من جديد، تعود الصواريخ الباليستية إلى صدارة عناوين الحرب المستمرة في اليمن بعد أكثر من عامين ونصف من إطلاق حملة التحالف العربي بقيادة السعودية، لكن هذه المرة تقترب فيها المسافة أكثر من العاصمة السعودية (الرياض).
ورغم أن الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون، مطلع الأسبوع الحاليّ، لم يسفر عن خسائر في الأرواح، فتداعيات وصوله للعاصمة السعودية تتجاوز دوي الانفجار الذي خلفه في الأجواء وعلى الأرض، ومثلما تتبع الزلازل هزات ارتداديه حتمًا سيكون للباليستي تداعيات سياسية وعسكرية أيضًا.
ثمة تساؤلات يفرضها هذا التطور عن مدى قدرة الحوثيين الصاروخية الفعلية، وكذلك الرسائل السياسية والعسكرية التي تحملها القدرات الصاروخية للحوثيين من تهديدات للعاصمتين الرياض وأبو ظبي، وصولًا إلى الأسباب التي وصلت بعاصفة الحزم في اليمن إلى هذه النقطة المقلقة.
السعودية في مرمى الباليستي الحوثي
منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، كانت “الصواريخ البالستية”، على رأس أهداف عمليات التحالف، الأمر الذي جعل من معسكراتها المعروفة شرق وجنوب غرب صنعاء، هدفًا لعدد كبير من الضربات الجوية، في الأشهر الأولى على نحو خاص، لكن الحوثيين والموالين لصالح، تمكنوا في وقت لاحق، من إعادة الصواريخ وأطلقوا حتى اليوم 78 صاروخًا باليستيًا تجاه السعودية منذ بدء الحرب، وفقًا للمتحدث الرسمي للتحالف العقيد تركي المالكي.
ورغم أن الأرقام المعلنة ليست دقيقة مقارنة بالحوادث المتتالية، فهذه المرة تشكل تهديدًا غير مسبوق باتجاه المدن السعودية، حيث وصلت هذه المرة الصواريخ الباليستية إلى مطار الملك خالد الدولي (مطار مدينة الرياض)، ومع ذلك، تنشر وسائل الإعلام السعودية، أن الدفاعات الجوية السعودية اعترضتها أو سقطت في أماكن بعيدة، رغم أن الصاروخ الأخير سقطت شظاياه في حرم مطار الرياض، وأعلن الحوثيون في تصريح منسوب لمصدر في “القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية” (مسلحي الجماعة وحلفائها)، أن الصاروخ الباليستي “بركان إتش2” أصاب هدفه بدقة عالية.
جاء التصعيد بالصواريخ باتجاه الطائف بعد أيام من إعلان “جماعة أنصار الله” أنها أطلقت صاروخًا “بركان إتش2” بعيد المدى باتجاه منطقة ينبع النفطية، في 22 من يوليو/تموز الماضي، وهو الصاروخ الذي اعتبرته تقارير أمريكية تطورًا غير مسبوق
وخلال الأشهر القليلة الماضية، شكلت الصواريخ الباليستية للحوثيين تهديدًا مباشرًا، حتى وصلت إلى داخل المدن السعودية، فقد سبق أن أطلق الحوثيون العديد من الصواريخ التي يطلقون عليها “بركان” (سكود)، كان أبرزها صاروخ باليستي في مايو/أيار الماضي، باتجاه الرياض، سبق زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى العاصمة السعودية بيوم واحد، لكنه أُسقط على مسافة مئتي كيلومتر من العاصمة.
وأعلن الحوثيون، في يوليو/تموز الماضي، إطلاق عدة صواريخ بالستية، باتجاه قاعدة الملك ابن عبد العزيز الجوية، في مدينة الطائف السعودية، فيما أعلن التحالف أن قواته الجوية اعترضت صاروخًا بالستيًا أطلقته المليشيات باتجاه مكة، مضيفًا أنه “جرى اعتراضه فوق منطقة الواصلية بمحافظة الطائف، أي على بعد 69 كيلومترًا من مكة، من دون وقوع أي أضرار”.
إلى ذلك، جاء التصعيد بالصواريخ باتجاه الطائف بعد أيام من إعلان جماعة أنصار الله أنها أطلقت صاروخًا “بركان إتش2” بعيد المدى باتجاه منطقة ينبع النفطية، في 22 من يوليو/تموز الماضي، وهو الصاروخ الذي اعتبرته تقارير أمريكية تطورًا غير مسبوق، وبأنه حلق بمسافة تصل إلى 930 كيلومترًا داخل السعودية، وفقًا لتقرير سابق لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، وقال الحوثيون حينها إن الصاروخ أصاب هدفه بدقة عالية وألحق أضرارًا بالغة بالمنشآت النفطية في ينبع.
ما وراء الباليستي الحوثي
الحوادث السابقة وغيرها الكثير والكثير تشير إلى ما أعلنه الحوثيون بشأن تدشين “مرحلة ما بعد الرياض” في استهدافهم للأراضي السعودي، فبعد أشهر من بدء عمليات التحالف، انهمرت الصواريخ الباليستية التي لا يعرف أحد قدرتها الفعلية، والحال هذه أن يشعر السعوديون بالاستفزاز فما عاد حدهم الجنوبي وحده ما تستبيحه صواريخ الحوثيين وحلفائهم.
ذلك ربما ما أراده مطلقو الصاروخ الأحدث دليلاً على إخفاق لتدخل عسكري قادته السعودية في اليمن في مارس من عام 2015، ولعلهم يريدونه أيضًا دليلاً على أن المليشيا اليمنية راكمت قوة نوعية قادرة على تصدير الحرب إلى قلب عواصم دول التحالف العربي.
التطور الجديد يحمل أيضًا العديد من الدلالات، فمن ناحية الصاروخ نفسه، يثير التطور التساؤلات مجددًا عن القدرة الصاروخية للحوثيين والقوات الموالية لصالح، وتقول مصادر إنه من نوع “سكود” الروسي الصنع، لكن من الواضح أنه تعرض للتطوير بما جعله يعبر الحدود اليمنية السعودية متجهًا إلى الرياض، فيما قال الحوثيون إن الصاروخ من نوع “بركان 2H” بعيد المدى، وهي تسمية أطلقتها جماعة الحوثي وحلفاؤها في العامين الأخيرين على صواريخ “سكود” المطورة محليًا في اليمن.
لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون الصواريخ رسائل قائمة على حسابات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية أو باستباق تصعيد محتمل من “التحالف العربي”
سياسيًا، جاء إطلاق الصاروخ من الحوثيين، في ظل التصعيد العسكري لقوات الشرعية مدعومة من التحالف بقيادة السعودية، في أكثر من جبهة، وعلى نحو خاص شرق العاصمة صنعاء، أما التوقيت من ناحية الظرف الإقليمي، فقد جاء التطور بعد ساعات من استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، من السعودية، وإطلاقه تصريحات نارية ضد حزب الله، بما جعل بعضهم يحاول الربط بين التطورين، على الرغم من أن التطورات المرتبطة بالتصعيد داخليًا في اليمن، تبقى أبرز مؤشر سبق التطور.
وهناك تفسيرات عدة متباينة بشأن الهدف السياسي للصواريخ التي أطلقها الحوثيون في الأيام الأخيرة، ويربط البعض بينها وبين التقدم الذي حققته قوات يمنية موالية للشرعية أو للإمارات، بالسيطرة على معسكر “خالد بن الوليد”، غرب محافظة تعز، إذ يحاول الحوثيون تعويض الخسارة بالتصعيد تجاه السعودية.
من ناحية التوقيت أيضًا، فإن إطلاق الصاروخ تزامن مع إعلان الأوامر الملكية المثيرة والتي تمكن من خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من إزاحة أحد أهم من تبقى من منافسيه في طريق الحكم، وما تبع ذلك من اعتقالات، وذهبت بعض التعليقات إلى أن التوقيت كان في خدمة ابن سلمان، بإبرازه كرجل يقف في مواجهة تصعيد حلفاء إيران.
وبالنظر إلى مختلف المعطيات المرتبطة بالصواريخ، من الواضح أنها تحمل رسائل سياسية، أكثر من كونها عاملًا تدميريًا للخصم، إذ إن الرسالة الأهم التي يوصلها الحوثيون وحلفاؤهم باتجاه الجانب السعودي، أنهم لا يزالون قادرين، بعد آلاف الضربات الجوية ضدهم، على تهديد الأجواء السعودية، كأقصى ما يقدر عليه الانقلابيون في ظل غياب التوازن، الذي يتفوق فيه “التحالف” بالضربات الجوية.
ويربط آخرون هذا التصعيد بالخلافات المستعرة بين الحوثيين وحزب صالح، الأمر الذي تبرز معه تساؤلات عمن يسيطر على الصواريخ ومن يتخذ قرار إطلاقها، وما إذا كانت رسالة مشتركة يحاول الطرفان من خلالها التغطية على الخلافات بالتصعيد، أو رسالة لأحد الطرفين.
ولا يمكن استبعاد احتمال أن تكون الصواريخ رسائل قائمة على حسابات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية أو باستباق تصعيد محتمل من “التحالف العربي”، وكان زعيم “جماعة أنصار الله” عبد الملك الحوثي، قد توقع في آخر خطاباته التي ألقاها منذ أيام، موجة تصعيد مقبلة من التحالف ودعا للاستعداد لها.
ما بعد التصعيد الحوثي
بعد توقعات الحوثي، وعقب إعلان السعودية اعتراض الصاروخ، جاء الرد في صنعاء، بموجة غارات جوية عنيفة (مساء السبت – فجر الأحد)، استهدفت أبرزها مقر وزارة الدفاع في مجمع العرضي وسط العاصمة اليمنية صنعاء، وأخرى في منطقة النهدين، حيث مقر الرئاسة اليمنية، وقرب مقر وزارة الداخلية في منطقة الحصبة شمال صنعاء، بالإضافة إلى غارة ضربت ميدان السبعين (أكبر ميادين صنعاء).
وبعد ليلة رعبٍ عاشها أهل صنعاء، بات اليمنيون يستشعرون وقع ردة الفعل الفورية، سواء فيما تسمى المناطق المحررة أو تلك الواقعة في قبضة تحالف الحوثي صالح، حتى تبين للبعض أن التحالف العربي يكرر المشهد لحظة إطلاق عاصفة الحزم.
وفي ردة فعل أخرى، قرر إغلاق المنافذ اليمنية البرية والبحرية والجوية مؤقتًا، وبحسب وكالة الأنباء السعودية، يهدف الحصار المطبق إلى “سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحاليّة التي تسببت في استمرار تهريب تلك الصواريخ والعتاد العسكري إلى المليشيات الحوثية”.
التحالف لا يضع سقفًا زمنيًا لذلك الغلق لكنه يطمئن بأنه سيراعي استمرار دخول طواقم الإغاثة والمساعدات الإنسانية وخروجها، ومع ذلك فإن نقاد الخطوة يرون فيها عقابًا جماعيًا له تداعيات إنسانية وخيمة فذاك ما يزيد على اليمنيين وطأة حرب بلا أمد واضح ولا أهداف بينة.
التقديرات والأرقام المنشورة في المراجع المتخصصة، تتحدث عن وجود 200 إلى 300 صاروخ باليستي
ورصدت الرياض مكافأة مالية قيمتها الإجمالية نحو 440 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن قيادات في جماعة الحوثي تؤدي إلى اعتقال أحدهم، وقالت الرياض إنهم العقول المدبرة لما وصفته بـ”الأنشطة الإرهابية ضد المملكة”، ومنهم زعيم الحوثيين عبد الملك بدر الدين الحوثي ورئيس المكتب السياسي صالح علي الصماد، لكن الغريب أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أو أي من رجاله ليسوا على اللائحة.
ويرى البعض أن هذه القائمة جاءت متأخرة للغاية ولا جدوى منها، وأن السعوديين يحاولون الآن صرف الأنظار عما يجري داخل المملكة من خلال إغلاق المنافذ اليمنية برًا وبحرًا وجوًا، والتغطية على فشلهم في حسم الحرب في اليمن.
وعما إذا كانت هذه الإجراءات أداة ردع كافية لمنع الحوثيين من شن هجمات جديدة ضد السعودية، يرى منتقدون أن “الإجراءات السعودية مطبقة أصلاً، فاليمن محاصر منذ ثلاث سنوات برًا وبحرًا وجوًا، وسيتسمر اليمنيون في إطلاق الصواريخ على السعودية، فنحن في زمن الحروب غير المتكافئة التي لا توجد فيها إمكانية للحسم”.
فيما يرى آخرون أن “هذه الإجراءات ليست أداة ردع كافية لمنع الحوثيين من شن هجمات جديدة ضد السعودية، لأنها مطبقة أصلاً، فاليمن محاصر منذ ثلاث سنوات برًا وبحرًا وجوًا، وسيتسمر اليمنيون في إطلاق الصواريخ على السعودية”.
ورغم هذه الإجراءات، تبقى الصواريخ الحوثية شاهدًا على فشل التحالف الذي أعلن في أبريل/نيسان 2015، على لسان العميد أحمد عسيري المتحدث الرسمي باسم التحالف، عن تدمير 90% من القوة الصاروخية التي كانت بحوزة القوات اليمنية عند سيطرة الحوثيين على الحكم، غير أن التقديرات والأرقام المنشورة في المراجع المتخصصة، تتحدث عن وجود 200 إلى 300 صاروخ باليستي، وفيما بعد، تتجه الأنظار إلى إيران.
السعودية وإيران.. مزيد من التأزم في ساحة معتادة
عقب كل عملية قصف صاروخي تستهدف السعودية، تشير الأخيرة بأصابع الاتهام نحو إيران، وبأنها تواصل تهريب الأسلحة والصواريخ الباليستية إلى اليمن، لتهديد أمن المملكة، ويتحدث التحالف العربي عن تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين، خصوصًا بعدما ظهرت العام الماضي، صواريخ قصيرة المدى، شبيهة بصواريخ إيرانية الصنع أطلقتها الجماعة باتجاه مناطق سعودية.
لكن ليس مؤكدًا ما إذا كانت إيران تستطيع تهريب أسلحة إلى اليمن في ظل الحصار المطبق المفروض من التحالف، برًا وبحرًا وجوًا، وخصوصًا على مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم، وفي نفس الوقت، ليس مستبعدًا أن تكون طهران التي ضبطت البحرية اليمنية سفينة أسلحة آتية منها إلى الحوثيين عام 2013، نجحت بتهريب صواريخ باليستية إيرانية إلى الجماعة في سنوات سابقة.
وعقب الحديث عن موجة تقارب بين السعودية وإيران، تصاعد التوتر بين البلدين على خلفبة الصاروخ الأخير، وتبادل المسؤولون الاتهامات بشأن الحرب في اليمن والاستقرار في المنطقة، حيث كال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف الاتهامات لبعضهما عبر تغريدات تويتر.
التغريدات جاءت بعد يوم واحد من اتهام التحالف العربي العامل في اليمن بقيادة السعودية إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية التي تستهدف السعودية، ووصفه ذلك بالعدوان العسكري السافر والمباشر الذي يرقى لاعتباره من أعمال الحرب ضد المملكة.
وتنفي إيران دائمًا هذه الاتهامات، وفي وقت سابق، قالت الخارجية الإيرانية في بيان: “اتهامات السعودية لإيران بشأن اليمن ادعاءات تحريضية لا أساس لها”، وأضافت “هذه الاتهامات سببها فشل الحرب في تحقيق أي نتائج ملموسة في اليمن”.
إذًا حقائق الأمور بين المملكة العربية السعودية وإيران تتجه إلى مزيد من التوتر في ساحة الحرب اليمينة التي ذهبت بأرواح أكثر من عشرة آلاف شخص في اليمن، وأفضت إلى أزمة إنسانية حادة هناك، فنصف مليون يمني مصابون بالكوليرا ونحو سبعة ملايين أصبحوا – بحسب الأمم المتحدة – على شفا مجاعة.
لا يُعرف كيف سيحسِم إحكام الحصار على هؤلاء الحرب لمصلحة التحالف العربي، وليس من ضامن بأن ذلك سينهي هجمات الحوثيين العابرة للحدود.