سيكولوجيًّا، يُعدّ الغضب موضوعًا معقّدًا، مثله مثل العديد من العواطف والانفعالات الأخرى، كما يحمل العديد من التعريفات المختلفة، لعلّ أبسطها أنه استجابة طبيعية وتلقائية لانفعالات داخلية تحدث عندما لا يشعر الفرد بحالةٍ جيّدة، أو حين يشعر بالرفض أو التهديد أو الخوف أو الإحباط أو الألم، ولهذا غالبًا ما يميل الكثير من علماء النفس للتعامل معه على أنّه عاطفة ثانوية، نظرًا لأنه ينتج عن عاطفةٍ أخرى أو شعورٍ آخر في معظم الأحيان.
الحقيقة هي أن الغضب قد يكون “طبيعيَا”، فهو رد فعل اجتماعيّ شائع على الأذى والإهانة، إلا أنّ كونه طبيعيًّا لا يجعله أبدًا جيدًا بالنسبة لنا. فليس كلُّ ما هو طبيعيّ أو فطري يُعتبر أمرًا مقبولًا أو جيّدًا للإنسان، السموم على سبيل المثال هي أيضا طبيعية إلا أنها بحكم التعريف قاتلة. الأمراض مثل السكريّ والسرطان تُعتبر أيضًا طبيعية، إلا أنّ أثرها سلبيّ على الإنسان.
لذلك فالطريقة الأمثل للتعامل مع الغضب هو فهمه، ومحاولة معرفة أصله وأسبابه وكيفية التحكم به وتمييزه عن الشعور بالأذى أو الإهانة أو الألم أو الإحباط.
قد يخلق الغضب لدى الفردِ إحساسًا بالسُلطة والتحكّم والتفوّق على الآخرين
وبكلمات أخرى، يغلب على الغضب كونه عاطفةً بديلةً، أيْ أنّنا في كثيرٍ من الأحيان نميل للتعبير عن أنفسنا بالغضب حتى لا نضطر للتعبير عن ألمنا أو عن خوفنا على سبيل المثال، فنحن نعتقد أنه من الأفضل لنا أنْ نُظهر غضبنا على أنْ نظهر ألمنا للغير، وهذا قد يحدث بوعيٍ منا أو دون وعي.
قد يكون السبب وراء ذلك أنّنا نبحث عن طريقةٍ للهرب من الاعتراف والتعامل مع مشاعرنا الحقيقية والتي قد تكون مؤلمة، وبالتالي نلجأ للغضب لتحويل الانتباه وإزالة التركيز عن الذات وأفكارها وعواطفها ومشاعرها إلى التركيز على شيءٍ أو أحدٍ آخر، وهذه بالنهاية وسيلة إلهاءٍ يسعى إليها الفرد كي يحمي ذاته ونفسه مؤقتًا من مشاعره المؤلمة أو غير المرغوبة، فأن تبدو غاضبًا يمكن أن يساعدك على إخفاء حقيقة ألمك أو خوفك أو ضعفك أمام الآخرين.
لنلق نظرة على بعض الأمثلة. عندما ينشأ الغضب بين الأزواج، يكون الشعور في كثير من الأحيان مزيج من الخوف من الفقدان أو الألم الناتج عن خيبة الأمل من الطرف الآخر، وبما أنّ المعلومات التي تتوافر لدى العقل البشريّ غالبًا ما تكون غير مرتبة أو غير كافية للوصول إلى استنتاجٍ صحيح وحلٍ للمشكلة، ينشأ الغضب. أيْ أنّ عدم اليقين وكفاية المعلومات يلمس “المجهول”، الذي يُعتبر مخيفًا بالنسبة لمعظم الأشخاص.
كما قد يخلق الغضب لدى الفردِ إحساسًا بالسُلطة والتحكّم والتفوّق على الآخرين، وهذا كلّه لا يمكن عكسه حينما يعبّر الفرد عن ألمه مثلًا. فعندما تكون غاضبًا تتواجد لديك أسبابك الحقيقية التي قد تجعلها علّاقةً ومبرّرًا لمشاعر غضبك وردات فعلك، وبالتالي يصبح أسهل لعقلك التعامل مع الموقف مقارنةً فيما لو لم تحوّل مشاعرك إلى غضبٍ وسخط.
وهذا كلّه يرتبط بطريقةٍ أو بأخرى باحترام الذات والسعي لنيْل ذلك، فأنتَ حينما توجد لنفسك مبرّرًا لمشاعرك وعواطفك وتصنّفها كغضب، فسيكون الأمر مرضيًا أكثر أمام ذاتك من أنْ تعترف بألمها وضعفها وعجزها، لكنْ المشكلة تكمن في أنّ الغضب أساسًا لا يؤدي إلى نهاية مشاعر الضعف، أو التخفيف من الألم مثلًا، وإنما قد يخلق مشاكل جديدة على المستوى الفردي والاجتماعيّ.
يصبح الغضب مشكلةً عندما يخلق المتاعب والمشاكل مع الآخرين من حولك، ومع عملك، أو صحتك، أو حياتك اليومية أو القانون والبيئة التي تعيش فيها
هناك العديد من النظريات التي حاولت تفسير الغضب البشريّ، منها النفسية والاجتماعية والتطورية والتاريخية وغيرها. وقد يكون أعمّها نظرية “الإحباط – الغضب” التي تفترض أننا نغضب عندما نشعر بخيبات الأمل والإحباط، أي عندما تخيب رغباتنا وأهدافنا وتوقعاتنا، فالأشياء لا تحدث دائمًا بالطريقة التي نريدها، والناس لا يتصرفون دائمًا بالطريقة التي نعتقد أنها يجب أن تكون. كما يرتبط عادة مع مشاعر سلبية أخرى أو يستجيب لها. فقد تشعر بالضرر أو الخوف أو الإحباط أو القلق أو الإحراج أو الإحباط، ولكن قد تعبر عن كلّ هذه الأنواع من المشاعر بالغضب، الذي يمكن أن ينتج أيضًا عن سوء الفهم أو سوء الاتصال بين الأشخاص.
ولعلّ هذا التفسير هو الأنسب لإسقاطه على سبب غضب الأفراد حيال الأمور أو الأوضاع العامة، سواء واقعيًّا أو على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. يوفّر الإنترنت للأفراد تيّارًا مستمرًّا للأخبار والمعلومات والقصص التي قد تكون مُحبِطة لهم أو غير مقبولة، ما يجعلهم في حالة غضب دائمة ومستمرة، ولإنه من الصعب فعل أيّ شيء حيال ذلك الإحباط في معظم تلك الأحيان، فإنّ الغضب قد يتحوّل لأشكال أخرى من العنف أو يتمّ التعامل معه بصورٍ مختلفة، مثل الإساءة والسباب واستخدام الكلمات البذيئة وغيرها الكثير.
يعتقد البعض بأنّ تنفيس الغضب يعود بالفائدة على أنفسهم. هذا صحيح نوعًا ما، فالضغط يولد الانفجار بالنهاية، وعدم التعبير عن مشاعرك والسماح لها بالظهور سيكون له عواقب وخيمة في لحظةٍ ما، لكنّ الأمر يجب أنْ يكون خاضعًا للرقابة والتحكّم الذاتي الذي يمكنك البدء في معالجة القضايا التي تجعلك غاضبًا.
يصبح الغضب مشكلةً عندما يخلق المتاعب والمشاكل مع الآخرين من حولك، ومع عملك، أو صحتك، أو حياتك اليومية أو القانون والبيئة التي تعيش فيها. وهو أيضًا مشكلة عندما يبدأ الآخرون من حولك بالخوف منك، أو يشعرون أنهم لا يستطيعون التحدث معك أو التعامل معك، أو عدم اعتراضك خوفًا من ردات فعلك.
لذلك ينبغي على كلّ فرد معرفة كيفية إدارة غضبه، أي فهم الغضب الخاص به، ولماذا يحدث، وتعلم أفضل الطرق للتعبير عنه بشكلٍ معقول ومتوسط، ومحاولة معرفة كيفية منع حدوثه قبل كلّ شيء، وهذا الأمر لا يأتي بسهولة، وإنما يحتاج كثيرًا من الوعي والإدراك والممارسة والتدرّب.