شاع بريق محمد دحلان في الشرق الأوسط، وأحيانًا في مناطق أخرى، كرجل الإمارات الأول، بل اليد اليُمنى لولي العهد محمد بن زايد، في رسم سياسات المنطقة وإدارة أزماتها. تنوعت مهام دحلان في الدول العربية، غير أن هدفه كان واحدًا، وهو صياغة السياسات وفقًا لطموح السياسة الإماراتية التي ترمي إلى إعادة بناء شرق أوسط ما بعد “الربيع العربي” بناءً على تقليم النفوذ السياسي والاجتماعي للتيارات الإسلامية.
في مصر، كان بداية التحرك الفعلي لدحلان، حيث يُشار إلى لعبه دورًا قويًا في دعم ثورة 30 يونيو/حزيران، عبر دعم وتدشين منظومة إعلامية قوية ودعم حركة تمرد، وفي ليبيا، يشار لدحلان على أنه المدير الأول لملف دعم حليف أبو ظبي هناك خليفة حفتر، من خلال دعمه ضد المليشيات الإسلامية الفاعلة في غرب البلاد، فضلًا عن توطيد علاقاته مع قيادات سابقة من نظام القذافي مثل محمد إسماعيل والملياردير حسن طاطانكي وأحمد قذاف الدم.
ولا يخفى دوره الفاعل في تونس، من خلال تشييد علاقات قوية مع قيادات من النظام السابق واليسار المعارض لحركة النهضة الإسلامية، وعلى رأسهم رفيق الشلي الذي يُعرف كمسؤول سابق في الداخلية خلال حقبة زين العابدين بن علي ويرأس اليوم حزب مشروع تونس، بالإضافة إلى محسن مرزوق الذي عمل سابقًا مستشارًا للرئيس الباجي قايد السبسي.
ذكرت صحيفة يني شفق التركية أن دحلان سيكون ممثلًا عن حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي السوري” الذي يسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا
سوريًا، بداية ظهور الدور الملموس لدحلان في الملف السوري كانت بحضوره لمؤتمر تأسيس “تيار الغد”، مطلع مارس/آذار 2016، في القاهرة، وبحضور ممثل عن السفارة الروسية في القاهرة، ومحمد دحلان، وبتعريف الجربا التيار على أنه “تيار ديمقراطي يشجع الاحتلاف ودولة اللامركزية المُحاكية للنظام الفيدرالي”، ظهرت للسطح تفسيرات عدة مفادها أن تيار الغد سيلعب دورًا أساسيًا في صياغة رؤى الحل السوري وفقًا للطموحات الإماراتية أو الخليجية التي ترمي إلى تخفيف حدة هيمنة التيار الإسلامي على المعارضة السورية، وحل الأزمة السورية من خلال التوافق على إبقاء النظام السوري لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، والتنسيق مع روسيا بعيدًا عن السيطرة التركية شبه الكاملة على فصائل المعارضة العسكرية وتياراتها السياسية، والتحالف مع الأكراد لمجابهة النفوذ التركي المتنامي في سوريا.
وفي وجود “قوات النخبة” التابعة “لتيار الغد” في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، وفي تولي التيار مسارات التهدئة في ريف دمشق والريف الشمالي في حمص، دليل واضح على تطبيق التيار لرؤيته الموضحة أعلاه.
وفي سياق دخول محمد دحلان على خط عملية تسوية القضية السورية باسم الإمارات العربية المتحدة، ذكرت صحيفة يني شفق التركية ـ المقربة من مركز القرار في أنقرة ـ أن ما يُجريه دحلان من اجتماعات مع بعض فصائل أو شخصيات المعارضة، كتيار الغد ورندا قسيس الذي يرغب دحلان، بتفويض من الإمارات، في تعيينها بمنصبٍ مهم في سوريا، يأتي في إطار تعيينه ممثلاً دبلوماسيًا من الإمارات التي اتفقت مع روسيا على ذلك.
وادعت الصحيفة أن دحلان سيكون ممثلًا عن حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي السوري” الذي يسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا.
وبمشاركة المعارضة المعروفة رندا قسيس زعيمة حركة المجتمع التعددي السورية، على حسابها في تويتر صورة تجمعها مع دحلان في 16 من أكتوبر/تشرين أول الحاليّ، مع إشارتها إلى أن الصورة تعود إلى سبتمبر/أيلول، دلالةُ واضحةُ على تنسيق دحلان لعملية تسوية للقضية السورية عبر التوافق مع روسيا التي أكدت قسيس أن دورها، أي دور روسيا، مهم عبر عدة وسائل إعلام، لا سيما في لقائها ضمن برنامج الاتجاه المعاكس الذي يُبث عبر قناة الجزيرة، في 22 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وفي سياق الإفصاح أكثر عن الاجتماع الذي جرى مع دحلان، أشارت المعارضة السياسية السورية في تصريحها لنون بوست، أن الاجتماع الذي حضرته ومحمد دحلان جاء في سياق تلبية دحلان للدعوة التي وجهها له المركز الفرنسي للعلاقات السياسية والخارجية الذي يترأسه زوجها، مبينةً أن المركز المذكور استضاف حتى الآن العديد من السياسيين ورؤوساء الدول، لذا كان من الطبيعي جدًا استضافة “السيد” محمد دحلان، كونه سياسيًا فلسطينيًا بارزًا لعب دورًا أساسيًا في عملية المصالحة التي جرت أخيرًا بين حركتي فتح وحماس.
وتابعت موضحةً أن الحديث تمحور بشكل أساسي حول التطورات الحاليّة في الشرق الأوسط، والتطرق إلى كيفية صياغة معادلة سياسية جديدة في سوريا، يمكن من خلالها التكيّف مع الإدارة الأمريكية الجديدة والتغيرات الحاليّة في المنطقة.
وبحسب قسيس، فقد تناول الاجتماع إمكانيات بناء شرق أوسط يسوده السلام، وتناول أيضًا تبادل لوجهات النظر بين الأطراف المجتمعة بشأن القضية السورية، غير أنها تحفظت على إبداء تصريحات تتعلق بالمستقبل، مُرجعةً ذلك إلى احتمال أن تكون سابقة لآونها.
وفيما يتعلق باحتمال أو إمكانية تنسيق تيار الغد مع دحلان، نفى الناطق الرسمي لتيار الغد أحمد أقبيق، بشكل قاطع، تنسيق التيار مع دحلان، مبينًا أن التيار ينسق مع دول مختلف بشكل مباشر وليس عبر وسيط، موضحًا أن الأسئلة الخاصة بدور دحلان يتم الإجابة عنها من دحلان نفسه وليس تيار الغد، وأن التيار يعمل مع العديد من الدول على رأسها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشكل متوازن، وعلى أسس المصالح المشتركة، مبينًا أن الدول كافة، بما فيها الدول الإقليمية، ربما ما عدا إيران، تتبنى المسار السياسي بحسب بيانيّ جنيف وفيينا وقرار مجلس الأمن 2254، بما فيها وحدة الأراضي السورية.
تحاول الإمارات اللعب في سوريا وفقًا للموجة الجيبية التي تعني الكمون في البداية، ولكن النشاط في النهاية، حيث عملية حسم الملفات
وفي السياق ذاته، أشار عبد السلام نجيب عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري، أن علاقة التيار مع الإمارات “استراتيجية”، وجيدة مع الأردن والمملكة العربية السعودية، منسجمًا مع رؤية أقبيق في ضرورة التفاوض مع الروس كقوة مُهيمنة في سوريا.
وفي وصف العلاقة مع الإمارات يتضح جلّيًا أن التيار سيلعب دورًا مهمًا في عملية التسوية السياسية، كما لعب ذلك الدور في عمليات المصالحة بين النظام السوري وقوات المعارضة في ريف دمشق وشمال حمص، وهذا ما يؤكده نجيب الذي ألمح إلى أن التيار يقبل بأي دبلوماسي، سواء أكان محمد دحلان أو غيره.
يأتي بمبادرة أو خريطة طريق من جهة رسمية إن كانت من مؤسسات المجتمع الدولي أو وزارة خارجية دولة ما، حيث يتم دراسة بنود تلك المبادرة في الأمانة العامة والمكتب السياسي، وإن كانت تشمل هذه المبادرة حلًا سياسيًا يضمن وقف القتل وتحقيق الحد الأدنى من مطالب الثورة والشعب السوريين، كتحقيق عملية انتقال سياسي وضمان الحريات وفصل السلطات، فالتيار يقبله.
وأضاف نجيب أن التيار يتطلع لمستقبل جديد لسورية، يكون خاليًا من منظومة الحكم الحاليّة وعلى رأسها الأسد، مبينًا أن مفاوضات جنيف التي يقبلها التيار في حين كان هناك ضمانات دولية، طرحت أصلًا بقاء الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، ومتابعًا أن التيار لا يقبل بأي طرح لا يشمل تغيير منظومة الحكم الحاليّة بالكامل.
في المحصلة، محمد دحلان رجل دبلوماسي وأمني بارع في ترويض وإدارة ملفات الفصائل المسلحة، وإن كان قد وقع التوافق عليه بين الإمارات وروسيا، رغم عدم اتضاح الأمر إلى حد الآن، فالسبب الأساسي في ذلك براعته، وعلى ما يبدو، تحاول الإمارات اللعب في سوريا وفقًا للموجة الجيبية التي تعني الكمون في البداية، ولكن النشاط في النهاية، حيث عملية حسم الملفات.