قبل أيام قليلة تسلمت الحكومة الفلسطينية التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله معابر قطاع غزة الحدودية كافة، وفرضت سيطرتها الأمنية بالكامل على تلك المعابر كنتاج طبيعي لاتفاق مصالحة “مفاجئ” بين حركتي فتح وحماس بعد خلاف استمر 10 سنوات.
تسلم الحكومة لمهامها الرسمية في القطاع، أمر استقبله أهل غزة بحالة من الفرح، على أمل بأن يساهم ذلك بالتخفيف من وطأة الحصار المفروض عليهم، ويفتح المعابر ويحسن أوضاعهم المعيشية التي وصلت لمرحلة الخطر، لكن سرعان ما تحول لقلق بعد قرار مفاجئ من الحكومة بإلغاء نقطة أمنية مهمة في غزة كانت تشرف عليها حركة حماس طوال السنوات الماضية توجد شمال القطاع.
النقطة الأمنية “4/4″، التي أزالتها الحكومة أصبحت مثار جدل كبير، لما تشكله خطوة إزالتها من بعد أمني خطير على المواطنين الراغبين في السفر، وتعد ثغرة أمنية تسهل من وقوع الفلسطينيين في وحل العمالة مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية وتهريب المخدرات وهروب المشبوهين والمطلوبين أمنيًا.
ثغرة أمنية خطيرة
وبدأت النقطة “4/4” عملها عام 2008، وتبعد أمتار قليلة عن معبر “إيرز” بيت حانون المخصص للسفر والذي يقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وتضمنت ثلاثة أجهزة أمنية (الشرطة والأمن والحماية والأمن الداخلي)، وأضيف لها لاحقًا جهازي المخابرات والشرطة العسكرية وإدارتي مكافحة المخدرات والمباحث، وتعمل على التوعية الأمنية للمواطنين للخلاص بسلاسة من الابتزاز أو المساومة من المخابرات الإسرائيلية، والسيطرة الأمنية على العملاء والهاربين من العدالة والمشبوهين.
وكانت النقطة تقدم برامج توعوية للحالات الصحية المتوجهة للعلاج في الداخل المحتل، وكذلك لفئة التجار والمسافرين، وذلك للحد من حالات التخابر مع الاحتلال، فيما عدت “هآرتس”، أن إزالتها تمثل تفكيك إحدى العقد الدفاعية المتقدمة لحركة حماس في مواجهة الجهود الاستخباراتية الموجهة ضد قطاع غزة.
وكشفت وزارة الحرب الإسرائيلية التي استقبلت الخبر بالحفاوة والترحيب، أن موقع “4/4″، كان يشكل عقبة أمنية أمام الجهود الاستخبارية الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث كان يتحكم في الدخول من وإلى قطاع غزة عبر معبر إيرز.
تسبق نقطة “4/4” نقطة “5/5” التابعة للشؤون المدنية الفلسطينية بنحو 500 متر، ويتنقل المواطنون بينهما عبر سيارات أجرة فلسطينية، يجري تغييرها كل 6 أشهر مع سائقيها للظروف الأمنية، وفق المصدر
وتسلمت هيئة المعابر والحدود الأربعاء الماضي مبنى “4/4 ” الذي كان يتبع لوزارة الداخلية في غزة عند حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة وذلك ضمن اتفاق تسليم المعابر.
وأكد محمد المقادمة الناطق الإعلامي باسم هيئة الشؤون المدنية، أن الهيئة استلمت المبنى ضمن خطة استلام المعابر، حيث ستشهد هذه النقطة تغير في مهماتها، لافتًا إلى أنه سيكون هناك قوة شرطية تتبع للسلطة الفلسطينية على المبنى بالإضافة إلى طاقم محدود من الشؤون المدنية لتسهيل الإجراءات على حاجز بيت حانون.
تحصين المواطنين
مصدر أمني رفيع المستوى في غزة قال إن “وجود النقطة الأمنية التي يطلق عليها “4/4” والتي تعرضت للقصف على مدار الحروب الثلاث ضد غزة، عملت على مواجهة النشاط الأمني المُعادي للقطاع الذي يعمل عليه الاحتلال وأجهزته الأمنية“. وشدد أن إزالتها تشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا لغزة، وثغرة أمنية ستنعكس على المواطنين بالسلب، وسيكونون من دونها “لقمة سائغة” للتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويلفت المصدر إلى أنها اشتملت منظومة إدارية وأمنية متكاملة، وبروتوكول ضابطّ للعلاقة بين الأجهزة العاملة تنفيذًا لسياسة العقيدة الأمنية التي تعتبر “الاحتلال الإسرائيلي عدوًا يجب مواجهته بكل الأدوات وتحصين المواطنين من آفات التخابر“.
وينوه إلى أن حرية التنقل عبر الحاجز مكفولة لجميع المواطنين إلا “للضوابط المعهودة”، وهي وجود حكم قضائي (سرقة – اختلاس -جرائم …) أو عِلّة أمنية تحول دون السفر.
وتسبق نقطة “4/4” نقطة “5/5” التابعة للشؤون المدنية الفلسطينية بنحو 500 متر، ويتنقل المواطنون بينهما عبر سيارات أجرة فلسطينية، يجري تغييرها كل 6 أشهر مع سائقيها للظروف الأمنية، وفق المصدر.
وحسب المصدر تقدر المسافة بين نقطة “5/5” وبوابة الدخول للصالة الإسرائيلية بنحو 1700 متر ولا يكون فيها المواطن حر الحركة، لوجود ممر (يطلق عليها حلاّبة) عرضه 5 أمتار، ويجري المرور عبره من خلال عربة كهربائية.
ويلفت المصدر إلى أن نقطة “4/4” شُكلت لحفظ الجبهة الداخلية وتحصين المواطن خشية الوقوع في وحل التخابر، لكون الحاجز الممر البشري الوحيد للدخول إلى الأراضي المحتلة، وهو مسرح عمليات أمني للاحتلال.
ويشير إلى أنها أيضًا عملت من خلاله على ضبط حالات تهريب الممنوعات من مخدرات وسموم، لعدم توافر منظومة تفتيش سليمة سابقًا، وضبطها حالات الهروب للمشبوهين والمطلوبين الأمنيين للقضاء الفلسطيني.
وينوه إلى أن المواطنين الذين يودون السفر لحاجاتهم الإنسانية يتعرضون للابتزاز من أجهزة الاحتلال وطواقمه الأمنية “المحترفة” التابعة لجهاز “الشاباك” الموجودة قرب الحاجز، لحاجتهم المُلحة للسفر.
نقطة “4/4” تعدّ نقطة ارتكاز لمكافحة التقاء العملاء بمشغليهم، حيث كان ضباط المخابرات الصهيونية يطلبون من عملائهم، التوجه لمعبر بيت حانون للالتقاء بهم
ويوضح المصدر أن الاحتلال الإسرائيلي يطلب إجراء مقابلات مع المواطنين الذين يودون السفر، لتلبية احتياجاته الأمنية ضمن دواعي إجراءات السلامة الأمنية، على حد تعبيرهم، ويجري تبليغ المواطنين بالمقابلات مع الاحتلال عبر الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
ويبين المصدر أن المواطن الذي يستدعى لمقابلة مع الاحتلال يجري مقابلته من أفراد “الأمن الداخلي” ويقدمون إليه إرشادات أمنية توضح مجريات المقابلة كافة، التي سيتعرض لها.
ويضيف: “نقدم له مفاتيح للتعامل مع أسئلة الضابط الإسرائيلي وكيفية الالتفاف عليها ومواجهتها، وآلية عدم الإفصاح عن المعلومات سواءً كانت عن أشخاص أو أماكن، بالمعنى نؤهله نفسيًا وذهنيًا ونحصنه شرعيًا“.
ويلفت إلى أنه بعد رجوع المواطن من المقابلة، نلتقي به لمعرفة تفاصيل ومجريات المقابلة و”نقيم الحالة”، ونوجه له إرشادات لاحقة في حال جرى الاتصال به، ولمن يتوجه للتغلب على أي مساومة قد يتعرض لها. ويعتقد المصدر الأمني أنه لا يمكن حل معضلة إزالة النقطة إلا بعودتها وعودة الطواقم العاملة فيها لما كانت عليه قبل أيام، للحفاظ على صفاء الحالة الأمنية في القطاع.
اختراق القطاع
من جانبه يرى المحلل السياسي والأمني أيمن الرفاتي، أنّ نقطة “4/4” تعد من أهم نقاط السيطرة لدى الأجهزة الأمنية بغزة، “لدورها الفاعل في مكافحة أساليب الاحتلال الأمنية، ومساعيه لاختراق القطاع وتجنيد العملاء”.
ويضيف الرفاتي: نقطة “4/4” تعدّ نقطة ارتكاز لمكافحة التقاء العملاء بمشغليهم، حيث كان ضباط المخابرات الصهيونية يطلبون من عملائهم التوجه لمعبر بيت حانون للالتقاء بهم.
ويقول الرفاتي إن “إنشاء هذه النقطة شكل حالة ردع للعملاء وقطع التواصل المباشر مع مشغليهم، إذ يعدّ اللقاء المباشر أحد المرتكزات لدى المشغلين لمعرفة صدق نوايا العملاء”، وتفكيكها قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
معبر بيت حانون “إيرز”، من أهم المعابر الحدودية بالنسبة للعدو الصهيوني، وأحد البيئات الحيوية لتجنيد العملاء والأنشطة الأمنية الأخرى
ويؤكد المحلل السياسي والأمني، أن هذه النقطة كانت تحصر كل من يضطر للمرور عبر معابر الاحتلال، وبالتالي كشفت بعض المشبوهين، لافتًا إلى أنّها كانت تعدّ أهم النقاط التوعوية لكل من سيقابل الاحتلال، حيث كانت تقدم دعمًا نفسيًا للمواطنين وتعرف بالعدو وأساليبه.
ويكشف أن النقطة الأمنية، منعت تهريب الكثير من الممنوعات، بالإضافة إلى الأجهزة الاستخبارية الإلكترونية، التي حاول العدو تكرارًا ومرارًا إدخالها للقطاع، كما منعت نقل الأموال للمشبوهين والعملاء ونقل الأجهزة التجسسية لهم.
وعقّب الرفاتي بالابتهاج الإسرائيلي إزاء تفكيك نقطة “4/4″، بأنّها ستمكنها من ممارسة مهامها الأمنية بشكل أفضل، دون تعقيدات الأمن الداخلي، التي كانت تواجههم، مما يعني أن محاولاتها لإسقاط المواطنين ستكون أسهل.
يذكر أن معبر بيت حانون “إيرز”، من أهم المعابر الحدودية بالنسبة للعدو الصهيوني، وأحد البيئات الحيوية لتجنيد العملاء والأنشطة الأمنية الأخرى، إذ يمر عبره آلاف المسافرين سنويًا، من زوار وأجانب وصحفيين ومرضي وتجار، مما أكسبه أهمية كبيرة بالنسبة للاحتلال.