ترجمة وتحرير: نون بوست
أمرت لجنة مكافحة الفساد برئاسة الأمير، محمد بن سلمان بإلقاء القبض، يوم السبت 4 من تشرين الثاني/ نوفمبر، على أحد عشر أميرا وأربعة وزراء حاليين والعشرات من الأعضاء السابقين في الحكومة. وفي الأثناء، تعتزم المملكة ترسيخ “عهد جديد مبني على سياسة الشفافية والوضوح والمسؤولية”، وذلك وفقا لما ذكره وزير المالية السعودي، محمد الجدعان. ويبقى السؤال المطروح: ماذا تخفي عملية التطهير هذه من معطيات حول السلطة السعودية؟ وقد بادر المراسل العالمي في بيروت، بنجامين بارت، بالإجابة على أسئلة متصفحي الإنترنت فيما يتعلق بهذه العملية غير المسبوقة.
مجهول: هل هناك صلة بين الاعتقالات والأحداث الأخرى التي جدت في عطلة نهاية الأسبوع، أي استقالة الحريري والضغط فجأة على حزب الله وإيران؟
بنجامين بارت: شكليا، تصب كل هذه الأحداث في مصلحة تعزيز قوة ولي العهد الطموح، ابن الملك سلمان، محمد بن سلمان. على الصعيد الداخلي، وبتعلة مكافحة الفساد، قام بن سلمان بالإطاحة بخصومه المحتملين من الأمراء، على غرار الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني السعودي السابق، كما قام بتدمير ثلة من الإمبراطوريات الاقتصادية الكبرى، مثل مجموعة بن لادن السعودية، عملاق البناء. وعلى الصعيد الإقليمي، وتحديدا في لبنان، سعى ولي العهد السعودي للتخلص من رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حيث يعتبر أنه يفتقر للحزم فيما يتعلق بمواقفه تجاه حزب الله وإيران. وفي كلتا الحالتين، يعمل بن سلمان على تهيئة الأرضية المناسبة لفرض سلطته.
ماري: على أي أساس تم القبض على هؤلاء القادة؟ وما الذي ينتظرهم؟
في الواقع، لم تصرح المملكة بالكثير، في حين أخذت قائمة المعتقلين تنكشف شيئا فشيئا، وذلك عبر عملية تحقق وتتبع لمختلف الشائعات. وفيما يتعلق بالتهم الموجهة إليهم، يعد هذا الجانب أكثر غموضا، فباستثناء التهمة العامة الموجهة لهم أي “الفساد”، لم تعلن السلطة السعودية على أي تفاصيل أخرى. وفي الوقت ذاته، لم تؤكد المملكة سوى أنه سيتم مصادرة الأموال المختلسة وإعادتها إلى خزائن الدولة.
يعد الفساد في المملكة العربية السعودية بمثابة آفة حقيقية، حيث تنتشر المعاملات القائمة على دفع الرشاوى، وذلك من خلال تضخيم قيمة العقود العمومية، ولا سيما في مجال الدفاع.
بان: هل ستقام محاكمة علنية للعرض بهدف تمرير رسالة للعموم؟
في الحقيقة، لا شيء مؤكد في هذا الصدد. فقد يتمكن بعض المعتقلين من الإفلات من العقاب عن طريق دفع غرامة بسيطة، في حين قد يختفي البعض الآخر بشكل قسري، داخل السجون السعودية.
سيباستيان: هل يجب أن نفسر هذا التطهير على اعتباره خطوة هامة نحو الانفتاح والاعتدال في السعودية تلبية لرغبات الأمير بن سلمان، أو على العكس، مجرد خطوة للإطاحة بخصومه الرئيسيين؟
مما لا شك فيه أن بعض الشخصيات التي تم القبض عليها قد تورطت بالفعل في عمليات مشبوهة. فعلى سبيل المثال، قد يدفع وزير الاقتصاد السابق وأمين مدينة جدة، عادل فقيه، ثمن الكارثة التي انجرت عن الفيضانات التي ضربت المدينة في سنة 2009، والتي أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص. في الحقيقة، تشوب شبكة إدارة المياه في جدة العديد من المشاكل والنقائص بشكل ملحوظ. وقد تطرقت السلطات السعودية لهذه الفضيحة إبان إعلانها، يوم السبت، عن تشكيل لجنة مكافحة الفساد.
على العموم، يعد الفساد في المملكة العربية السعودية بمثابة آفة حقيقية، حيث تنتشر المعاملات القائمة على دفع الرشاوى، وذلك من خلال تضخيم قيمة العقود العمومية، ولا سيما في مجال الدفاع. بناء على ذلك، تستحق النوايا التي أبداها ولي العهد السعودي الثناء. ولكن المشكلة في هذا الصدد تتمثل في أن حملة “الأيادي النظيفة” لمكافحة الفساد في السعودية تحيل إلى أنها ذات طابع انتقائي، حيث يسعى بن سلمان ووالده للتخلص من معارضيهم وخصومهم المحتملين، نسجا على منوال بوتين في روسيا. في المملكة العربية السعودية، تمتزج أموال كل الأمراء الخاصة بالمال العام. فخلال السنة الماضية، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن ولي العهد السعودي قد اقتنى يخت بقيمة 500 مليون دولار، ومن الواضح أن لا أحد في المملكة العربية السعودية قد تجرأ على أن يستفسر بشأن مصدر هذه الأموال.
يعتبر المجتمع السعودي فتيا جدا، حيث أن 70 بالمائة من السكان تحت سن 30، والغالبية العظمى من هذه الفئة العمرية تؤيد إصلاحات بن سلمان
أرجونا باريس: على خلفية هذه الأحداث، هل يمكن أن نفهم أن ولي العهد السعودي مجرد سياسي “معتدل” زائف، وانتهازي ومغرور؟
في الواقع، يعد محمد بن سلمان مصلحا حقيقيا وزعيما مستبدا في الآن ذاته، حيث تجسد قراراته وشخصيته كلا الجانبين. ومن وجهة نظره، يقتصر الإصلاح على المجال الاجتماعي والاقتصادي، في حين يبدو أنه مستعد لمحاربة رجال الدين الوهابيين. وقد شرع محمد بن سلمان بالفعل في تنفيذ جملة من الإصلاحات من خلال السماح للنساء بالقيادة. وفي سبيل تحقيق ذلك، استفاد ولي العهد من نفوذ والده، الملك سلمان الذي لطالما جمعته علاقات جيدة للغاية مع الدوائر المحافظة. في المقابل، لا يعتزم محمد بن سلمان إدخال تحويرات سياسية في صلب إدارته، كما لا ينوي إلغاء عقوبة الإعدام أو رفع الرقابة على وسائل الإعلام أو العفو عن سجناء الرأي، فالتعددية لا تهمه. كل ما يطمح له بن سلمان يتمثل في قيادة برنامج إصلاحي للبلاد والسلطة، لا يتسامح مع أي عقبات تعترض طريقه.
من الرياض: هل يعني ذلك أن الملك سيتنازل عن السلطة لصالح ابنه خلال حياته؟
وفقا لبعض المصادر، من المرجح أن يتخلى الملك سلمان قريبا عن السلطة لصالح ابنه، حيث تقدم به العمر وأصبحت حالته الصحية متدهورة للغاية. بالنسبة لمؤيدي هذه الفرضية، سيطرأ هذا التحول بمجرد أن يحصل بن سلمان على الشرعية والقوة الكافية، خارج نطاق حماية والده. ولكن مصادر أخرى تعتقد أنه من المستبعد أن يوافق الملك سلمان على استبعاده بهذه الطريقة.
القارئ رقم 4: هل تعتقد أن ردة فعل منبثقة عن عقلية محافظة أو حتى إسلامية يمكن أن تبرز وتطيح بكل مخططات الأمير، على الرغم أو بسبب هذا “التطهير” الجذري؟
هناك احتمال وارد بوقوع ذلك، ولكنه ضعيف. في الواقع، يعتبر المجتمع السعودي فتيا جدا، حيث أن 70 بالمائة من السكان تحت سن 30، والغالبية العظمى من هذه الفئة العمرية تؤيد إصلاحات بن سلمان. فقد أبدى الشباب السعودي قبوله لرؤية ولي العهد فيما يتعلق بمجتمع أقل تشددا وأكثر حداثة مع خلق المزيد من الفرص للترفيه. في المقابل، يقود المتطرفون معركة في الخفاء.
أعربت فرنسا عن “استيائها” من استقالة سعد الحريري، الذي يعتبر حليفا تاريخيا لها
غلبو: هل يمكن أن تؤدي حملة التطهير إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب، الذين يسعى محمد بن سلمان لإغوائهم على اعتبار أنهم جزء من رؤية السعودية 2030؟
أساسا، يكمن العائق الرئيسي أمام الاستثمارات في المملكة العربية السعودية في محدودية المعلومات المالية. فعلى سبيل المثال، من المستحيل الحصول على السجل التشغيلي والمالي لإحدى الشركات الكبرى في المملكة. في الأثناء، لا تمثل الاضطرابات المصاحبة لحملة التطهير مصدر إزعاج بالنسبة للمستثمرين، وذلك وفقا لبعض رجال الأعمال والاستشاريين والمحللين الماليين، السعوديين والأجانب على حد سواء، الذين تحاورت معهم اليوم. في الحقيقة، توجد مجالات ضخمة للاستثمار في البلاد، خاصة في مجال الدفاع والبنية التحتية، في حين لا تستطيع المجموعات الدولية الكبرى أن تتخلى عن مثل هذه العقود.
رفائيل: هل تحظى حملة التطهير في السعودية بدعم دولي؟
من جهتها، أعربت فرنسا عن “استيائها” من استقالة سعد الحريري، الذي يعتبر حليفا تاريخيا لها. في الوقت ذاته، اتسم بيان الخارجية الفرنسية بالحذر الشديد، حتى لا تسيء باريس للمملكة العربية السعودية، على اعتبارها شريكا لا غنى عنه. ولكن من الواضح أن باريس تأسف لحادثة الحريري. من ناحية أخرى، لم تعلن أي ردود فعل أخرى على المستوى الدولي ولا أعتقد أن أي جهة خارجية قد تبادر بالتنديد بما يحدث، حيث تعتبر هذه المسألة جزءا من الشئون الداخلية السعودية.
فوبار: هل توجد صلة بين الزيارة الأخيرة لصهر ترامب، جاريد كوشنر، وما يحدث في المملكة؟
على العموم، تطرقت الصحافة الأمريكية لهذا الأمر ولم تتوان عن الربط بين الحدثين. ولكننا سنعرف حقيقةً في الأيام القادمة إذا ما قام محمد بن سلمان وجاريد كوشنر بمناقشة الأعمال المشتركة بين الدولتين وضرورة محاربة الفساد أم اتفقا على خطة عمل على نطاق أوسع.
المصدر:لوموند