ترجمة وتحرير: نون بوست
فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة، تصدّر الرئيس السابق دونالد ترامب عناوين الأخبار مرة أخرى بتصريح لشبكة “فوكس نيوز” قال فيه “عليكم الانتهاء من الأمر والقيام بذلك بسرعة والعودة إلى عالم السلام. نحن بحاجة إلى السلام في العالم، نحتاج إلى السلام في الشرق الأوسط”. ويواصل ترامب أيضًا الكشف عن مظالمه طويلة الأمد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً: “لقد تضرر بشدة بسبب ما حدث هنا. لم يكن مستعدا. لم يكن مستعدًا، وإسرائيل لم تكن مستعدة”.
هذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها ترامب عن انتقاداته الصريحة لنتنياهو. ففي أعقاب خسارته أمام جو بايدن في سنة 2020، تحدث ترامب عن مكالمة تهنئة نتنياهو لبايدن متذمرًا من أنه “لم يتحدث” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ ترك منصبه لذا “تبا له”.
ولكن هذا الأسبوع، في مقابلة مع صحيفة إسرائيل هايوم الإسرائيلية، بدا أن ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك بشأن سبب اعتقاده بأن الحرب يجب أن تنتهي. وحيال ذلك قال “علينا أن نصل إلى السلام، لا يمكن أن يستمر هذا. وسأقول، على إسرائيل أن تكون حذرة للغاية، لأنكم تخسرون الكثير من العالم، وتخسرون الكثير من الدعم”.
وعندما سُئِل عن المخاوف من تزايد معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، أشار مرة أخرى إلى مشهد الموت والدمار في صفوف المدنيين. وأضاف “حسنا، هذا لأنكم قاومتم. وأعتقد أن إسرائيل ارتكبت خطأ فادحا للغاية. أردت أن أتصل بإسرائيل وأقول لها لا تفعلي ذلك. هذه الصور واللقطات. أعني، لقطات متحركة من القنابل التي يتم إسقاطها على المباني في غزة. فقلت: أوه، هذه صورة فظيعة. إنها صورة سيئة للغاية بالنسبة للعالم. العالم يرى هذا، كل ليلة، كنت أشاهد المباني تتساقط على الناس”.
وحتى عندما سُئل عن وجود حماس في المباني المدنية، قال ترامب: “اذهب وافعل ما عليك القيام به. لكنك لا تفعل ذلك”. هل كان يعني أنه يجب على “إسرائيل” أن تتوقف عن قصف المدنيين، أو السماح بالصور التي تظهر للعالم أنها تفعل ذلك؟ إن الغموض يدفع المراقبين إلى تأويل تصريحاته كما يريدون. ربما هذه هي النقطة.
والواقع أن ترامب لم يكشف إلا القليل عن وجهات نظره بشأن حرب غزة، انطلاقا من إمكانية وقف إطلاق النار إلى ما قد يحدث عندما يتوقف القتال في نهاية المطاف. ومن الصعب معرفة المزيد لأنه لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول مسار الحملة الانتخابية. وهو يصف الديمقراطيين التقدميين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار بـ “المجانين” الذين “يكرهون إسرائيل”. وقال مؤخرا إن اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل و”يكرهون دينهم”.
أما فيما يتعلق بإدارة بايدن نفسها، قال لشبكة “فوكس نيوز” في مطلع شهر آذار/ مارس: “بصراحة، لقد أصبحوا لينين”، مضيفا أن هجمات حماس في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر لم تكن لتحدث أبداً لو كان لا يزال رئيسا – وكذلك الغزو الروسي لأوكرانيا. لم يوضح السبب لكنه يصر على أن حملته للضغط الأقصى أبقت إيران “مفلسة” حتى لا يكون لديها الموارد اللازمة لدعم حماس.
لذلك، بالنظر إلى هذه التعليقات المتفرقة على امتداد الأسابيع القليلة الماضية، هل يمكننا بالفعل أن ندرك كيف ستبدو سياسة الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل” والفلسطينيين إذا فاز ترامب في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر وتم تنصيبه الرئيس السابع والأربعين في كانون الثاني/ يناير 2025؟ ربما يكون من الأفضل تجاوز نصائحه وإلقاء نظرة على سجله بدلاً من ذلك.
القرائن بين الماضي والحاضر
أولاً، فيما يتعلق بتعليقات ترامب الأخيرة، نود أن نحذّر من أن أي نفاد صبر تجاه نتنياهو هو أمر مشترك بين الحزبين، ومشترك على نطاق واسع، ومتزايد، حيث تعمل التصريحات الأخيرة التي أدلى بها زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر كمقياس جيد لمشاعر تيار يسار الوسط تجاه الزعيم الإسرائيلي.
مع ذلك، تحمل تعليقات ترامب حتى الآن المزيد من التشابه مع مشاعر التيار اليميني تجاه نتنياهو: الإحباط بسبب فشل حكومته في توقع هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لكن ترامب واليمين المؤيد ل”إسرائيل” يدّخرون معظم نيرانهم لبايدن، الذي يتهمونه بعدم إعطاء نتنياهو ما يكفي الآن مع استمرار القتال ضد حماس.
فضلا عن ذلك، فكرة أن ترامب ربما يحذر لضبط النفس في الحرب بين “إسرائيل” وغزة عندما يدلي بتعليقات حول “السلام” يبدو أنها كُذّبت من قبل الناس الذين أحاط نفسه بهم على مر السنين.
فعلى سبيل المثال، يتمتع صهره جاريد كوشنر، الذي عمل مستشارًا مقربًا للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط خلال رئاسة ترامب، بعلاقات شخصية طويلة مع عائلة نتنياهو.
ومؤخرا، أجرى مقابلة مع جامعة هارفارد أشار فيها إلى أن اللاجئين الفلسطينيين قد يتم إيواءهم في صحراء “إسرائيل” خارج غزة وقد لا يعودون أبدا. وقال أيضًا إنه لا ينبغي للفلسطينيين أن يحصلوا على دولتهم لأن ذلك سيكون “مكافأة” لهم على إرهاب حماس.
من غير المعروف أن زمرة ترامب الحالية من مستشاري السياسة الخارجية، بما في ذلك وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والجنرال المتقاعد كيث كيلوغ، ومستشار الحملة جيسون ميلر، والسفير السابق لدى الأمم المتحدة ريتشارد جرينيل، وفريد فليتز، مسالمون بشأن أي من قضايا السياسة الخارجية، وأقلها “إسرائيل” وفلسطين. أولئك الذين يتم تقديمهم حاليًا كمنافسين محتملين في انتخابات 2024 – من بينهم تولسي جابارد، تيم سكوت، وسارة هوكابي، وإليز ستيفانيك، ورون ديسانتيس – جميعهم مؤيدون ل”إسرائيل” بنفس القدر.
ثم هناك سجل الرئيس الخامس والأربعين أثناء وجوده في منصبه. لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير تصرفاته فيما يتعلق بالعلاقة بين “إسرائيل” وفلسطين على أنها متوازنة، ناهيك عن ضبط النفس. تعيين ترامب لعضو اللوبي الإسرائيلي ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة لدى “إسرائيل”، وقراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس (في انتهاك للقانون الدولي)، واعترافه الرسمي بمطالبات “إسرائيل” الإقليمية في مرتفعات الجولان، يشير إلى توافق وثيق مع أهداف سياسة اليمين الإسرائيلي المتشدد، ومن نواحٍ عديدة، كبار مانحيه.
بالمناسبة، نشر فريدمان تغريدة على موقع إكس. وردا على تعليقات نائب الرئيس كامالا هاريس بأن سكان غزة لن يكون لديهم مكان يذهبون إليه في حالة غزو رفح، أعلن أن “مصر والدول العربية الأخرى” هي خيار. كما يعارض فريدمان حل الدولتين ويدفع بدلاً من ذلك إلى خطة مستقبل يهودا والسامرة، التي تدعي أنه من حق “إسرائيل” ضم أراضي الضفة الغربية. وقال ترامب لصحيفة “إسرائيل هايوم” المذكورة أعلاه إنه يعتزم لقاء فريدمان للاستماع إلى خطته.
يدعم أكبر المانحين لترامب في الماضي والحاضر الموقف المتشدد المؤيد ل”إسرائيل” والمناهض لإيران، بما في ذلك تيم دان، وبيرني ماركوس، وبالطبع عائلة أديلسون، التي قدمت أكثر من 424 مليون دولار لدعم قضايا ترامب والحزب الجمهوري في الفترة من سنة 2016 إلى 2020 مع نية أساسية لتشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” لصالح اليمين السياسي المتشدد.
كان آل أديلسون – شيلدون، الذي توفي سنة 2021، وزوجته ميريام – متحمسين بشكل خاص لخطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة أيضًا باسم الاتفاق النووي الإيراني، التي وقّعها الرئيس أوباما في سنة 2015. وبالمناسبة، كان نتنياهو يكره هذا الاتفاق لدرجة أنه انخرط في حملة علاقات عامة فردية ضده، بما في ذلك القول في جلسة مشتركة للكونغرس في سنة 2015 إنه كان “خطأ تاريخيًا” وأنه “سيضمن” حصول إيران على أسلحة نووية. وعندما تولى ترامب منصبه، انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة وأطلق حملة ضغط قصوى استمرت لسنوات ضد الجمهورية الإسلامية. وقد توسع البرنامج النووي الإيراني منذ ذلك الحين.
وفي الوقت نفسه، التقت ميريام أديلسون مؤخرًا بترامب في منتجع مارالاجو في فلوريدا هذا الشهر، وفي لاس فيغاس الشهر الماضي. علاوة على ذلك، إن قاعدة دعم ترامب في الانتخابات قد تعتمد بشكل كبير على التأييد الحماسي للإنجيليين المسيحيين، الذين يشير أكثر من نصفهم إلى دعم إسرائيل كقضية حاسمة. فما هو نوع المقعد الذي سيحصل عليه المانحون والأطراف المهتمة الأخرى على طاولة السياسة في إدارة ترامب الثانية؟ إنه سؤال وجيه.
المحافظون لا يمانعون “السكة الثالثة”
لا شيء من هذا يثبت أن ترامب أصبح بالضرورة مسيطرًا بشكل كامل على المتشددين اليمينيين اليوم. لقد أعلنت الأصوات المحافظة الكبرى التي يستمع إليها ترامب ظاهريًا، علنًا عن سياسة أكثر تقييدًا في غزة. قال تاكر كارلسون إن الولايات المتحدة فقدت “سلطتها الأخلاقية” لأنها رفضت الدعوة إلى وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس.
وفي الوقت نفسه، قال ملياردير التكنولوجيا ديفيد ساكس إنه ليس من مصلحة “إسرائيل” تلقي دعم دون قيد أو شرط. وقال للمضيف ساجار إنجيتي في برنامج “بريكنغ بونتس”، إنه “من الناحية التاريخية، كان الدور الأمريكي يتمحور حول تشجيع الإسرائيليين، بشكل أساسي، ليس على الذهاب إلى الحد الأقصى، وإنما التراجع قبل أن يفعلوا شيئًا ليس في مصلحتهم بصراحة، ناهيك عن مصلحتنا. ولقد أضاع بايدن الفرصة للقيام بذلك لوضع بعض الحدود لما ترغب الولايات المتحدة في دعمه. من الواضح جدًا أن القصف العشوائي للسكان سيؤدي إلى نتائج عكسية”.
كانت كانديس أوينز، وهي مذيعة محافظة مثيرة للجدل طُردت من صحيفة “ديلي واير” الأسبوع الماضي، تقاوم اتهامات بمعاداة السامية، ويرجع ذلك جزئيًا، كما تقول، إلى أنها شككت في سياسة “إسرائيل” في غزة ولأنها لا تعتقد “أنه يجب على دافعي الضرائب الأمريكيين أن يدفعوا ثمن حروب إسرائيل أو حروب أي دولة أخرى”. ودون أن تذكر “إسرائيل” بالاسم، نشرت أوينز تغريدة على موقع إكس، قالت فيها “لا يحق لأي حكومة في أي مكان أن ترتكب إبادة جماعية على الإطلاق. لا يوجد أي مبرر للإبادة الجماعية. لا أستطيع أن أصدق أن هذا يجب أن يقال أو حتى أنه يعتبر على الأقل مثيرًا للجدل بعض الشيء بالنسبة للدولة”.
وفي حين تظل قضية “إسرائيل” “طريقًا ثالثا” في الدوائر المحافظة السائدة، فإنها قد لا تكون نتيجة حتمية تماما، حتى الآن، في عالم ترامب. وفي النهاية، قد ينتظر ترامب ليرى كيف ستؤثر الحرب في غزة على خصمه، الذي يعاني بمعظم المقاييس كل يوم، وخاصة مع قاعدته الانتخابية.
إن محاولة التنبؤ بما إذا كان الوضع سيكون “أفضل” أو “أسوأ” في عهد بايدن أو ترامب هي لعبة شعبية في واشنطن في الوقت الحالي، على الرغم من أن الواقع يمثل إلى حد كبير مشهدًا من الجحيم بالنسبة ل”إسرائيل” وغزة، بغض النظر عما يقوله ساستنا.
المصدر: ريسبونسيبل ستيت كرافت