يبدو عبد السلام الخالد ملتاعًا من الحزن بعد إعلامه بتوقف الدعم الطبي عن مشفى دركوش الواقع في منطقة جسر الشغور بريف إدلب الغربي والذي يقدم خدمات طبية مجانية لآلاف المدنيين في المنطقة.
يحتاج عبد السلام مراجعات طبية شهرية له ولطفله الذي يعاني من التهابات تنفسية حادة، فيقصد المشفى لعدم قدرته على الذهاب للمشافي الخاصة.
يقول الخالد في حديثه لموقع “نون بوست” إن توقف دعم المنظمات الإنسانية للقطاع الطبي مؤشر خطير، لأنه جاء بعد توقف الدعم الإغاثي أو انخفاضه بشكل كبير، لذلك فالمنطقة مقبلة على أوضاع صعبة للغاية.
وأضاف في حديثه أن المشافي المدعومة من المنظمات توفر على الأهالي والنازحين الكثير من المال، لذلك فإن قسمًا كبيرًا منهم سيحرم من العلاج المجاني مع توقف مشاف أخرى.
وأعلن مشفى السلام في مدينة حارم غرب إدلب توقفه عن العمل نتيجة نقص التمويل. ويتوسط المشفى مجموعة من القرى والبلدات، بالإضافة إلى تجمع مخيمات من ريف حماة الشمال وريف إدلب الجنوبي، وعدد سكان المنطقة المستفيدة من خدماته 400 ألف نسمة، حيث يقدم المشفى خدمات الأطفال والصحة الإنجابية وهي خدمة غير متوافرة في المنطقة.
انقطع الدعم عن المشفى منذ نحو 6 أشهر، وحاليًّا المنطقة في احتياج كبير لخدمات الأطفال والنسائية، ما يضطر النساء للسفر مسافة 25 كيلومترًا للحصول على خدمات الفحص الطبي والتوليد الطبيعي.
قال الدكتور حسام قره محمد، معاون مدير صحة إدلب، إنه بسبب تخفيف الدعم في نهاية 2023 أكثر من 40% من المنح توقفت، وبسبب توقف الدعم بنسبة 30% توقفت 5 منشآت طبية متعددة التخصصات منها مراكز رعاية صحية ومستشفيات بعضها يعمل بكادر تطوعي بشكل جزئي.
وأضاف في حديثه لـ”نون بوست” أن “تخفيض الدعم بهذا الشكل يؤدي إلى زيادة الأمراض، بالإضافة إلى تراكم العبء على القطاع في الأماكن الأخرى التي يتحول إليها المرضى”.
وتابع قائلًا: “نحن مستمرون في المناصرة كمديرية صحة إدلب، وعلى مستوى المنظمات الإنسانية البديل الأساسي هو إعادة رسم خريطة أساسية في المنطقة، بحيث نخفض بعض النقود غير المهمة وتحويلها إلى قطاعات مهمة”.
كذلك، توقف الدعم عن مشفى القنية في منطقة جسر الشغور، فيما أعلن مشفى الرحمة في مدينة دركوش غرب إدلب (أكبر مشفى في المنطقة) عن توقف قسم الأطفال به والذي يخدم 6 آلاف طفل شهريًا و70 ألف طفل سنويًا ومليون مدني بشكل عام في كل الأقسام بمنطقة جسر الشغور وريفها ومناطق أخرى.
ووفق المشفى فإن هذا القسم (قسم الأطفال وحديثي الولادة) يعد من الأقسام الحيوية ليس فقط في المدينة أو المستشفى، لكن على مستوى المنطقة، والعناية المشددة يعتبر القسم الوحيد الموجود في منطقة ريف جسر الشغور التي تتألف من 300 ألف نسمة.
ويضم القسم 27 سريرًا، بالإضافة إلى 11 حاضنة ومعالجة ضوئية، ويعالج كل الأمراض المتعلقة بالأطفال سواء الالتهابية أم الاستقلابية وكذلك حالات سوء التغذية.
القسم كان مدعومًا من منظمة “أطباء عبر القارات” من منحة مقدمة من اليونيسف ويأتي توقف الدعم بالتزامن أيضًا مع توقف الدعم عن أقرب مستشفى في القنية الذي يقدم خدمات الرعاية المتعلقة بأمراض النساء والولادة وأيضا الأطفال، ما يكرس الأزمة.
والأقسام التي توقفت هي: قسم الأطفال وقسم حديثة الولادة والحواضن والعناية المشددة، حيث توقفت بشكل كامل، ويأتي التوقف في وقت حساس خلال فصل الشتاء والأزمة شديدة وملحة بسبب الأمراض التنفسية التي تصيب الأطفال، فأغلب المشافي تعاني من عدم وجود الشواغر، ما يهدد حياة العديد من الأطفال في المنطقة.
الطبيب أحمد غندور، مدير مشفى الرحمة يؤكد أن أبرز المشكلات التي تواجه القطاع الطبي في شمال سوريا هي نقص الدعم، فالكثير من المشافي والمراكز الصحية تناقص تمويلها بشكل كبير ومن الواضح أن العديد من المشافي والمراكز الطبية توقفت بشكل كامل، فالدعم نقص بشكل كبير وهناك نقص بالأدوية والمستهلكات”.
وأضاف في حديث لـ”نون بوست” “طبعًا هذا النقص ينعكس بشكل سلبي على عمل هذه المؤسسات التي يتلقى فيها الناس الرعاية الصحية، وبنفس الوقت يعيش الناس ظروفًا اقتصادية سيئةً جدًا تحت خط الفقر، فهم لا يستطيعون تأمين المعيشة الأساسية، فكيف بهم تأمين ثمن الدواء والعلاج، فهذا لديه انعكاسات خطيرة على حياة الناس، ما قد يؤدي إلى رفع نسبة الوفيات ونسبة الأمراض الصحية”.
وأشار إلى أن هذا الأمر قد يؤثر بشكل فعلي على تماسك ووحدة القطاع الصحي، قائلًا: “للأسف الخدمات التي بقيت مهمة، لكن هناك أولويات هي الأولويات الإسعافية، فالأمر لديه انعكاس خطير على حياة الناس”.
الطبيب وسيم الأحمد يؤكد أن معظم الأهالي غير قادرين على تحمل نفقات المشافي الخاصة لأن بقاء المريض لليلة واحدة قد يكلف أحيانًا ما يقارب 100 دولار أمريكي، وهو مبلغ لا يستطيع معظم السكان الحصول عليه في شهر واحد.
وأضاف في حديثه لـ”نون بوست” أن المشافي المدعومة والمجانية توفر خدمات طبية وعمليات جراحية باهظة الثمن، لذلك فإن حياة الكثير من المدنيين في خطر حال استمرار توقف الدعم عنها.
ويواجه القطاع الصحي في شمال سوريا العديد من التحديات الكبيرة بسبب الحرب، أبرزها تدمير المرافق الصحية والمستشفيات من النظام وروسيا، ونقص الإمكانات والمعدات الطبية، ونقص الكوادر الطبية المؤهلة، كذلك فإن الهجمات المستمرة على المنشآت الطبية تزيد من معاناة القطاع الصحي وتجعل من الصعب تقديم الرعاية الصحية الكافية للسكان.