أثار قرار اعتقال عدد من كبار رجال الأعمال السعوديين كجزء من الحملة التي شنتها الرياض بدعوى مكافحة الفساد والتي شملت قرابة 11 أميرًا وما يزيد على 38 من كبار أصحاب رؤوس الأموال في المنطقة بأسرها، العديد من التساؤلات عن مستقبل الاستثمارات السعودية داخل المملكة وخارجها خلال الفترة القادمة.
الاستثمارات المملوكة للأسماء التي تضمنتها حملة الاعتقالات وعلى رأسها الأمير الوليد بن طلال وصالح كامل والوليد الإبراهيم مالك مجموعة mbc وخالد الملحم المدير العام لشركة الخطوط الجوية السعودية السابق وبكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن ومحمد العمودي، تعد العصب الأساسي للاقتصاد السعودي فضلاً عن نفوذها الخارجي، ومن ثم جاء القرار بمثابة الصدمة ليس للسوق السعودية وحدها بل للأسواق الإقليمية والدولية على حد سواء.
حالة من القلق والترقب تخيم على أجواء منظومة الاستثمار داخل المملكة بعد “حملة التطهير” التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان، السبت الماضي، كما وصفتها الصحف العالمية التي أشارت إلى أن ما حدث سيكون له تداعيات اقتصادية سلبية ربما تحتاج إلى فترة طويلة للتشافي منها.
إلى أين تذهب أموالهم؟
تزامن قرار اعتقال الأسماء المتهمة بقضايا فساد مع خطوات أعلنت السلطات السعودية اتخاذها تضمنت إحكام السيطرة على روؤس أموالهم ومنعهم من التصرف فيها، حيث ذكرت السلطات في المملكة أنها ستقوم بتجميد الحسابات المصرفية للشخصيات التي أوقفت في المملكة، وإعادة أرصدتهم إلى الخزينة العامة للدولة.
كما كشف وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عواد بن صالح العواد في تصريح له لوكالة الأنباء السعودية “واس” أن مصادرة أموال المعتقلين “سيكون لها أثر إيجابي كبير على أبناء المملكة بإعادة الأموال المنهوبة من دون وجه حق للاستفادة منها في مشاريع التنمية وإعادة عشرات الملايين من أمتار الأراضي المستولى عليها بغير وجه حق للاستفادة منها في حل مشاكل الإسكان”، على حد تعبيره.
وتقدر قيمة رؤوس أموال المعتقلين من رجال الأعمال والأمراء في مذبحة السبت الماضي وفق بعض المصادر الاقتصادية ما بين 2 – 3 تريليون ريال سعودي، فضلاً عن الأصول العقارية والتي قد تصل بحسب البعض إلى تريليون ريال آخر.
هبوط حاد في البورصات العربية
انعكس قرار الاعتقال على البورصات الخليجية بصورة واضحة، خاصة أن كبرى الشركات العاملة في البورصة مملوكة لبعض الأسماء التي شملتهم هذه الحملة، فبعد ساعات قليلة من تداول الخبر هبطت البورصة السعودية بنسبة 2.2%، قبل أن تتراجع تلك الخسائر في وقت متأخر مع اقتراب انتهاء التداول لتصل إلى نسبة 1.3% قبل أن ينتهي مرتفعًا بـ0.3% مدعومًا على حد قول أحد مديري الصناديق بتدخل صناديق حكومية بشكل متعمد لدعم السوق.
وبالتبعية، شهدت البورصات الخليجية موجة من السقوط والانزلاقات الحادة وإن كانت بنسب متفاونة، حيث انخفضت بورصة دبي بمعدل 1.14%، في حين هبطت بورصة أبو ظبي بوتيرة أقل، إذ بلغت نسبتها 0.37%، كذلك تراجع مؤشر بورصة الكويت بنسبة 1.33%، كما طال الهبوط البحرين، لكنها كانت الأقل تأثراً، فانخفض المؤشر العام لبورصتها بنسبة 0.15%.
وفي قطر، هبط مؤشر بورصة الدوحة بنسبة 0.6%، في حين نجحت بورصة مسقط في تجاوز الخسائر التي تلقتها في بداية التداول، لتغلق على ارتفاع بنسبة 0.31%، كما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بنسبة 1%، مع تراجع سهم مجموعة طلعت مصطفى للتطوير العقاري 4.3% في تداول مكثف.
هبوط حاد في البورصات الخليجية بعد ساعات من قرار الاعتقال
اعتقال الأمير الوليد بن طلال من شأنه أن يضعف الاهتمام الدولي بالاستثمار في رؤية ولي العهد لعام 2030 التي جعلت من القطاع الخاص غير النفطي المحرك الجديد للاقتصاد
“وول ستريت” تتأثر
يبدو أن تداعيات مذبحة الأمراء لم تقتصر على البورصات الخليجية والعربية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى البورصات العالمية وعلى رأسها بورصة “وول ستريت” الأمريكية، وهو ما كشفته شبكة “بلومبرج” خلال تقرير لها تناولت خلاله على سبيل المثال تأثير اعتقال الوليد بن طلال على سوق الاستثمارات الدولية.
التقرير كشف النقاب عن الأضرار التي ستقع على بعض الشركات العالمية مثل “تويتر” و”سيتي جروب” و”آبل”، على خلفية الاتهام الذي لحق بابن طلال والذي بسببه بات رهن الاعتقال، إذ إنه يملك أسهمًا في كل من تلك الشركات، وغيرها من الشركات العاملة في البورصة الأمريكية.
ويتصدر ابن طلال قائمة الأثرياء العرب، إذ تقدر ثروته بـ17.3 مليار دولار محتلاً بها المرتبة الـ41 في لائحة أثرياء العالم، وتعد مجموعة “المملكة القابضة” المملوكة له واحدة من أكبر الشركات التي تملك استثمارات في مختلف أنحاء العالم، إذ إنها تشارك في ملكية عدد من الفنادق والمنشآت السكنية والتجارية على مستوى السعودية مثل برج المملكة في جدة الذي يزيد ارتفاعه على ألف متر ويشغل مساحة 5.3 ملايين متر مربّع تقريبًا، ومشروع أرض المملكة في الرياض.
وتملك المجموعة – وفق ما أوردته على موقعها الإلكتروني على الإنترنت – حصة في عدد من الشركات الأخرى منها شركة المركز التجاري المحدودة، المالك الوحيد لمركز المملكة، أحد أبرز المعالم العمرانية في مدينة الرياض، ويتكون من ناطحة سحاب أيقونية من 99 طابقًا تضمّ سوق المملكة التجاري وفندق فور سيزونز الرياض وغيرها، كذلك شركة الاستثمارات العقارية، المالك الوحيد لمدينة المملكة، وهي مجمع سكني على الطراز الغربي في مدينة الرياض، هذا بخلاف شركة مشاريع الخدمات الطبية التي تمتلك مستشفى المملكة والعيادات الاستشارية في الرياض، إضافة إلى حصة كبيرة في شركة مدارس المملكة، وهي من بين أكبر المدارس الخاصة في السعودية.
وخارجيًا تشارك المجموعة في ملكية بعض الشركات الإقليمية والمؤسسات الدولية منها مجموعة صافولا، وهي تكتّل لشركات موادّ غذائية، تنشط في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى في مجالات الوجبات السريعة وزيوت الطهي والسكّر، كذلك حصة في مصرف “كريدي أغريكول” الفرنسي البالغة 16.2% من أسهم البنك السعودي الفرنسي مقابل 1.5 مليار دولار.
علاوة على ذلك تشمل محفظة المجموعة في قطاع الخدمات المصرفية والمالية مجموعة سيتي غروب إحدى أكبر المؤسسات المصرفية العالمية، والتي بدأت الشركة الاستثمار فيها منذ عام 1991، وحصصًا في مشروعات وشركات مثل كناري وارف في لندن وبالاست نيدام، وهي شركة إنشائية وهندسية هولندية شاركت في العديد من مشاريع البنية التحتية في الشرق الأوسط.
توقيت حملة الاعتقالات التي قادها محمد بن سلمان ضد نخبة الاقتصاديين السعوديين وكبار المستثمرين في الخارج، يضع المملكة في حرج داخلي وخارجي في آن واحد، قد يؤثر ذلك على وضعها الاقتصادي مستقبلاً
وعلى مستوى الفنادق أسست المجموعة شركة المملكة للاستثمارات الفندقية، حيث استثمرت في علامات تجارية فندقية مثل فور سيزونز وفيرمونت ورافلز وسويسوتيل وموفنبيك، إضافة إلى ذلك تملك المجموعة حصصًا في 22 عقارًا في 15 بلدًا، بما فيها 20 فندقًا ومنتجعًا عاملاً، وفندقان قيد الإنشاء، من بينها فندق بلازا، في نيويورك وسافوي لندن وفور سيزونز جورج الخامس باريس.
كما تعد المجموعة شريكًا أساسيًا في موقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر”، كما تمتلك حصة كبيرة في شركة (Jingdong Inc) إحد أكبر شركات التجارة الإلكترونية في الصين، إضافة إلى حصة كبيرة من الأسهم في شركة ساكس، الشركة القابضة التي تضم متاجر ساكس فيفث أفنيو نيويورك، وساكس دوت كوم وغيرها من امتيازات البيع بالتجزئة، وهو نفس الوضع في مواقع عالمية شهيرة مثل إيباي (Ebay) وإيه أو إل (AOL) وأبل (apple) وموتورولا (Motorola).
تداعيات سلبية لاعتقال ابن طلال على الأسواق العالمية
فقدان الثقة لدى المستثمرين
لا ينمو الاستثمار إلا داخل بيئة مستقرة ومناخ من التوازن والشعور بالأمان في آن واحد، ومن ثم فإن ما حدث ليلة السبت الماضي كان بمثابة الصدمة، لها تداعياتها السلبية على المستثمرين داخل السعودية، الحاليين منهم والراغبين مستقبلاً، وهو ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز”.
الصحيفة في تقريرها الذي جاء تعليقًا على حملة التطهير الأخيرة توقعت أن اعتقال شخص بحجم الوليد بن طلال مثلاً سيهز ثقة المستثمرين في المملكة في الوقت الذي تحاول فيه تنويع اقتصادها والخروج من تحت عباءة النفط، مشيرة إلى أنه يمتلك شركة “المملكة القابضة” الاستثمارية، ويعد من أغنى الناس في العالم بتملكه أسهم كبيرة في نيوز كورب وسيتي غروب وتويتر وشركات أخرى معروفة، كما يمتلك شبكات تليفزيونية فضائية في العالم العربي، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على المستثمرين بصورة عامة.
تداعيات مذبحة الأمراء لن تقتصر على البورصات الخليجية والعربية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى البورصات العالمية وعلى رأسها بورصة “وول ستريت” الأمريكية
وهو نفس ما ذهبت إليه صحيفة “فايننشال تايمز”، التي أشارت في تقرير لها أمس أن اعتقالات السبت التي قادها ولي العهد السعودي بثت حالة من عدم اليقين بين المستثمرين الذين يخشون من توسع الحملة ضد قادة الأعمال في المملكة، مشيرة على لسان مصرفيين أنه رغم أن الانكماش الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية قد أدت بالفعل إلى هروب رؤوس الأموال من المملكة على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن هذه التطورات الأخيرة ستسرع وتيرة التدفقات الخارجة من السوق.
وقد نقلت الصحيفة عن خبراء قتصاديين تخوفاتهم من تداعيات هذه الإجراءات التي تسير عكس عقارب الاقتصاد العالمي، حسبما جاء على لسان ديفيد أوتاواي، من مركز ويلسون في واشنطن، الذي قال: “اعتقال الأمير الوليد بن طلال من شأنه أن يضعف الاهتمام الدولي بالاستثمار في رؤية ولي العهد لعام 2030 التي جعلت من القطاع الخاص غير النفطي المحرك الجديد للاقتصاد”.
بينما حذر برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون، من خطورة وضع كبار رجال الأعمال في المملكة رهن الاعتقال، موضحًا أن هذا الإجراء “سيرعب القطاع الخاص، وربما يكون هناك نزوح للأموال أكثر من ذي قبل، ومعظم البيروقراطيين مذعورون الآن، وهو أمر له ما يبرره”، وهو ما أشار إليه أيضًا رضا آغا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى “في تي بي كابيتال” خلال تفسيره لما حدث كونه ربما يخلق استبعاد أكثر الأجنحة قوة في العائلة المالكة السعودية ومواطنين أقوياء، لهم جميعًا أنشطة أعمال كبيرة، ومزيدًا من العقبات أمام النمو من خلال الاقتصاد غير النفطي.
توقيت حملة الاعتقالات التي قادها محمد بن سلمان ضد نخبة الاقتصاديين السعوديين وكبار المستثمرين في الخارج، يضع المملكة في حرج داخلي وخارجي في آن واحد، قد يؤثر ذلك على وضعها الاقتصادي مستقبلاً، إذ إنها جاءت في الوقت الذي تسعى فيه لبيع أسهم شركة “أرامكو” النفطية الحكومية، في أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ، حيث تعتزم بيع نحو 5% من أسهم الشركة العام المقبل كجزء من خطة الإصلاح التي وضعها ابن سلمان ويعتقد بعض المحللين أن الشركة يمكن أن تكون قيمتها تريليوني دولار.
كذلك جاءت بعد أيام قليلة من إعلان مشروع “نيوم” خلال المؤتمر الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي والذي كان يستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية والتعاون مع القطاع الخاص لتنفيذ هذا المشروع الإقليمي الضخم الذي تتجاوز قيمته الأولية 500 مليار دولار.
ربما يكون هناك نزوح للأموال أكثر من ذي قبل، ومعظم البيروقراطيين مذعورون الآن، وهو أمر له ما يبرره
اعتقالات السبت تهدد صفقة بيع بعض أسهم شركة “أرامكو”
ماذا بعد؟
كواليس حركة البيع والشراء داخل البورصات الخليجية والعربية بعد ساعات من تناقل خبر الاعتقال تكشف الكثير من ملامح الصورة مستقبلاً حال استمر الوضع على ما هو عليه، فالزلزال المفاجئ الذي أحدثه ابن سلمان ليلة السبت الماضي أحدث حالة من الارتباك للمشهد السياسي والاقتصادي في آن واحد.
ويمكن تفسير الهبوط الشديد الذي أصاب البورصات صباح الأحد وما تلاه إلى موجة البيع الكبيرة التي نتجت عن حالة خوف وإرباك وصدمة أصابت المستثمرين المحليين والأجانب، إثر هذه الحملة، ويتوقع أن تتراجع معدلات هذا الهبوط بعد تدخل الحكومة في عمليات البيع والشراء لإحداث حالة من التوازن بهدف تطمين المستثمرين.
لكن خبراء المال والاقتصاد يشيرون إلى أن استمرار التوترات السياسية التي تشهدها السعودية سواء كان ذلك داخليًا من خلال صراع العروش بين ولي العهد والمعارضين لخلافته لوالده والتي يتوقع أن تطول لفترات قادمة، أو خارجيًا كما يحدث في اليمن ومؤخرًا لبنان ربما ينعكس سلبًا على الاقتصاد السعودي بصورة كبيرة مع استمرار معدلات التراجع وهو ما سيكون له تداعيات أكثر خطورة على الخريطة السياسية الداخلية.