قد لا يغير انقلاب الحركة البطيئة في السعودية شيئاً – وقد يغير كل شيء – في المملكة الصحراوية. تمخضت سلسلة غير مسبوقة من الاعتقالات نهاية الأسبوع الماضي عن الزج بأمراء ووزراء سابقين وكبار رجال الأعمال وراء القضبان الذهبية لفندق من فئة الخمسة نجوم.
في تلك الأثناء فتحت جبهة جديدة ضد خصم قديم هو إيران من خلال الترتيب لاستقالة رئيس الوزراء اللبناني تماماً كما أن جبهة قديمة سعرت نيرانها بصاروخ موجه. خلال ويبقى حاكم الدولة الصحراوية القمعية هو الملك سلمان الذي يعاني من الشيخوخة والمرض. يستمد الملك شرعيته من سلالته: فهو ابن مؤسس الدولة، وكان التقليد السائد هو انتقال منصب الملك من الشقيق إلى الشقيق حسب ترتيب الأعمار. وفي النظام الملكي المستبد تعتبر كلمة الملك نهائية.
إلا أن السلطة تُعرف بالأفعال، وإذا اعتبرنا ذلك مقياساً فلا يوجد في المملكة العربية السعودية اليوم سوى رجل واحد يأمر وينهى، إنه ولي العهد محمد بن سلمان. وإذا ما وصل إلى العرش، فسيكون هذا الشاب البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً أول من يكسر قبضة السعوديين الأكبر سناً على الدولة التي أسسها كبير العائلة.
ولي العهد محمد بن سلمان شاب صغير تنقصه الخبرة ويتسم بالعدوانية. تشهد سياسته الخارجية غير الراشدة، والتي كانت عواقبها وخيمة في اليمن وسوريا وقطر، على نزقه وتسرعه في صناعة القرار. وها هو الآن يسعى للإخلال بالتوازن الحساس بين القوى اللبنانية. أعداء محمد بن سلمان هم نفسهم أعداء أبو ظبي: الإخوان المسلمون وإيران.
في الوقت الذي اتخذت فيه قرارات بخفض الميزانية وتقليص الإنفاق ذهب الملك يبدد مائة مليون دولار على رحلة استجمام قضاها في المغرب بينما اشترى نجله قارباً يقدر ثمنه بخمسمائة مليون دولار
وأفضل أصدقائه على الساحة الدولية فيما يبدو هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي وجد وقتاً أثناء قيامه بجولة آسيوية ليغرد بأنه يوافق محمد بن سلمان فيما اتخذه من إجراءات، واستغل الفرصة لكي يشجع السعودية على عرض أسهم شركة النفط الوطنية التابعة لها في بورصة نيويورك. إلا أن محمد بن سلمان أثبت أنه ماكر وشرس في نفس الوقت، حيث بادر بإسكت كل من يختلف معه سواء في أوساط رجال الدين أو داخل الحيز الضيق المتاح للمجتمع المدني السعودي. وفي نفس الوقت الذي يحرم فيه المواطنون من حقوقهم المدنية، توجه محمد بن سلمان نحو منح الإناث حق قيادة السيارات. وبذلك يمنح ولي العهد القليل ولكنه يأخذ الكثر في المقابل.
تبدو الاعتقالات الأخيرة بلا أدنى مواربة ذات دوافع سياسية. فقد كُلف ولي العهد بترأس هيئة لمكافحة الفساد لديها الصلاحيات للقيام بالاعتقال ومصادرة الأموال التي نجمت عن الفساد. وشملت حملة الفساد التي شنت في نهاية الأسبوع ثلاثة من أغنى أغنياء البلد. والظاهر أن هذه مجرد محاولة للتخفيف من السخط الشعبي بسبب استشراء الفساد بعد أعوام قليلة من حكم الملك سلمان شهد فيها السعوديون تقليصاً لما تمنحهم إياه الدولة من أعطيات.
ورغم أن البدلات والمكافآت أعيد صرفها هذا العام إلا أن الشعور بأن الرشوة انتشرت كالوباء وباتت تهدد البلاد بأسرها لم يتبدد إطلاقاً. ويذكر في هذا الصدد أن المملكة العربية السعودية، والتي هي أكبر منتجي النفط في العالم، تأتي في ذيل قائمة الدول من حيث شفافية الميزانية الحكومية، ولا أحد يعرف بالضبط كم من المال يصرف على الدولة.
توجه إلى الدائرة الداخلية في العائلة الملكية الحاكمة تهم باختلاس كميات هائلة من المال العام. في هذه الأثناء يعيش فرع آل سلمان من العائلة في حالة من البذخ. وفي الوقت الذي اتخذت فيه قرارات بخفض الميزانية وتقليص الإنفاق ذهب الملك يبدد مائة مليون دولار على رحلة استجمام قضاها في المغرب بينما اشترى نجله قارباً يقدر ثمنه بخمسمائة مليون دولار. ولذلك تثار أسئلة مشروعة حول ما إذا كان بإمكان من يداه ملطختان أن يكون مؤهلاً للقيام بالتنظيف.
ما يتجلى من سلوك ولي العهد يعبر عن رغبة في اللجوء إلى الأساليب الاستبدادية والتخلص من إشراك النخبة السعودية في عمليات صناعة القرار جماعياً كما كان معهوداً من قبل. إن من الأفضل للبلاد أن تشهد المزيد من السياسة التي تتجاوب مع التطلعات الشعبية، وإن من مصلحتها أن تطور اقتصاداً ديناميكياً متحرراً من الاعتماد على النفط. إلا أن ولي العهد مازال بعيداً عن إظهار الجدية في السعي لإنجاز هذه الأمور بدلاً من الانشغال بتكريس نفوذه وشق طريقه دون أن ينازعه أحد نحو المنصب الأعلى في الدولة.
المصدر:الغارديان