رغم مهادنة صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام للاستفزازات اليومية المستمرة منذ نصف العام الحاليّ من الحوثيين حليفهم في الحرب، فإن الأمور تتفاقم، وهذا يشير إلى أن الحوثيين يسيرون في خططهم نحو القضاء على حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
ذلك الخلاف الذي بات علنيًا ولا يخفى عن أحد سواء في الداخل اليمني أو خارجه، قد يغير مسار الحرب اليمنية الدائرة منذ ما يزيد على ألف يوم، فرغم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية الكبيرة بين الحوثيين وصالح، فإن الطرفين متحالفان ضد التدخل العسكري الذي تقوده السعودية دعمًا لرئاسة عبد ربه منصور هادي.
في 21 من أكتوبر، أعلن إعلاميو وناشطو حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، انسحابهم من اتفاق التهدئة الإعلامية مع جماعة “الحوثي” الذي استمرت لأكثر من شهر، بعد أزمة حقيقية، تحول بموجبها إلى عداء صريح، وصل إلى ذروته في واقعة اغتيال خالد زيد الرضي نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الحزب، يوم السبت 26 من أغسطس الماضي، خلال اشتباكات وقعت في منطقة جولة المصباحي في العاصمة اليمنية صنعاء، بالقرب من نقطة تفتيش أمنية تابعة للحوثيين.
وجاء إعلان إعلاميي المؤتمر، بعد يوم واحد من هجوم عنيف شنته وسائل إعلام مختلفة حوثية على علي عبد الله صالح، ووصفته بالخائن والجبان الذي يريد مغادرة البلاد، ردًا على حديثه عن دعوته إلى روسيا للمشاركة في ندوة تخص محاربة الإرهاب.
وتبادل الفريقان رسائل (بعث بها أمين عام المؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا، ورد عليه صالح الصماد رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى)، بالاتهامات بالتقصير وعدم تنفيذ الاتفاق المبرم بين الحليفين قبل عامين.
المؤتمر الشعبي العام يسعى للتخلص من شراكته مع الحوثيين، لكنه ينتظر من يده إليه، سواء من القوى السياسية اليمنية أو دول الجوار، لا سيما الإمارات العربية المتحدة أو المملكة السعودية
قراءة لرسالة المؤتمر الشعبي
الرسالة التي بعث بعها الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا، إلى قيادة الحوثيين، أراد أن يوضح بها للحوثيين أن السياسة لا تدار بالمليشيا، وإنما بالقانون والدستور.
الرسالة أوضحت نقطة مهمة، وهي أن المؤتمر متحالف مع الحوثيين فقط للضرورة رغم اختلاف الأيدلوجيات والتوجهات السياسية، وهو ما كنا نتحدث به أكثر من موضوع الاتفاق الحوثي مع المؤتمر الشعبي العام.
وأوضحت الرسالة كذلك، مدى استغلال الحوثيين للسلطة والحرب في اليمن، لتثبيت دعائم حكمهم والسيطرة الكاملة على اليمن، وأن المؤتمر يعلم ذلك، لكن ليس وقت الاختلاف في الوقت الحاليّ وعلى الحوثيين أن يلتزموا لمواجهة عدوهم الخارجي، لكنهم مستمرون بإصرار في الاستحواذ على اليمن دون غيرهم.
من خلال الرسالة أيضًا، فالمؤتمر الشعبي العام يسعى للتخلص من شراكته مع الحوثيين، لكنه ينتظر لمن يمد يده إليه، سواء من القوى السياسية اليمنية، أو دول الجوار، لا سيما الإمارات العربية المتحدة أو المملكة السعودية، لكن ذلك يعتمد على جدية دول التحالف في تهيئة الحل السياسي في البلاد المنكوبة منذ ما يزيد على ألف يوم، لا بمحاولة إحداث انشقاق في الجبهة الداخلية، وإنما بالتحالفات بطرق مباشرة أو غير مباشرة، لأن محاولة إحداث الانشقاق بين المتحالفين لم تفلح لكونهما يدركان أنهما المستهدفان في وقت واحد.
قراءة لرسالة الحوثيين
رد الحوثيون برسالة بعثها صالح الصماد رئيس المكتب السياسي للجماعة، وسأل الصمّاد بعد أن تجاهل عارف الزوكا في الرسالة عن: “أي شراكة صورية تتحدثون عنها وأنتم المعطلون لدور المجلس السياسي الأعلى والحكومة، نحن أيضًا لا يشرفنا البقاء في مسؤولية صورية تعجز عن إصلاح أبسط الإصلاحات”.
استغل الحوثيون تحالفهم مع صالح في صمودهم الحربي، وغرس ثقافتهم المذهبية وتكوين حاضنة شعبية، ويسعون إلى تقليص دور علي عبد الله صالح في الحياة السياسية
في كلّ الأحوال تظهر رسالة الصمّاد التي جاءت ردًا على رسالة صادرة عن عارف الزوكا الأمين العام لحزب “المؤتمر” رغبة في الاستيلاء على كلّ مؤسسات الدولة، وحاول أن يحمل أخطاء المؤتمر الشعبي العام، لكن مفرادتها كانت واضحة، إنهم لا يرغبون بالشراكة مع المؤتمر الشعبي العام إلا لغرض معين، وهو السيطرة على مختلف مؤسسات الدولة، ومن ثم استغلال شعبية صالح لدى الجيش اليمني والحرس الجمهوري للمشاركة في القتال الدائر في اليمن.
يكفي للتأكد من ذلك شكوى المسؤول الحوثي من عدم استيعاب عناصر “اللجان الشعبية” في المؤسسات الحكومية ووزارات الدولة “مكافأة” على ما قامت به هذه العناصر من حماية لمؤسسات الدولة، رغم أن هذا مخالف لعقيدة الجيش اليمني الذي يرفض أن يكون بين أفراده مليشيا مذهبية، لكن من الواضح أن ما يريده الحوثيون من دمج للمليشيا التابعة لهم بالدولة القضاء نهائيًا على ما بقي من مؤسسات في اليمن لا أكثر.
واستغل الحوثيون تحالفهم مع صالح في صمودهم الحربي، وغرس ثقافتهم المذهبية وتكوين حاضنة شعبية، ويسعون إلى تقليص دور علي عبد الله صالح في الحياة السياسية، فهم يعتبرون أن القضاء على علي عبد الله صالح أو المؤتمر الشعبي العام قد يقوي موقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية، لكنهم مخطئون في ذلك، فالقضاء على حليفهم يقوي من إصرار التحالف العربي، أن لاذمة ولا عهد مع الحوثيين، وعلى كل لو بمقدور الحوثيين التخلص من صالح لن يترددوا لحظة واحدة في ذلك.
وتولى صالح الصمَّاد، الذي كان رئيسًا للمكتب السياسي لجماعة أنصار الله، رئاسة المجلس في الـ6 من أغسطس 2016، وتسلم السلطة من اللجنة الثورية العليا رسميًّا، بالقصر الجمهوري في صنعاء، في الـ15 من أغسطس 2016.
وفي الـ4 من يوليو الماضي، أقر المجلس التمديد للصماد ونائبه القيادي في حزب المؤتمر قاسم لبوزة، لدورتَيْن رئاسيتَيْن جديدتين، فيما كان من المقرر أن يتم نقل رئاسة المجلس إلى لبوزة.
من غير المرجح نشوء مواجهة بين الحوثيين وصالح، لكونهما يعلمان يقينًا، أن توجيه أسلحتهما إلى بعض، يخدم عدوهما المشترك، وحتى لو حدثت مثل تلك المواجهة، فمن غير المرجح أن تكون النتيجة لصالح الرياض
في هذا الإطار، يبدو أن الحوثيين انتقلوا إلى الخانة التالية من مخططهم للسيطرة على اليمن، أو على أقل تقدير، التمكُّن من المساحات الحاليّة التي يسيطرون عليها، بالشكل الذي يحقق مستهدفات داعميهم في طهران، والتي لا يعنيها بحال مستقبل اليمن ولا وحدته، وإنما فقط تمكين حلفائهم على الأرض، بالصورة التي تخدم مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، تمامًا مثل الضاحية الجنوبية في بيروت، ومناطق الجنوب اللبناني، في حالة حزب الله.
ليس من المصلحة كما يطالب البعض صالح بأن ينسحب بحزبه وقواته من التحالف مع الحوثيين، لأن بقاء صالح في هذا التحالف برغم مخاطر ذلك عليه هو شخصيًّا، الضامن الوحيد بألَّا ينفرد الحوثيون بالمناطق، أو تحقيق هدفهم الأسمى بالدخول في صراع مفتوح علني مسلح مع الحرس الجمهوري، لتقويض قدراته بما يحقق أهداف الحوثيين!
الاستفادة من الخلاف بينهما
من أجل الاستفادة من التوترات بين الحوثيين وصالح، على الرياض أن تدعم عملية سياسية وتوافق على تعليق العمليات العسكرية وتتخلى عن الإغراء المتمثل في الانتظار ببساطة إلى أن يوجه خصومها أسلحتهم ضد بعضهم البعض.
في الواقع، من غير المرجح نشوء مواجهة بين الحوثيين وصالح، لكونهما يعلمان يقينًا، أن توجيه أسلحتهما إلى بعض، يخدم عدوهما المشترك، وحتى لو حدثت مثل تلك المواجهة، فمن غير المرجح أن تكون النتيجة لصالح الرياض، إذ يمكن للحوثيين أن يلحقوا الهزيمة بالمؤتمر الشعبي العام أو يمكن ينتصر المؤتمر الشعبي العام، وهو ما قد يلخبط أوراق السعودية في استمرارها للحرب على اليمن، أو يمكن تنتشر الحرب الأهلية إلى المرتفعات، مما سيمنح المزيد من التسهيلات للتدخل الإيراني ولتوسّع القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
على النقيض من ذلك، إذا قام السعوديون – بالشراكة مع دول إقليمية مثل عُمان وبدعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة الخاص – برعاية مبادرة سلام واقعية، فإن المسؤولية ستقع على الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام كي يقبلوا بها، خشية التسبب بدرجة أكبر من المعاناة وربما زعزعة استقرار المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
من شبه المؤكد أن المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح سيقبل العرض، مما سيضع المتشددون الحوثيون في موقف حرج إذا رفضوه، الأمر الذي سيغير الديناميات السياسية وقد يمهد الطريق للتوصل إلى تسوية، أو إذا أرادت الرياض مثلًا حسم المعركة عسكريًا، وإن كان ذلك صعبًا في الوقت الحاليّ، نتيجة للخبرة الميدانية التي استفاد بها الحوثيون من عاصفة الحزم، على المملكة العربية السعودية أو التحالف، الاتفاق مع صالح بطرق مختلفة للقضاء على الحوثيين، إما عسكريًا أو سياسيًا، من خلال دعم الحرس الجمهوري عسكريًا للقضاء على الحوثيين، لكن هذا لن يأتي بسهولة، فقد يسبقه زمن لمحو الأفكار التي يعمل الحوثي على زرعها في ثقافة اليمني.