بإمكان موقع ميدل إيست مونيتور (ميمو) الكشف عن أن شخصيات مليارديرية كانت قد أسست “جمعية خيرية” لتمول الجنود الإسرائيليين وللإنفاق على اللوبي المناصر لإسرائيل في كندا قد عرضت سراً تقديم دعم مالي لصحفي سابق في قناة الجزيرة يقاضي الشبكة سعياً للحصول على تعويض منها يزيد عن مائة ألف دولار أمريكي.
وكان محمد فهمي، المصري المولد، قد بدأ إجراءات مقاضاة الجزيرة التي كان يعمل فيها مباشرة بعد أن أطلق سراحه من أحد سجون القاهرة في عام 2015 زاعماً بأن الشبكة الإعلامية القطرية قامت متعمدة بتهديد حياته. وقد تبين فيما بعد أن معركة فهمي ضد الجزيرة إنما هي جزء من حملة أوسع تشنها الإمارات العربية المتحدة للنيل من قطر.
على الرغم من أن رسائل إلكترونية مسربة كانت قد كشفت عن أن معركة فهمي ضد الجزيرة كانت بتمويل من سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة، إلا أن بإمكان ميمو الكشف عن أن فهمي حصل أيضاً على تمويل من مصادر مشبوهة أخرى إضافة إلى التمويل الذي حصل عليه من الدبلوماسي الإماراتي المتنفذ في واشنطن، والذي يشكل رأس حربة في الحملة ضد قطر.
يبدو أن الإمارات العربية المتحدة لم تكن الطرف الوحيد الذي رأى فرصة ذهبية في المعركة التي افتعلها فهمي ضد الجزيرة، بل سرعان ما انضم إلى الجوقة معارضون سياسيون يضمرون الكراهية لنظام الحكم في الدوحة وكذلك – كما بات جلياً الآن – أثرياء ينتسبون إلى اللوبي المناصر لإسرائيل في كندا، والذين سعوا لاستغلال القضية القانونية المرفوعة ضد الجزيرة لخدمة أجندتهم السياسية.
وُجدت المعلومات التي تتحدث عن العرض المالي الذي تقدمت به إلى فهمي شخصيات مليارديرية يهودية من كندا ضمن حزمة الوثائق التي سربتها مجموعة “غلوبال ليك”، وهي المجموعة السرية التي اخترقت حساب البريد الإلكتروني التابع للعتيبة خلال صيف 2016.
كانت الشكوك قد أثيرت في الصيف الماضي حول دوافع محمد فهمي بعد أن كشف النقاب عن تلقيه “قرضاً” ضخماً من العتيبة لتغطية تكاليف حملته القانونية ضد الجزيرة
ويذكر أن رسائل العتيبة الإلكترونية المسربة تغطي فترة تزيد من عقد من الزمن وتكشف إلى أي مدى ذهب حكام أبو ظبي في سعيهم لحماية مصالحهم الخاصة والنيل من أي معارضة في المنطقة. تشتمل التسريبات على آلاف الرسائل المسربة التي تسلط الضوء على التعاملات السرية، وفي بعض الأوقات الشريرة، لدولة الإمارات العربية المتحدة.
أحد هذه الرسائل جاءت إلى العتيبة من سايمون بيرس، وهو كبير المستشارين لدى سلطة الشؤون التنفيذية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي يقال إنها تقدم استشارات حول السياسة الاستراتيجية لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. يظهر جلياً من هذه الرسالة أن فريق العلاقات العامة المكلف بقضية محمد فهمي كان يقدم تقريراً مفصلاً حول القضية وحول حملة العلاقات العامة التي نظمت في بريطانيا وكندا.
يتبين من الرسائل المسربة أن أندروا ويغلي، أحد الموظفين في “كيب بارتنرشيب” – وهي مؤسسة العلاقات العامة التي استأجرها محمد فهمي – كتب تقريراً مطولاً يعود إلى شهر أكتوبر من عام 2015. وقد حول بيرس ذلك الإيميل إلى سفير الإمارات في واشنطن.
وكان ويغلي يحيط بيرس علماً بأخر المستجدات في قضية فهمي، متوقعاً بلا شك في أن يتم إيصال مخاوفه بشأن نضوب الأموال المتاحة للإنفاق على القضية إلى العتيبة. كما كشف عن تفاصيل الدعم المالي الذي عرضه على فهمي زوج من المليارديرية المناصرين لإسرائيل أثناء مأدبة عشاء خاصة. ناقشت رسالة ويغلي الإلكترونية القضية بتفصيل شديد وتطرقت إلى المخاطر التي قد تنجب عن نضوب المال.
ويخبر ويغلي زملاءه الإمارتيين بأن الرسوم المترتبة على فهمي وفريقه القانوني وصلت إلى 230,000 دولار. وأملاً في الحيلولة دون انهيار القضية، تجده يحذر بيرس من أن المعركة القضائية دخلت مرحلة “حرجة”، ويخبره بأن المحامين المترافعين عن فهمي قد أوقفوا كافة الأعمال إلى أن تسدد أجورهم. شكا ويغلي قائلاً: “باتوا يماطلون في التواصل مع المحامين الكنديين المكلفين من قبل الجزيرة.”
في حزمة أخرى من المراسلات اطلع عليها موقع ميمو، يشكو ويغلي إلى بيرس من الأشخاص الذين ارتبط بهم فهمي أثناء رحلته إلى لندن في 2015.
وأعرب ويغلي عن مخاوف من أن محامي فهمي باتوا يسوفون ويضيعون الوقت لأنهم لم يتلقوا أتعابهم. وقال إنه يخشى أن ينجم عن مماطلتهم أن يستنتج فريق الدفاع عن الجزيرة أن فهمي لا يملك الدعم المالي الكافي لكي يستمر في القضية. وينقل ويغلي النصيحة التي تقدم بها محامو فهمي من أنه “من الأهمية بمكان عدم السماح لمحامي الجزيرة بالإحساس بما لديه من ضعف”.
كما يتم في الرسالة إخبار العتيبة عن الاجتماعات التي عقدها فهمي في بريطانيا بما في ذلك اللقاء الذي تم في “فرونتلاين كلوب” وحضرته أمل كلوني المحامية المتخصصة في حقوق الإنسان. ويقول لهم ويغلي إن كلوني استصغرت قضية فهمي على أساس أن “موضوع رخصة البث – والتي تعتبر جزءاً أساسياً من دفاعه – ليست سوى أمراً فنياً ضئيلاً”.
ويستمر ويغلي في إخبار بيرس عن اجتماعات فهمي في تورونتو ويخبره كذلك عن أن كندا “أقامت علاقات دبلوماسية وثيقة جداً مع إسرائيل.” ويبدو أن ويغلي ينوه بحقيقة أن شخصيات نافذة أخرى في كندا ترى فائدة كبيرة ترجى من قضية فهمي، محيطاً سبنسر علماً بأن فهمي كان قد دعي إلى مأدبة عشاء في منزل جيري شوارتز وهيذر ريسمان، الزوجين المعروفين بنفوذهما الكبير في كندا.
وهنا يوضح ويغلي بأن شوارتز وريسمان “من أغنى الأزواج في كندا” وأنهما “يهوديان ومعروفان بمناصرتهما لإسرائيل.” وذكر أن الزوجين “استجوبا” فهمي حول قضيته قبل أن يكشف أنهما “عرضا عليه بشكل شخصي دعمه مالياً حتى يتمكن من دفع رسوم المحامين”.
هذان الكنديان المليارديريان ليسا أي “مناصرين لإسرائيل”. فقد استخدما ثروتهما الهائلة لتشكيل مجموعات لوبي مناصرة لإسرائيل ومؤسسات توفر المنح للجنود الإسرائيليين “المنفردين” الذين يأتون إلى إسرائيل من الخارج للخدمة في جيشها انطلاقاً من التزام صهيوني عميق. فعلى سبيل المثال تصرف مؤسسة هيزيغ، التي أسساها في عام 2005، منحاً دراسية للجنود الأجانب الذين ينوون البقاء في البلاد.
يتكون برنامج “الجنود المنفردين” الذي يموله كل من شوارتز وريسمان من متطوعين أجانب يخدمون في الجيش الإسرائيلي والذي يقال إن تعدادهم بالآلاف. يتم توظيف كثير من هؤلاء المجندين الأجانب من قبل منظمات متطرفة وراديكالية في أوروبا. ويقال بأن كثيرين منهم قاتلوا في الخطوط الأمامية في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 وبأنهم نفذوا عمليات حماسية داخل الضفة الغربية.
ومع تزايد شكوكه حول التأثير السلبي للمعارض القطري على فهمي، أعرب ويغلي عن شكه حتى في أن الهيل هو الذي يكتب المقالات التي نشرت باسم فهمي في صحيفة نيويورك تايمز
وبينما لا تستطيع ميمو تأكيد ما إذا كان فهمي قد قبل الأموال التي عرضت عليه من قبل المليارديرية الكنديين المناصرين لإسرائيل، إلا أن رسائل الإيميل المسربة تثير مزيداً من علامات الاستفهام حول دوافع محمد فهمي الحقيقية لمقاضاة الجزيرة.
وقد ألقت هذه الأسئلة بظلال من الشك على قضيته منذ البداية وخاصة أن شبكة الجزيرة نظمت حملة عالمية دعماً لموظفها السابق، والتي كان من نتائجها تنبيه الرأي العام لحقيقة النظام الاستبدادي في مصر وتكللت بإطلاق سراحه في نهاية المطاف.
كانت الشكوك قد أثيرت في الصيف الماضي حول دوافع محمد فهمي بعد أن كشف النقاب عن تلقيه “قرضاً” ضخماً من العتيبة لتغطية تكاليف حملته القانونية ضد الجزيرة، حتى أن رسائل الإيميل نفسها تكشف عن أن فريق العلاقات العامة التابع لفهمي أبدى مخاوفه من أن يكون ذلك قد قوض معركته القانونية ضد الجزيرة.
وفي حزمة أخرى من المراسلات اطلع عليها موقع ميمو، يشكو ويغلي إلى بيرس من الأشخاص الذين ارتبط بهم فهمي أثناء رحلته إلى لندن في 2015. وبدا ويغلي قلقاً بشكل خاص تجاه ارتباط فهمي بخالد الهيل، المعارض القطري الذي يقيم في لندن. وتعبيراً عن مخاوفه قال ويغلي إن فهمي بات متيماً بهذا القطري، وبأنه نصح فهمي بعدم الاجتماع به.
ومضى ويغلي ليؤكد على الضرر الذي يمكن أن تصاب به قضية فهمي بسبب اتصالاته المتكررة مع الهيل. وقال ويغلي لسبنسر في رسالة إلكترونية أخرى محذراً: “لقد استمر فهمي في التواصل مع هذا القطري خالد الهيل الذي يدعي تزعمه للمعارضة”.
ومع تزايد شكوكه حول التأثير السلبي للمعارض القطري على فهمي، أعرب ويغلي عن شكه حتى في أن الهيل هو الذي يكتب المقالات التي نشرت باسم فهمي في صحيفة نيويورك تايمز. ويبدو من رسالته أنه خلص إلى أن المقال الذي كان فيه فهمي شديد الانتقاد لقطر إنما كتبه له الهيل لأن “فهمي لا يملك المهارات الكتابية التي يمكن أن تنتج مثل هذا المحتوى”.
ترجمة وتحرير:عربي21
المصدر: ميدل إيست مونيتور