ترجمة وتحرير: نون بوست
وفق الوثائق التي كُشفت حول التحقيق في الملاذات الضريبية في الخارج، تبين أن ملايين الجنيهات من الممتلكات الخاصة للملكة قد استثمرت في صندوق جزر كايمان، كجزء من محفظة الاستثمارات الخارجية التي لم يسبق الكشف عنها. وتظهر الملفات، التي سربت للمرة الأولى، كيف امتلكت الملكة، من خلال دوقية لانكستر، عدة استثمارات من خلال الأموال التي وضعت في مجموعة من الشركات؛ من بينها سلسلة ثراشيرس ذات الامتيازات الملكية الخاصة، ومتاجر برايتهاوس، التي انتقدت بشدة لاستغلالها آلاف الأسر الفقيرة والضعفاء.
حيال هذا الشأن، اعترفت الدوقية بأنه ليس لديها فكرة عن استثمارها لمدة 12 عاما في برايتهاوس إلى حين اقتراب صحيفة الغارديان وشركاء آخرين من مشروع دولي يسمى “أوراق الجنة”. وعلى الرغم من أن الدوقية وصفت حصتها في برايتهاوس بأنها محدودة ولا تكاد تذكر، إلا أنها لم تكشف عن حجم استثمارها الأصلي خلال سنة 2005، الذي تزامن مع انتعاش قيمة الشركة.
تسلط هذه التسريبات الضوء على غياب الشفافية التي كانت مصدر قلق المنتقدين، حيث عبروا عن انزعاجهم من الغموض الأخلاقي للمشاريع التي تنشط في الخارج وطالبوا بتغييرات كبيرة
منذ ذلك الحين، اتهمت شركة برايتهاوس بسوء استغلالها للعملاء، واستخدام تكتيكات بيع مغرية لاستهداف الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية أو صعوبات في التعلم. وفي هذا السياق، أمرت في الشهر الماضي بدفع ما يربو عن 14.8 مليون جنيه إسترليني لتعويض 249 ألف عميل.
من بين أكثر الأسئلة إلحاحا، التي تثير فكر النقاد، لماذا تمتلك الملكة أموالا في تلك الشركات في المقام الأول؟ على ضوء هذا الطرح، تواجه الدوقية أسئلة محرجة حول مقدار الرقابة والإدارة التي ستفرض على استثمارات الملكة المستقبلية، لضمان أخلاقيتها. كما كشفت الدوقية عن وجود استثمارات في “بضعة صناديق خارجية”، إحداها في أيرلندا، ما سيجعها عرضة لضغوط من أجل تقديم تفاصيل عن المكان الذي تحتفظ فيه بالمال.
في الواقع، في حين أن المقاطعة صرحت بأنها لم تحصل على مزايا ضريبية من الاستثمار في الخارج، فإن الكشف عن الشؤون المالية للملكة، التي تعتبر من بين أغنى نساء العالم، من المرجح أن يغذي المجموعات الناشطة في هذا المجال وبعض النواب المطالبين بالتدقيق في الإنفاق الملكي. كما تسلط هذه التسريبات الضوء على غياب الشفافية التي كانت مصدر قلق المنتقدين، حيث عبروا عن انزعاجهم من الغموض الأخلاقي للمشاريع التي تنشط في الخارج وطالبوا بتغييرات كبيرة.
استخدمت الدوقية صناديق الأسهم الخارجية الخاصة المصممة لحماية المستثمرين البريطانيين من الاضطرار إلى دفع الضرائب الأمريكية على ممتلكاتهم
في هذا الإطار، انكشفت تفاصيل صفقات الملكة الخارجية بعد تسريب 13.4 مليون ملف، من شركتين تقدمان خدمات للشركات الخارجية، وقد ظهرت الشركة في 19 ملاذا ضريبيا. كما وردت الوثائق من صحيفة سوديتش تسايتونغ الألمانية، ثم تقاسمتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بشراكة الغارديان والبي بي سي وصحيفة نيويورك تايمز. وتعتبر دوقية لانكستر مجموعة عقارات خاصة هدفها توفير إيرادات هامة للعائلة المالكة، علما بأنها تأسست سنة 1399 وتدير الأراضي والاستثمارات المودعة في صناديق استئمانية للملكة، الذي يحمل أيضا لقب دوق لانكستر.
في سياق متصل، تُبين أحدث الإيداعات من الدوقية أن لديها أصولا بقيمة 519 مليون جنيه إسترليني حتى نهاية شهر آذار/ مارس. كما تقدم “أوراق الجنة” لمحة غير مسبوقة عن الطريقة التي استثمرت بها الدوقية بعض أموالها، بما في ذلك تفاصيل معقدة عن الشركات الخارجية التي لم ترد في البيانات السنوية للأسرة الملكية.
ووفق التسريب نفسه، استخدمت الدوقية صناديق الأسهم الخارجية الخاصة المصممة لحماية المستثمرين البريطانيين من الاضطرار إلى دفع الضرائب الأمريكية على ممتلكاتهم. وقد يواجه المستثمرون، الذين لا يدفعون الضرائب في المملكة المتحدة، فاتورة ضريبية إذا كانوا يستثمرون في أنواع معينة من الأموال في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الدوقية قالت إنها لم تحصل على أي ميزة ضريبية من الاستثمار في جزر كايمان.
إلى جانب ذلك، يمكن أن ترجع الرهانات في ثراشيرس و برايتهاوس إلى الاستثمار وفق إحدى الخطط الآنف ذكرها من قبل الدوقية خلال سنة 2005. وتظهر الأوراق أنها متعهدة لصندوق دوفر ستريت 6 كايمان بمبلغ 7.5 مليون جنيه إسترليني. كما أصبحت الدوقية شريكا محدودا في المخطط في نفس الوقت، ذلك أن صندوق دوفر ستريت 6 كايمان يغذي صندوقا أمريكيا آخر، الذي يستثمر في رأس المال المجازف وصناديق الأسهم الخاصة في جميع أنحاء العالم.
اضطرت شركة برايتهاوس إلى تغيير طريقة فحصها لتمويل عملائها قبل منحهم القروض، وذلك للحفاظ على ترخيص ائتمان المستهلك
من هذا المنطلق، تظهر الرسائل التي عثر عليها بين أوراق الجنة، كيف أن أموال الدوقية تتدفق من خلال صناديق مختلفة، حيث ينتهي الأمر. وكان مديرو شركة دوفر ستريت يحددون ما يحتاجونه من نقد، ويضعونه نيابة عن المستثمرين. وفي رسالة تعود لشهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2007، فسر المديرون انه كان لهم مصلحة في مؤسسة أسهم خاصة تسمى “فيجن كابيتال بارتنرز”، حيث كان صندوق دوفر ستريت من بين 27 شركاء محدودين يجرون الاستثمارات.
بالإضافة إلى ذلك، توضح الرسالة أن هذا الصندوق “شكلته شركة فيجن كابيتال بارتنرز للحصول على محفظة استثمارية من عند اثنين من تجار التجزئة في المملكة المتحدة”. ثم قبل شهرين من الآن، اشترت شركة فيجن كابيتال بارتنرز برايتهاوس وثراشيرس. وفي هذا الإطار، تبين أن الاستثمار في فيجن كابيتال بارتنرز من صندوق دوفر ستريت كان من بين العديد من المطالب البيّنة للمديرين لتوفير التمويل، الذي طلب بفضله من الدوقية المساهمة بمبلغ 450 ألف دولار (344 ألف جنيه إسترليني)، ويعادل هذا ستة بالمائة من تعهدها المالي.
بناء على ذلك، يبدو أنها تلقت المساهمة بعد دفع مبلغ ضئيل من الضرائب قيمتها 0.4 بالمائة (أي ما يعادل 1505 دولار)، وقد عوضت المبلغ أثناء تقديم الدفعة التالية للصندوق. في السابق، نفت برايتهاوس، التي تمتلك أكثر من 270 متجرا في جميع أنحاء المملكة المتحدة، ادعاءات تتعلق بشبهات في عملها فيما اتهمت النقاد بسوء تمثيل الأعمال. في المقابل، خضعت هذه الشركة لتحقيق من قبل “سلطة السلوك المالي”، التي صرحت بدورها أن الشركة المقرضة ليست المسؤول.
أفاد كريس أدكوك بأن “المستثمرين ملتزمون بتمويل الصندوق لفترة معينة دون أن يكونوا طرفا في قرارات المؤسسة الاستثمارية الجارية”
على خلفية ذلك، اضطرت شركة برايتهاوس إلى تغيير طريقة فحصها لتمويل عملائها قبل منحهم القروض، وذلك للحفاظ على ترخيص ائتمان المستهلك. وقد خفضت برايتهاوس فاتورة الضرائب من خلال قرض كبير لشركة قابضة بلوكسمبورغ.
وفق تحاليل برايفت آي، حققت الدوقية خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2007 و2014 إيرادات مقدارها 1.6 مليار جنيه إسترليني، وأرباحا تشغيلية بلغت 191 مليون جنيه إسترليني، ولكنها دفعت أقل من ستة ملايين جنيه إسترليني من ضريبة الشركات. وفي هذا الإطار، أورد المسؤول المالي في الدوقية، كريس أدكوك، لصحيفة الغارديان أنه لم يكن على علم بالإجراء غير المباشر الذي قامت به شركة برايتهاوس.
بخصوص هذا الشأن، أفاد كريس أدكوك بأن “المستثمرين ملتزمون بتمويل الصندوق لفترة معينة دون أن يكونوا طرفا في قرارات المؤسسة الاستثمارية الجارية”. كما تكشف “أوراق الجنة” أنه من خلال نفس الاستثمار غير المباشر، استثمرت أموال الملكة في ثراشيرس قبل أن تصبح تحت تصرف الحكومة في سنة 2009.
ردا على سؤال حول ما تملكه الدوقية في الخارج، أجاب أدكوك أن الدوقية “تستثمر في صندوق مقره أيرلندا”، لكنه رفض تقديم المزيد من التفاصيل. وفي بيان ثان، اعترفت الدوقية بأنها “تدير عددا من الاستثمارات بعضها في صناديق مالية خارجية. وأن كل استثماراتها تخضع للتدقيق والمشروعية القانونية”.
والجدير بالذكر أن الدوقية لم تقدم تفاصيلا دقيقة عن حجم مساهمتها الأصلية خلال سنة 2005، أو ما تم صرفه منذ ذلك الحين. ولعل هذا ما صرحت به في هذا الصدد: “تم شراء استثمار ستريت دوفر سنة 2005، مع العلم أنه يشكل 0.3 بالمائة فقط من القيمة الإجمالية للدوقية، بينما كانت استثمارات الدوقية في برايتهاوس عبر طرف ثالث وتقدر بنحو 3.208 جنيه إسترليني”.
أورد أدكوك أن الدوقية استردت حصتها في الصندوق سنة 2010، إلا أن استثماراتها في صندوق دوفر ستريت سيستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، بيد أنه تم بيع جميع أصول الصندوق.
في هذا السياق، أكد أدكوك أن الدوقية استثمرت خمسة مليون جنيه إسترليني في صندوق عائد يوبيل المطلق، الذي يستثمر في المحفظة الوقائية. وكان مقر الصندوق في برمودا لحظة تأسيسه في شهر حزيران/ يونيو من سنة 2004، ثم انتقل إلى غيرنسي سنة 2006.
في البداية، سعى مدير صندوق فوشيير بارتنرز إلى التأكد من أنه لن يخضع للضريبة على دخله أو أي مكاسب في برمودا حتى سنة 2016. ويدير هذا الصندوق، الذي استثمرته مجموعة من الجمعيات الخيرية وصناديق التقاعد، مدير آخر. وتمت إعادة تسميته بصندوق عائد بيرمال المطلق. ولكن، لم تكشف التسريبات ماهية الأموال التي حصدتها الدوقية من خلال العمل وفق هذه الآلية. وفي هذا صدد، أورد أدكوك أن الدوقية استردت حصتها في الصندوق سنة 2010، إلا أن استثماراتها في صندوق دوفر ستريت سيستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، بيد أنه تم بيع جميع أصول الصندوق.
في شأن ذي صلة، أكد أدكوك “لسنا على علم بالمزايا الضريبية التي تتمتع بها الدوقية من خلال الاستثمار في الصناديق الخارجية، إذ تستند سياسة الدوقية الاستثمارية على المشورة والتوصيات من مستشارينا الاستثماريين وتخصيص الأصول، عوض الإستراتيجية الضريبية”.
في بيان لها، صرحت برايتهاوس أنها تتوافق مع جميع اللوائح الضريبية ذات الصلة وتدفع الضرائب الواجبة كاملة وفي الوقت المحدد. كما قالت “نحظى بمكانة جيدة بين عملائنا، لأننا نساعد هؤلاء المستبعدين ماليا على أساس دخلهم المنخفض أو سوء تاريخهم الائتماني، في الحصول على الأشياء اليومية التي لم يكن من الممكن الحصول عليها”.