تناقلت وكالات الأنباء أخبارًا عن المعتقلة الإماراتية علياء عبد النور والتي أثارت مستجدات قصتها حالة من الغضب وحملات من التعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا بسبب الحالة الصحية الخطيرة التي تمر بها المعتقلة، على الرغم من أنها ليست المرأة الوحيدة التي تعتقل في الإمارات على خلفية سياسية ودون تقديم أي أسباب واضحة للاحتجاز، ودون امتلاك أدلة إدانة صريحة، هذا بحسب بيان المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
حكاية علياء عبد النور في السجون الإماراتية
اعتقلت علياء عبد النور والتي تبلغ من العمر 40 سنة، من داخل منزلها بتاريخ 22 من يوليو/تموز 2015، دون إذن قضائي أو موافاة أسرتها بأسباب الاعتقال، وبعد 4 أشهر من الاختفاء القسري والمصير المجهول، عرضت قضيتها على القضاء الإماراتي، ليتم الحكم عليها بالسجن لمدة 10 سنوات، بتهمة تمويل الإرهاب والتعامل مع إرهابيين خارج البلاد.
وخلال 9 جلسات أما القضاء، لم تحظ عبد النور بحقها في الحصول على محامٍ، حيث كان يتم تهديد الأشخاص الذين يبادرون بالدفاع عن قضيتها، فلم تكن عبد النور تمارس أي نشاط سياسي، بل فعالة في البرامج الخيرية المتعلقة بجمع التبرعات والمساعدات المالية وإرسالها للمتضررين من الحرب في سوريا، إضافة إلى أن المحكمة لا تملك أي دليل إدانة مادي، سوى سجل المواقع الإلكترونية التي كانت تتصفحها وبعض الأشخاص التي وجدت أسماءهم في تلك المواقع.
تعاني عبد النور من أورام سرطانية متفشية في جسمها وتضخم في الغدد الليمفاوية وهشاشة عظام وتليف في الكبد، وذلك نتيجة لاحتجازها في غرفة شديدة البرودة بلا تدفئة أو فرش أو غطاء
ولم تتمكن هذه الحادثة من جذب انتباه العالم إلى قضية عبد النور، إلا عندما نشرت المنظمة تقريرًا يكشف عن الوضع الصحي للمعتقلة، موضحًا أنها تعاني من أورام سرطانية متفشية في جسمها وتضخم في الغدد الليمفاوية وهشاشة عظام وتليف في الكبد، وذلك نتيجة لاحتجازها في غرفة شديدة البرودة بلا تدفئة أو فرش أو غطاء.
وبحسب تقرير المنظمة فإنه “خلال فترة أربعة أشهر، هي مدة تعرّضها للاختفاء القسري، كانت علياء محتجزة في أحد السجون السرية التابعة للأجهزة الأمنية الإماراتية، وقبعت هناك في زنزانة انفرادية بلا فرش ولا فتحات تهوية ولا نوافذ ولا دورة مياه ولا طعام، إضافة إلى وضع كاميرات مراقبة في زنزانتها، مع تقييدها بسلاسل حديدية، وكان يتم التحقيق معها يوميًا عن حياتها الشخصية ونشاطاتها والمواقع التي تتصفحها على شبكة الإنترنت، وتحت الضغط النفسي والجسدي، والتهديد بقتل شقيقتها ووالديها، كما أنها اضطرت إلى التوقيع على أوراق لا تعرف محتواها حتى الآن، وعلى اعترافات بتهم لم يتم الإفصاح عنها في حينها”.
ونتيجة لهذه المعاملة غير القانونية واللإنسانية، طالبت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالضغط على السلطات الإماراتية للإفراج الصحي عن المعتقلة، مشيرة إلى أنها تتعرض للقتل البطيء بسبب الانتهاكات القانونية التي تتعرض لها بصمت.
إهمال الحالة الصحية للمعتقلة عبد النور يخترق القانون الإماراتي
هذا النوع من الاعتقالات يخالف القانون الإمارتي الاتحادي رقم 43 في المادة 32 والذي ينص بلغة صريحة وواضحة على أنه “إذا تبين لطبيب المنشأة أن المسجون مصاب بمرض يهدد حياته أو حياة الآخرين أو يعجزه كليًا، فعلى إدارة المنشأة أن تعرضه على اللجنة الطبية المشار إليها في المادة السابقة وذلك لفحصه والنظر في الإفراج الصحي عنه، ويصدر بالإفراج الصحي قرار من النائب العام وتخطر به وزارة الداخلية”.
وفي ذات القانون تنص المادة 33 على أنه “إذا بلغت حالة المسجون المريض درجة الخطورة بناء على تقرير طبيب المنشأة وجب على إدارة المنشأة أن تبادر إلى إخطار أهله وأن ترخص لهم في زيارته دون التقيد بالمواعيد الرسمية للزيارة”، وهذا بالتحديد ما ترفض الجهات الأمنية والقضائية الإماراتية بالتعامل معه، مع العلم، أن أسرتها عبرت عن رغبتها في تقديم النفقات العلاجية على حسابها الخاص، خاصة أن صحة ابنتهم وصلت إلى مراحل متأخرة تهدد حياتها بالخطر.
جدير بالذكر أن المنظمة في بريطانيا حصلت على هذه المعلومات من خلال مكالمة هاتفية مسربة بين عبد النور وأسرتها من داخل مقر احتجازها في مستشفى المفرق في إمارة أبوظبي والتي تقول فيها “أشعر بالضيق الشديد في صدري، إنهم يتعمدون استفزازي، ودون أي سبب، يريدون مني أن أفتعل المشكلات، لا يريدون إلا المشاكل، لا بد أن أتدنى بمستواي لكي أحصل على أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئًا فقط أريد أن أتصل بكم.
عبد النور: “أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من الإمكانات كافة، لا أرى أي شيء، محرومة من الخروج، محرومة حتى من الهواء، محرومة من أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئًا، لم أطلب معاملة متميزة، ومع هذا يستمر تنكيلهم، لماذا؟”
وأضافت “طلبت منهم، أن أتصل بكم (تقصد أسرتها)، وتجاهلوا الأمر، تحملت، ونأيت بنفسي عن افتعال أي مشكلة معهم، لقد ظننت أن تجاهلهم طلبي لن يطول، فإن تجاهلوه اليوم، لن يتجاهلوه غدًا، لم أعد أتحمل، بل ماذا سأتحمل؟ أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من الإمكانات كافة، لا أرى أي شيء، محرومة من الخروج، محرومة حتى من الهواء، محرومة من أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئًا، لم أطلب معاملة متميزة، ومع هذا يستمر تنكيلهم، لماذا؟”.
كذلك كشفت المنظمة مجموعة من الرسائل التي كتبت بخط يد علياء والتي تسرد فيها أحداث الاعتقال والاحتجاز الذي تعرضت له منذ اليوم الأول، وتصف فيها تفاصيل الظروف الصعبة التي مرت بها، مشيرة إلى رفض إدارة مقر احتجازها بالتعامل مع حالتها الاستثنائية والتي تلزم بضرورة توافر رعاية طبية لها.
ماذا تقول أسرة عبد النور؟
جاء تصريح أسرة المعتقلة الإماراتية، في وقت سابق، بأن “علياء كانت في صحة جيدة قبل القبض عليها، حيث كانت تعاني من مرض السرطان في وقت سابق، إلا أنه تمت السيطرة على المرض عام 2008 بعد رحلة علاج في ألمانيا، وأنه نتيجة ظروف الاحتجاز غير الآدمية وحرمانها من العلاج، تدهورت حالتها الصحية وعاد المرض للانتشار بصورة يصعب السيطرة عليه، خاصة مع عدم توفير الرعاية الصحية المطلوبة، حتى باتت حياتها الآن مهددة بالخطر”.
وفي نفس السياق، قالت المنظمة: “منذ عام تقريبًا تم نقل علياء لمستشفى المفرق الحكومي في أبو ظبي، والخالي من أي تجهيزات لاستقبال حالتها، والتي لا تزال محتجزة به حتى هذه اللحظة، داخل قسم الجراحة، ولم يختلف وضعها كثيرًا عن السجن، فهي تعاني من نفس درجات الإهمال والإذلال، ولا تتلقى العلاج اللازم لتحسين صحتها”.
المنظمة: “استمرار احتجازها في ظل حالتها الصحية المتدهورة يشكل خطرًا داهمًا على حياتها”
وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بالضغط على السلطات الإماراتية للإفراج الصحي عن المعتقلة علياء عبد النور بحسب نص القانون الإماراتي، والتحقيق في الانتهاكات كافة التي تعرضت لها، مشددة على أن “استمرار احتجازها في ظل حالتها الصحية المتدهورة يشكل خطرًا داهمًا على حياتها”.
وبعد عدة طلبات رفض الشهر الماضي ديوان ولي العهد الإماراتي أسرة عبد النور بطلب الاسترحام المقدم للإفراج عن علياء والذي قدمته العائلة في منتصف شهر أكتوبر الماضي، لتبقى قضية عبد النور وصحتها معلقة بين سجون السلطات الإماراتية وقوة ضغط الرأي العام.