أعلن سوريون عن تشكيل سياسي جديد من نوعه شمال غربي سوريا، تحت اسم تيار سورية الجديدة، سبقه تشكيل الحركة الوطنية السورية، مع التحضير لتشكيلات جديدة مماثلة، وسط جمود في الملف السياسي دوليًّا وحراك شعبي محليًّا.
تيار سورية الجديدة أُطلق رسميًّا في 17 مارس/ آذار 2024، ضمن احتفال شعبي بمناسبة الذكرى الثالثة عشر للثورة السورية في مدينة أعزاز شمال حلب، برئاسة الدكتور ياسر العيتي، “لينتقل التيار إلى مرحلة الفعل السياسي الحقيقي، كأحد التعبيرات عن استعادة الثورة السورية لصوتها السياسي”.
التيار يُعرّف نفسه بأنه كيان سياسي وطني محافظ، وشعاره “حرية – كرامة – عمران”، وعن أسباب تشكيله قال نائب رئيس التيار للشؤون السياسية، محمد منير الفقير، في حديثه لـ”نون بوست”: “إن تيار سورية الجديدة تشكّل كتعبير عن الصوت السياسي الغائب للثورة السورية، وبعد الفشل الذريع للمعارضة الرسمية في التعبير عن هذه الثورة العظيمة، وفي الحدّ من الالتفاف على مطالبها وعلى القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية”.
وأضاف أن أبناء الثورة الذين طحنتهم الحرب والتجارب أصبحت لديهم الكفاءة والتجربة والملاءة المعرفية ولو بحدودها الدنيا، لتولي زمام أمرهم السياسي والاستثمار في المكتسبات التي لا تزال في أيديهم، قبل أن تبدّدها حماقات بعض متصدّري الشأن السياسي، وسلطات الأمر الواقع بين يدَي الدول المتدخلة في الشأن السوري.
وبحسب الفقير فـ”تيار سورية الجديدة” يستند إلى 5 نقاط، هي:
– الانطلاق من أرضية فكرية واسعة والابتعاد عن الرؤية أو الخطاب الأيديولوجي.
– التركيز على الهوية والمنظومة القيمية والمجتمعية للأغلبية، كنقطة انطلاق في بناء التصوّر الوطني الحقيقي والشامل.
– الاعتماد على التحشيد الشعبي، وبناء الشرعية الحقيقية والابتعاد عن نمطية الحزب الحاكم.
– الارتكاز على الخطاب الواقعي والمباشر في توصيف المشاكل والتحديات، بعيدًا عن الخطابات المثالية والوردية، أو الوطنية الزائفة، وإيجاد حلول حقيقية لمشاكل حقيقية.
– مراعاة الظروف المرحلية في التخطيط والعمل، وعدم تجاوز المرحلة الحالية والنظر إلى ما بعد الحل السياسي، بل العمل منذ الآن على بناء الشرعية والأدوات اللازمة لمحاولة التأثير في الحل السياسي.
وأشار الفقير إلى أن الشرعية الدولية للتيار تُبنى من خلال استناده على أرضية جماهرية، عبر طروحات تلاقي صدى عند الفاعلين الدوليين وقدرته على الوصول إليهم، موضحًا أن أعداد التشكّلات السياسية (حزب، تيار، حركة، مجموعة) في الشمال السوري لا تزال محدودة، والطريق لإنجاز حياة سياسية سورية في أوّله، ويحتاج إلى المزيد من المبادرات التنظيمية السياسية.
رؤية التيار للملف السياسي
يؤكد الفقير أن الملف السياسي السوري هو أحد القضايا الأساسية لتشكيل التيار، كي يحاول أن يدير الملف السياسي بالتكاتف مع القوى السياسية الأخرى، لتحقيق مكتسبات الشعب السوري، لافتًا إلى أن القرارات الدولية التي تمّ الالتفاف عليها من خلال اللجنة الدستورية والسلل الأربعة، حصّلها السوريون بدمائهم ويجب الحفاظ عليها.
وأكمل: “نقدِّم مقارباتنا السياسية لدعم القرارات الدولية، ومنع روسيا وإيران فرض رؤيتهما ومقاربتهما دوليًّا”، موضحًا أن اللجنة الدستورية تعتبر مقاربة سياسية، لكن إشكاليتها هي تجاوزها الانتقال السياسي، ويرى أن مباحثات أستانا مشكلتها تكمن في المحاولة الروسية للابتعاد عن مسار جنيف، وخلق مرجعية جديدة للحلِّ في سوريا.
تشكيل الحركة الوطنية السورية
انطلقت الحركة الوطنية السورية مطلع أغسطس/ آب 2022 تحت شعار: “سياسية وطنية مدنية سورية”، وتتبنّى الحركة الوسائل السياسية لتحقيق هدف “سوريا موحدة لكلّ السوريين”، ولديها مكاتب ومضافات في معظم المناطق في الشمال السوري.
وعن أسباب تشكيل الحركة الوطنية السورية، قال أمينها العام، زكريا ملاحفجي، في حديث لـ”نون بوست”: “جاء التشكيل لحاجة الواقع الذي يعيش الفوضى وغياب التنظيمات السياسية الوطنية والعمل السياسي، ومن أجل تعزيز منطق الوطنية قولًا وعملًا على الانتماءات ما دون وطنية، وكذلك عزوف الشباب عن العمل السياسي وحالة الشتات”.
وتابع: “نحن بحاجة إلى تعزيز الوعي السياسي والتنظيم في أرض الواقع والدفع بقضايا إصلاحية، لا سيما افتقار بيئة المعارضة للقوى السياسية المنظمة”، مشيرًا إلى أن التيارات السياسية في الشمال السوري “قليلة ووليدة”، وتوجد حاجة ضرورية لأن تكون هذه الظاهرة فعّالة.
أصداء الشارع السوري
وصف ملاحفجي الردود الشعبية لإطلاق الحركة الوطنية السورية بـ”الجيدة من كافة المكونات العرقية والدينية والطائفية”، مشيرًا إلى وجود تواصل مع الفاعلين الدوليين، وتمّ الاستفسار منهم عن منهجية الحركة الوطنية ورؤيتها السياسية وبرنامجها والقائمين عليها.
بدوره، أكد الفقير أن الردود الشعبية والسياسية كانت مرحِّبة بشكل واسع، مرجعًا السبب إلى أن الأسماء المعلن عنها في بيان الإشهار معروفة وتحظى بالقبول، فضلًا عن العمل لـ 4 سنوات على بناء أرضية شعبية عرف الناس من خلالها شخصيات التيار وسمعوا عنه قبل إشهاره، فهو عبارة عن اندماج “كتلة الاستقلال” و”مجموعة عزم” عام 2020.
وفي هذا السياق، أفاد الباحث محمد نور حمدان، مدير مركز مناصحة للدراسات، في حديث لـ”نون بوست”، بأن تشكيل عدد من الحركات والتيارات والأحزاب السياسية يعدّ “نقطة إيجابية”، كونه ينطلق من رؤية وطنية لتجمع جميع أبناء الوطن من جهة، وتستهدف الشباب في الداخل للعمل السياسي والاهتمام بالشأن العام من جهة ثانية، مع وجود وعي ملحوظ بين الشباب أن الفصائل العسكرية لا يمكن أن تحقق ما يطمحون إليه.
وأضاف حمدان أن التشكيلات السياسية تحرّك المياه الراكدة، وتدرّب الشباب على العمل السياسي الذي لا يكون إلا من خلال أجسام منظَّمة يجتمعون فيها، ويعبّرون عن أهدافهم وتطلعاتهم في بناء سوريا حرة، “فبعد 13 سنة من الثورة أصبح عندنا أجيال جديدة يجب العمل عليها سياسيًّا”، موضحًا أن العمل السياسي اليوم يجب أن يكون من الداخل السوري، على اعتبار امتلاكه المرونة والحرية في الحركة أكثر ممّن هو في الخارج.
الفروقات بين التيارات السياسية والمعارضة الرسمية
توجد فروقات كبيرة بين التيارات السياسية والمؤسسات الرسمية المعارضة، حسب حمدان، فالمؤسسات الرسمية تمّ احتكارها من جهات محدّدة، وتمّ حصر العمل فيها من خلال آليات محددة، والمؤسسات الرسمية كالحكومة هي مؤسسة تنفيذية يجب أن تخضع للتكنوقراط والخبرات، خلافًا للأجسام السياسية التي تضمّ الكثير من الشباب في داخلها.
ويرى حمدان أن التشكيلات السياسية ربما لا تستطيع تحقيق أهداف سياسية على المستوى القريب، لأن المسألة السورية في يد دول إقليمية وعالمية، لكنها تعتبَر تحرّكًا مهمًّا، بحيث تستطيع احتواء الشباب السوري وخلق وعي سياسي يؤهّلهم على المستوى البعيد لبناء سوريا المستقبل بعيدًا عن الاستبداد، كما يمكن أن تشكّل عامل ضغط سياسي على مؤسسات المعارضة الرسمية، خاصة مؤسسة الائتلاف التي تُعتبر الممثل الرسمي لقوى المعارضة، وكذلك من واجب الائتلاف دعم هذه التشكيلات السياسية.
دور الائتلاف الوطني
ذكر محمد منير الفقير أن هناك تواصلًا غير رسمي بين التيار ومؤسسات المعارضة الرسمية، وعلاقات شخصية تربط عددًا من قادة التيار مع قادة الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض، فيما أكّد زكريا ملاحفجي أن العلاقة جيدة مع الائتلاف ورئيسه، وأعضاؤه زاروا مضافة الحركة في جرابلس وأخترين والغوز شمال حلب، ودارت نقاشات نُشرت في موقع الائتلاف.
وعن دور الائتلاف، قال عبد المجيد بركات، نائب رئيس الائتلاف، في تصريح لـ”نون بوست”: “إن التيارات السياسية التي تشكّلت منذ اندلاع الثورة السورية العاملة داخل المناطق المحررة وخارجها، هي محط اهتمام الائتلاف والمؤسسات الرسمية، خاصة التي يديرها أعضاء في الائتلاف”، بشرط توافر معايير وطنية وثورية وبرنامج عمل وطني، وقاعدة شعبية من خلالها تمارس التيارات نشاطها السياسي.
وتابع: “بدأنا مؤخرًا تكثيف وتوسيع النشاط مع هذه الأحزاب والتيارات السياسية، من أجل الوصول إلى حالة متجانسة من التواصل والتنسيق معها، كي يكون بيننا مواقف وممارسات سياسية مشتركة، وتعبّر هذه التيارات عن مواقفها السياسية عمومًا وفيما يتعلّق بملف المعارضة الرسمية خصوصًا، ونعمل على توسيع التشاركية السياسية لتشمل كل ناشط أو حزب سياسي خارج مؤسسات المعارضة الرسمية، لتعزيز التمثيل داخل الائتلاف وتعزيز شرعيته”.
وفيما يخصّ الرفض الشعبي للمسؤولين، والخلافات بين التيارات ومؤسسات المعارضة، أفاد بركات بأن التيارات خارج الائتلاف قد يكون لها مواقف ليست متطابقة مع الائتلاف بكثير من النواحي، فمن واجب الائتلاف وغيره من المؤسسات الرسمية تبريره وشرحه، وهذا الأمر يُعطي للائتلاف إمكانية لزيادة التعاون مع الأحزاب والتيارات المختلفة العاملة خارجه، ولها تأثير حضور قوي على الساحة من خلال سماع صوت مختلف ورؤى مختلفة، بالتالي ليس بالضرورة أن تتطابق الرؤى والمواقف بين التيارات السياسية”.
المستجدات السياسية السورية
قال المبعوث الأممي غير بيدرسون، في إحاطته لمجلس الأمن في 21 مارس/ آذار الجاري: “إن المستقبل السياسي لسوريا هو الذي يقرّره السوريون”، لكن الخروج من الأزمة يحتاج إلى مساهمات الجهات الدولية الفاعلة التي تلعب دورًا كبيرًا في سوريا اليوم، وتنازلات من جميع اللاعبين السوريين والدوليين، مشيرًا إلى رفض حكومة الأسد لدعوة الاجتماع في جنيف لعقد الدورة التاسعة للجنة الدستورية، لأن روسيا لم تعد تعتبر سويسرا مكانًا محايدًا.
ويؤكد عبد المجيد بركات أنهم تعاملوا بإيجابية مع كلّ الاقتراحات التي قدّمها المبعوث الأممي لإبقاء الملف السوري حيًّا على طاولة المجتمع الدولي، مضيفًا: “أكدنا على وجود ضغط دولي وأممي على نظام الأسد من أجل تغيير سلوكه تجاه العملية السياسية، وأكدنا على اللاءات الثلاث: لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عنه؛ من أجل تعزيز دور المعارضة في العملية السياسية، وتعزيز دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة”.
وأكمل: “ندرك أن النظام لن يكون إيجابيًّا في العملية السياسية، لأنها تُفضي في النهاية إلى الانتقال السياسي، لذلك يحاول تعطيل العملية السياسية ليس فقط اللجنة الدستورية من أجل كسب الوقت، ويذهب باتجاه التعاطي والتفاوض الثنائي مع الدول من أجل الابتعاد عن الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي تقوم على أساسه العملية السياسية، ونؤكد أن تطبيق القرار 2254 هو الباب الوحيد الذي يفضي إلى الانتقال السياسي وتحقيق السلم الدائم في سوريا”.
يُذكر أن رئيس وفد المعارضة في الجولة الـ 21 من محادثات أستانا، أحمد طعمة، أقرّ بالفشل في إحراز أي تقدّم جديد خاصة في ملف المعتقلين، فيما قال رئيس هيئة التفاوض، بدر جاموس: “نعمل على إبقاء الملف السوري على طاولة الأمم المتحدة، ونطالب بطرحه في مجلس الأمن بحضور هيئة التفاوض، وطرح أسباب عدم التقدُّم بالعملية السياسية، ومن هو المسؤول عن هذا الجمود”.