ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم السبت، أعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، عن استقالته من منصبه، متهما إيران بالتدخل في الشؤون العربية، تاركا بلاده التي تتقلب بالفعل بين التوترات والصراعات الإقليمية في حالة من عدم اليقين. وعبر خطاب تلفزيوني من العاصمة السعودية الرياض، أدان سعد الحريري بشدة إيران وتنامي سلطتها ونفوذها في المنطقة. كما هاجم الحريري حليف إيران، حزب الله اللبناني، الميليشيا الشيعية والحزب السياسي الذي يعد جزءا من حكومة الوحدة الوطنية التي كانت تحت إشرافه.
في هذا السياق، قال الحريري: “أينما حلت إيران حل الخراب والفتن والدمار، ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية”، مضيفا “أن أيادي إيران” في المنطقة “ستُقطع”. وفي سياق متصل، بين المحللون أن الإعلان المفاجئ، الذي صدم حتى دائرة الموظفين المحيطة بالحريري، كان علامة سلبية تدل على تصاعد التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، مشيرين إلى تزايد سيطرة إيران وحزب الله، فضلا عن الردود الحازمة للمملكة العربية السعودية.
محللون: ستتمكن المملكة العربية السعودية من خلال إبعاد الحريري من نفي وجود شراكة سنية ذات مصداقية مع حزب الله في الحكم، وذلك في محاولة لعزل الحزب ومنعه من التخفي خلف حكومة الوحدة الوطنية
حيال هذا الشأن، أورد المحللون اللبنانيون والإقليميون، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لحزب الله، أن استقالة الحريري كانت جراء تعرضه لضغوط من قبل الراعين له السعوديين، الذين يبذلون جهودا حثيثة لمواجهة النفوذ الإيراني بدعم أمريكي. وجاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني بعد أسابيع من الاستنكار الأمريكي والسعودي الشديد لإيران، بما في ذلك الموقف الرسمي للرئيس ترامب، والعقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضت على حزب الله.
حسب المحللين، ستتمكن المملكة العربية السعودية من خلال إبعاد الحريري من نفي وجود شراكة سنية ذات مصداقية مع حزب الله في الحكم، وذلك في محاولة لعزل الحزب ومنعه من التخفي خلف حكومة الوحدة الوطنية. ولعل هذا ما أكده نائب رئيس مجموعة الأزمات الدولية، روب مالي، المستشار السابق المختص في الشرق الأوسط للرئيس باراك أوباما، “لقد تبين لهم أن الحريري كان بمثابة غطاء للنفوذ الإيراني وحزب الله، أكثر من كونه قوة موازنة في مواجهتهما”.
إلى جانب ذلك، تظهر الاستقالة قلة الخيارات التي يتمتع بها خصوم إيران، فبغياب الحريري عن السلطة، ستفقد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية شريكهما الرئيسي في الحكومة اللبنانية. كما أشار المحللون والمسؤولون إلى أن الاستقالة كانت بمثابة ناقوس الخطر حول المخاطر القادمة. فإن كانت الحكومة المقبلة أكثر تأييدا لحزب الله، فإن ذلك سيؤدي إلى فرض عقوبات مدمرة. بل قد يزيد من احتمال نشوب حرب جديدة مع “إسرائيل”، التي ستبرر خوضها للحرب بأن الفرق بين الدولة اللبنانية وحزب الله لا يكاد يذكر.
من خلال الإعلان عن استقالته، أيقظ الحريري شبح العنف الداخلي. فبعد أن قارن الأوضاع الحالية في لبنان بالأيام التي سبقت اغتيال والده، رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري سنة 2005، يعتقد سعد الحريري أن حياته في خطر، قائلا “لقد لمست ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي”. لقد قُتل والد سعد الحريري إثر استهداف موكبه بمتفجرات على شاطئ بيروت. وعلى خلفية ذلك، يُحاكم العديد من أعضاء حزب الله غيابيا في محكمة خاصة تدعمها الأمم المتحدة في لاهاي، على الرغم من أن الجماعة المسلحة نفت تورطها في عملية الاغتيال.
في أواخر سنة 2016، أصبح سعد الحريري رئيسا للوزراء في صفقة توافقية بعد أن أصبح ميشال عون، الحليف السياسي لحزب الله، رئيسا للبلاد، ما تسبب في إنهاء الجمود السياسي الذي دام طيلة سنتين ونصف. بعد ذلك، انقسم لبنان، الذي يحكمه نظام سياسي قائم على الطائفية منذ فترة طويلة، بين كتلتين إحداهما حليفة لحزب الله الشيعي وإيران، والأخرى حليفة للسعودية، البلد السني المهيمن في المنطقة.
إن كانت الحكومة المقبلة أكثر تأييدا لحزب الله، فإن ذلك سيؤدي إلى فرض عقوبات مدمرة. بل قد يزيد من احتمال نشوب حرب جديدة مع “إسرائيل”، التي ستبرر خوضها للحرب بأن الفرق بين الدولة اللبنانية وحزب الله لا يكاد يذكر
في الواقع، ترأس الحريري حكومة الوحدة الوطنية المكونة من 30 عضوا، التي وضعت بهدف حماية البلاد من أي تداعيات لحرب متعددة الأطراف في سوريا، حيث تدعم إيران النظام السوري بينما تساند السعودية المعارضة. وقد تحقق الهدف إلى حد كبير، على الرغم من تدخل حزب الله لمساندة الحكومة السورية، وانضمام بعض المسلحين السنة اللبنانيين للقتال إلى جانب المعارضة المسلحة هناك، وتدفق أكثر من مليون لاجئ إلى لبنان البلد المتوسطي الصغير.
وفق النظام السياسي في لبنان، تنقسم السلطة بين رئيس الوزراء الذي يجب أن يكون سنيا، والرئيس يجب أن يكون مسيحيا مارونيا، ورئيس البرلمان الذي يجب أن يكون شيعيا. ولكن، ممارسة السلطة الحقيقية في البلاد تعتبر القضية أكثر تعقيدا، بين التحالفات والصراعات وتقاسم الغنائم بين قادة الجماعات الطائفية، بما في ذلك أمراء الحرب السابقين إبان الحرب الأهلية في لبنان.
بفضل المكانة البارزة التي اكتسبها أثناء محاربة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، بات حزب الله الأقوى بسبب ميليشياته المسلحة، التي يمكن أن تتحرك بشكل مستقل عن الدولة، وكان خلال السنوات الأخيرة بمثابة قوة استطلاعية في جميع أنحاء سوريا. وخلال السنوات الأخيرة، اتفقت الكتل اللبنانية المتنافسة على حصر مشاركتها في الحرب السورية، لكن لم يقلل هذا من شدة التوتر بين السعودية وإيران.
إلى جانب الدور الحاسم الذي لعبه حزب الله في مساعدة بشار الأسد على البقاء في السلطة، دعمت إيران العديد من الميليشيات في العراق وتمكنت من هزيمة تنظيم الدولة في ذلك البلد وهي الآن قوة قتالية لا يستهان بها. ويصرح القادة الإيرانيون بأن تدخلهم كان ضروريا للتصدي للإرهاب، وخلق منطقة أمنية لبلدهم. وقد بدأ تأثير إيران بالتنامي بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق سنة 2011، تاركة وراءها جيشا غير مكتمل وحكومة موالية لإيران.
في تلك الفترة، كانت محاولة إيران لملء الفراغ السياسي الناجم عن رحيل الجيش الأمريكي تطورا مقلقا للغاية بالنسبة للمملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية الأخرى، خاصة أن جهودها في مجابهة إيران عبر حروب الوكالة باءت بالفشل. والآن مع دخول الحرب السورية مرحلة جديدة، وبقاء الأسد في السلطة وإدارته بلدا مدمرا، تتزايد المخاوف من أن تطفو على السطح التوترات التي لطالما حاولت العديد من الجهات إخفاءها، تلك التوترات التي تعصف بالداخل اللبناني أو بين حزب الله وإسرائيل، أو في أماكن أخرى.
خلال الأسابيع الأخيرة، ضاعفت الولايات المتحدة من عقوباتها المسلطة على حزب الله، بعد أن انتقد الرئيس ترامب إيران والاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما. في هذا الصدد، قال المحلل اللبناني الموالي لحزب الله، علي رزق، “إن في ذلك إشارة إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التصعيد”، معتبرا أن الهزيمة الوشيكة لتنظيم الدولة على يد الولايات المتحدة، ستضع ضغوطا جديدة على من تعتبرهم جماعات شيعية متطرفة. وأضاف علي رزق أن “لبنان يواجه صعوبات كبيرة”.
من جهة أخرى، لقيت استقالة الحريري ردود فعل وتصريحات حادة من قبل إسرائيل وإيران. وفي هذا السياق، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، بأن خطاب الحريري كان بدفع من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بهدف “خلق التوتر في لبنان والمنطقة”.
“إن الحريري لم يفعل ذلك من أجل لبنان، بل فعل ذلك من أجل السعودية ونكاية في إيران، ومع اتخاذه هذه الخطوة، أصبحت الصورة أكثر شفافية من أي وقت مضى. فسعد الحريري لم يمكن يمسك بزمام الحكم أبدا”
في المقابل، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الاستقالة بأنها “دعوة من المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات ضد العدوان الإيراني”. وفي سياق متصل، اعتبر المحلل في الجامعة الأميركية ببيروت، عماد سلامة، أن الضغط الآن مسلط على الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي سيعقد مشاورات مع البرلمان لمناقشة تعيين حكومة انتقالية.
في هذا الصدد، أورد المحلل في الجامعة الأميركية ببيروت، عماد سلامة، قائلا “إن كان عون يعمل على تشكيل حكومة مؤيدة لحزب الله، فعليه إذن أن يستعد لمواجهة العواقب”، من بينها تسليط عقوبات جديدة. وأضاف سلامة “ستكون ردود الفعل الأمريكية والسعودية حازمة. وسينهار الاقتصاد حتما”. من جهته، قال الحريري في خطابه إنه يريد توحيد لبنان وتحريره من النفوذ الخارجي. ووعد بجولات مليئة بالتفاؤل والأمل في يكون لبنان أقوى، ومستقلا، وحرا، ولا سلطان عليه إلا من قبل شعبه العظيم.
ولكن، في شوارع طارق الجديدة، وهي منطقة في بيروت غالبية سكانها من السنة وتمثل جزءا من القاعدة السياسية للحريري، ساد الغضب والارتباك الذي يتناقض مع ملصقات الحريري التي احتضنتها مباني تلك الشوارع. وفي هذا السياق، قال نبيل إدريس، الذي كان يدير متجر ابنه للملابس، “إن الحريري لم يفعل ذلك من أجل لبنان، بل فعل ذلك من أجل السعودية ونكاية في إيران، ومع اتخاذه هذه الخطوة، أصبحت الصورة أكثر شفافية من أي وقت مضى. فسعد الحريري لم يمكن يمسك بزمام الحكم أبدا”.
الصحيفة: نيويورك تايمز