رغم كمية الأمطار التي هطلت على أنحاء مختلفة من الجزائر شهر أكتوبر الماضي، يعاني هذا البلد العربي من خطر الجفاف الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على قطاعات عديدة في البلاد، خاصة القطاع الفلاحي، حيث يتخوف المزارعون من تواصل تراجع الإنتاج للعام الثالث على التوالي لنفس السبب وهو نقص المياه.
مخاوف جدية
يهدد خطر الجفاف المحدق على الجزائر ما يقارب مليوني فلاح للموسم الثالث على التوالي، حسب العديد من التقارير غير الرسمية، وتعيش الجزائر منذ أشهر حالة من الجفاف عمت عددًا من المحافظات، مما هدد المحاصيل الزراعية بالتلف، وترفض الحكومة الجزائرية إعلان حالة الجفاف في البلاد رغم تجلي ملامحه في عدة ولايات.
ومع استمرار شح تساقط الأمطار يعيش الفلاحون حالة من الإحباط الشديد مع بداية تضرر نشاطهم الزراعي، ويرى خبراء الزراعة في الجزائر أن ناقوس الخطر بدأ يدق وبقوة، مما يستلزم التوجه نحو الحلول الأخرى الممكنة لإنقاذ المحاصيل الفلاحية، وشهد معدل الأمطار السنوي في الجزائر انخفاضًا بنسبة 30% خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يسبب شحًا في المياه وارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي أثر على كل أشكال الزراعة ورعي الماشية.
يبلغ المتوسط السنوي للجزائر من حيث هطول الأمطار 89 ملم
ويعيش الفلاحون في الجزائر حالة إحباط شديد بسبب الجفاف وبداية تضرر زراعتهم، ودعا عدد منهم – خصوصًا بالولايات الغربية والوسطى – إلى وضع لجان متخصصة للوقوف ميدانيًا على الأضرار التي لحقت بهم من أجل الحصول على التعويض، ويبلغ المتوسط السنوي للجزائر من حيث هطول الأمطار 89 ملم، وبلغت الميزانية التي اقتطعتها الحكومة الجزائرية لوزارة الفلاحة في الخطة الخمسية 2015-2019 قرابة 300 مليار دينار سنويًا (4 مليارات دولار)، بعدما لم تتعد عام 2014 عتبة 200 مليار دينار، وذلك لتحريك عجلة القطاع الذي استقرت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 9.8% مع توظيف 2.5 مليون شخص.
التقليل من مخاوف المواطنين
تقلل السلطات الجزائرية من خطر الجفاف المحدق على البلاد، حيث وصف وزير الموارد المائية الجزائري حسين نسيب، أمس الإثنين، نسبة امتلاء السدود بـ”المعتبرة”، وتقدر نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني حاليًّا بـ50% بمنسوب تخزين يقدر بـ3.6 مليار متر مكعب على المستوى الوطني، بما يمكن أن يجعل الجزائر بمنأى عن أزمة مائية – حسب نسيب – ولا تتجاوز نسبة الاعتماد على مياه السدود في الجزائر 35%، في حين تمثل المياه الجوفية 50% ومياه تحلية البحر 15% من مجموع المياه الذي يمون بها الجزائريون.
بلغت نسبة امتلاء السدود 50%
وتحصي الجزائر حاليًّا 75 سدًا بقدرة تخزين أكثر من 8 مليارات متر مكعب، يضاف إليها 11 محطة تحلية لمياه البحر بقدرة تفوق مليوني متر مكعب يوميًا، وكذلك 177 محطة معالجة للمياه المستعملة توجه أساسًا لأغراض فلاحية، ومن المنتظر أن يتعزز هذا القطاع نهاية السنة الحالية بمنشآت مهمة على غرار 5 سدود بطاقة 250 مليون متر مكعب بولايات معسكر والمدية ومسيلة والأغواط وتبسة.
وشرعت مصالح وزارة الموارد المائية الجزائرية مؤخرًا في حفر آبار كبيرة على مستوى محافظات الشرق، على غرار محافظة تبسة وسوق أهراس من أجل تغطيتها بمياه الشرب، وهي المحافظات التي كانت تعتمد على محافظات أخرى في التموين بالمياه، بالإضافة إلى اعتماد نظام الشبكة الكبيرة والذي يقصد به اعتماد نظام لتحويل المياه ما بين السدود على المستوى الوطني.
آثار سلبية
رغم تقليل السلطات الرسمية من خطر الجفاف على البلاد، ترى تقارير إعلامية أن من شأن تواصل هذه الظاهرة المساهمة في عرقلة النمو الاقتصادي للبلاد الذي يشهد بدوره تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، إلى جانب مساهمتها في عرقلة جهود إصلاح القطاع الزراعي.
ومن شأن ارتفاع فاتورة الواردات الغذائية أن يفاقم الإشكالات الاقتصادية لدى الجزائر، وبلغت قيمة واردات الجزائر الغذائية 9.1 مليار دولار في 2016، حسب الإحصاءات التي قدمها ديوان الإحصاء التابع للجمارك الجزائرية، وتستورد الجزائر أكثر من 50% من حاجتها من الحبوب، حسب تصريح الوزير السابق سيد أحمد فروخي، و70% من حاجتها للألبان، وأكثر من 80% من حاجاتها للزيوت الغذائية.
تقدر مساحة الأراضي القابلة للاستغلال الفلاحي في الجزائر – حسب تصريح وزير الفلاحة السابق سيد أحمد فروخي – بأكثر من 42 مليون هكتار
في نفس السياق من المتوقع ارتفاع واردات الجزائر من الحبوب بمختلف أنواعها إلى أكثر من 70% بسبب ضعف الإنتاج لهذه السنة، خاصة في منطقتي الشرق ووسط البلاد، والمرتبطة أساسًا بتأخر وندرة تساقط الأمطار الموسم الماضي، ومن المنتظر أن تواجه الجزائر على مدى الـ5 سنوات القادمة عجزًا في إنتاج الحبوب، من شأنه أن يضطر الدولة لدفع فاتورة استيراد قد تصل إلى 7 مليارات دولار لتغطية احتياجات السوق، ويشغل قطاع الحبوب في الجزائر 25% من إجمالي الفلاحيين في البلاد.
وفي السنة الماضية زادت واردات الجزائر من الحبوب بواقع 11.2% إلى 13.67 مليون طن العام الماضي رغم خطط تقليص الواردات، وهبطت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بواقع 6.33 مليارات دولار إلى 152.7 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي في ظل انهيار أسعار النفط العالمية وانخفاض عائدات البلاد، وتراهن وزارة الفلاحة على زيادة الإنتاج من القمح والشعير إلى 6.7 مليون طن بحلول 2019 ضمن خطة لتقليص واردات الغذاء.
تراجع محصول الحبوب
وشهدت الجزائر خلال شهري آب/أغسطس وسبتمبر/أيلول احتجاجات عارمة بسبب تسجيل نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، ودخل المواطن الجزائري في رحلة بحث عن قطرة ماء يسد بها ظمأه خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، واندلعت الاحتجاجات بشكل كبير في منطقة القبائل ومحافظات غرب وشرق البلاد.
وتقدر مساحة الأراضي القابلة للاستغلال الفلاحي في الجزائر – حسب تصريح وزير الفلاحة السابق سيد أحمد فروخي – بأكثر من 42 مليون هكتار، لكن من أصل 42 مليون هكتار لا يتم استغلال سوى ما نسبته 25% من مجموع الأراضي – وفق الوزير الأسبق – والسبب لا يتعلق فقط بعزوف الفلاحين عن النشاط، بل أيضًا بالجفاف التي تتعرض له مناطق واسعة من الجزائر في فترات منتظمة.