ترجمة حفصة جودة
انسحبت القيادة السعودية من تحركها الجريء لدعم السلطة المحيطة بولي العهد الشاب محمد بن سلمان، وذلك باعتقال 11 أميرًا من أغنى الرجال في البلاد بالإضافة إلى عشرات الوزراء السابقين تحت ما اسمته “تطهير الفساد”.
أدت هذه الخطوة إلى تهميش 20 من كبار الشخصيات على الأقل من بينهم الملياردير الشهير الأمير الوليد بن طلال، مما يبعث برسالة صادمة من خلال صفوف النخبة في المملكة والتي كانت تعتبر كبار الأمراء محصنين ضد ذلك.
كان حجم وأهداف التطهير الذي بدأ في يوم السبت – بمرسوم ملكي من الأمير سلمان – يقلل من حجم أي شيء قد حدث في الرياض في السنوات الأخيرة، فقد تعمد استهداف شخصيات كانت تعتبر سابقًا شخصيات محصنة.
قالت شخصيات مقربة من ولي العهد إن هذه التحركات تهدف إلى إعادة تشكيل السلوكيات العامة في المملكة، فعادة ما تقرر شبكات المحسوبية الصفقات التجارية كما تحصل الأسر البارزة على تخفيضات كبيرة من العقود المربحة.
هذه الخطوة تعزز من سيطرة محمد بن سلمان على المؤسسات الأمنية في المملكة
ومع ذلك، وصف آخرون في العاصمة السعودية هذه الخطوة بالمحاولة الواضحة لإزالة المعارضة والمنافسين السياسيين، حيث يحاول ولي العهد الطموح أن يضع بصمة سلطته على جميع مظاهر الحياة العامة في المملكة، هذه الخطوة تعزز من سيطرة محمد بن سلمان على المؤسسات الأمنية في المملكة والتي كانت ترؤسها لفترة طويلة فروع قوية مستقلة من الأسرة الحاكمة.
بعد 6 أشهر من توليه منصب ولي العهد، سوف يخلف ابن سلمان والده في النهاية ليصبح ملكًا، لذا أطلق الأمير محمد بن سلمان مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تغيير اقتصاد المملكة المتهالك ووضع أسس جديدة للعلاقة بين الدولة والمواطنين.
انتشر الفساد في المملكة العربية السعودية في الأجيال الجديدة وقد تعهد الأمير محمد بن سلمان بأن تصبح المعاملات التجارية أكثر شفافية، لذا فمشهد القبض على أفراد العائلة المالكة له أهمية كبيرة في مطالبات قمع الكسب غير المشروع، ومع ذلك فانتهاج مثل هذه الطريقة في المعاملات التجارية بالمملكة سينتج عنها وجود عدد قليل من الشخصيات البارزة التي ليس لها علاقة بعقد الصفقات التي تعتبر فاسدة في معظم أنحاء العالم.
“لن يظل الوطن قائمًا إلا عند اقتلاع الفساد ومحاسبة الفاسدين”
قال النائب العام السعودي سعود المعجب إن لجنة تحقيقات الفساد الجديدة بدأت في تحقيقات متعددة وأضاف: “يحصل جميع المشتبه بهم على نفس الحقوق والمعاملة التي يحصل عليها المواطن السعودي، ولا تؤثر مكانة ووضع المشتبه بهم على التحقيق الصارم للعدالة، وفي أثناء التحقيقات فإن الأطراف يحتفظون بجميع الامتيازات القانونية المتعلقة بالأملاك الخاصة والشخصية ومن ضمنها الأموال”، ويقول المرسوم الرئيسي للجنة: “لن يظل الوطن قائمًا إلا عند اقتلاع الفساد ومحاسبة الفاسدين”.
من المعتقد أن المسؤولين المقبوض عليهم محتجزون في فندق خمس نجوم “ريتز كارلتون” والذي كان قبل أسبوعين مكانًا لعقد قمة استثمارية رفيعة المستوى تحت رعاية الأمير محمد، أما قاعة المؤتمرات المجاورة فتم استخدامها لاستقبال ترامب في مايو الماضي عندما جاء الرئيس الأمريكي إلى المملكة لإعادة العلاقات مع حليف بلاده طويل الأمد، حيث كانت هذه العلاقات قد تدهورت تحت إدارة أوباما.
كانت زيارة ترامب مشجعة للملكة التي كانت منغلقة لعقود طويلة على الصراع مع إيران من أجل السلطة والنفوذ في المنطقة، ومنذ ذلك انطلقت مجموعة من الإصلاحات السياسية بالإضافة إلى إصلاحات ثقافية ليس لها مثيل في تاريخ المملكة، ففي منتصف العام المقبل من المتوقع السماح للنساء بقيادة السيارات ودخول الملاعب الرياضية والسفر إلى الخارج دون موافقة أولياء أمورهن.
جهود مكافحة الفساد بنفس أهمية الحرب ضد الإرهاب
سيشرف الأمير محمد على لجنة التحقيق في الفساد بالإضافة إلى قائمة مسؤولياته الضخمة الحالية ومن بينها دوره كوزير للدفاع وبطل التحول الاقتصادي المتمثل في “رؤية 2030” والتي تهدف إلى التغيير الجذري لجميع جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية خلال 12 عامًا، وكان الأمير محمد قد صرّح للغارديان قائلاً إن المملكة لم تكن طبيعية خلال الـ30 عامًا الماضية وتعهد بإعادة السعودية إلى الإسلام المعتدل.
كان المجلس الأعلى لرجال الدين في السعودية قد غرّد على تويتر قائلاً: “جهود مكافحة الفساد بنفس أهمية الحرب ضد الإرهاب”، هذا التصريح يعطي أساسًا دينيًا لهذا القمع، وفي سبتمبر الماضي اعتقل الأمير بعض رجال الدين المشهورين في المملكة خوفًا من عدم ولائهم لجدول أعماله أو عدم دعمهم لمقاطعة قطر والتي تتهمها السعودية بزعزعة استقرار المنطقة.
جاءت تحركات يوم السبت على الجبهة الداخلية في أعقاب موقف مفاجئ في السياسة الخارجية في وقت مبكر من ذلك اليوم، والتي بدا أنها تضع المملكة في مسار تصادم سياسي مع إيران، وتحت الضغط السعودي استقال رئيس وزراء لبنان سعد الحريري من منصبه بشكل مفاجئ، مشيرًا إلى التدخل الإيراني في الشرق الأوسط، وكان الحريري قد أدلى بتصريحاته في الرياض بعد استدعائه إلى العاصمة السعودية مرتين خلال أسبوع.
المصدر: الغارديان