالتخطيط، وثامن بالإدارة
الفعل والفعل.. لا حديث الآن، فقد توقفت لغة الكلام وحل بديلًا عنها الحركة الدائمة الدائبة التي لا يقر لها قرار، حتى تعود الموصل رائدة قائدة كما كانت، يشار لها بالبنان، ولا مجال فيها لقيل وقال، بل فعل يتجاوز الأحرف المقالة التي لا تقدم ولا تؤخر، والخير وفير كثير عميم.
الشباب.. أنتم لها.. نشعر بالفخر يأخذنا من كل أطرافه حين نرى الفرق الشبابية باختلافها المرجعي، يتنافسون كل حسب اختصاصه، فهذا يعنى بالجانب الصحي، وذاك بالإنساني، وثالث بالإغاثي، ورابع بالثقافي، وخامس بالاجتماعي، وسادس بالرعاية، وسابع بالتخطيط، وثامن بالإدارة، وهكذا أدوارهم كسنين عمرهم الزاهر، الذي ما عرف الجلوس والتوقف.
اليد الواحدة تصفق.. نعم حين تكون وحدها في الميدان، تتناولها القدم والوجه وباقي أعضاء جسم الإنسان لتكون بمثابة اليد الأخرى التي تعوض التقصير، وتشعر أنها في الميدان وحدها، لا شيء قبلها ولا بعدها، عند ذاك ينضم إليها المتردد والجالس والنائم والسلبي ليساهم ولو بالنزر اليسير.. وحيا الله شباب الموصل.. فأنتم لها.