سيرًا على المنهج الذي قامت من أجله في موالاة الحكومة القائمة وحزب السلطة، جدّدت المنظمة الوطنية للزوايا الطرقية الصوفية في الجزائر دعمها المطلق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ودعوته للترشح لولاية رئاسية خامسة في 2019، رغم مرضه الذي يُعيقه عن ممارسة صلاحيته في قصر المرادية، مؤكدة أنها تساند بوتفليقة منذ سنة 1999، وستقف إلى جانبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن التفكير في غيره لتولي رئاسة البلاد حرام.
تولي شخص آخر غير بوتفليقة الرئاسة حرام
في تصريحات نقلتها مواقع محلية في الجزائر، مؤخرًا، قال عبد القادر باسين رئيس المنظمة الوطنية للزوايا الطرقية (أكبر تجمع للطرق الصوفية في الجزائر)، إن المنظمة التي يقودها تحضر لإنشاء قطب سياسي لدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبرنامجه، والاتصالات جارية مع عدة أطراف من أجل تأسيس هذا القطب الذي سيضم إضافة إلى الزوايا مثقفين وأحزابًا سياسية وجمعيات ومنظمات، وكل الذين يؤيدون ويدعمون الرئيس بوتفليقة وبرنامجه.
وأوضح رئيس المنظمة، أن الزوايا الطرقية كانت وما زالت تدعم الرئيس بوتفليقة، وذلك منذ وصوله للرئاسة سنة 1999، وكانت من الأوائل الذين طالبوا بترشحه إلى ولاية رئاسية رابعة سنة 2014، ولا تزال تراه قادرًا على مواصلة الحكم، ولذلك تدعوه للترشح لولاية خامسة في 2019.
اتّهم باسين المشكّكين في قدرة الرئيس بوتفليقة على القيام بمهامه بشكل طبيعي بالمزايدة
ولم يكتف المسؤول الأول عن الزوايا الطرقية في الجزائر بهذه، بل شدّد في كلامه على أن التفكير في شخص آخر لتولي الرئاسة حرام، لأن الزوايا مرتبطة بعقد أخلاقي مع الرئيس بوتفليقة، ولا يمكنها أن تخونه أو تتراجع عنه.
واتّهم باسين المشكّكين في قدرة الرئيس بوتفليقة على القيام بمهامه بشكل طبيعي بالمزايدة، حيث قال: “الذين يشككون في قدرات الرئيس الصحية هم أشخاص لا شغل لهم، في حين أن الجميع رأى كيف أن الرئيس يقوم بمهامه بشكل عادي، بدليل أنه قام بعدة نشاطات في الاحتفالات بذكرى اندلاع الثورة الأربعاء الماضي، كما أنه يستقبل الضيوف الأجانب ويتابع تسيير شؤون البلاد”.
قوة سياسية واجتماعية
تمثّل الزوايا إحدى أهم القوى السياسية والاجتماعية في الجزائر، نظرًا لتأثيرها الذي يفوق تأثير الأحزاب السياسية، وقدرتها على تغيير نتائج الانتخابات خاصة في المناطق الريفية، ويتجاوز تأثير الطرق الصوفية والزوايا في الجزائر الاعتماد عليها لتدريس القرآن، إلى اعتبارها قوة سياسية لها دور كبير في رسم السياسة الداخلية للبلاد.
وعرف دور الزوايا الديني والسياسي في الثمانينيات والتسعينيات بعض الفتور، إلا أن وهجها عاد مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، حيث استند بوتفليقة إلى الطرق الصوفية في فترة حكمه واعتمد عليها في الدعوة للوئام المدني والمصالحة الوطنية بعد العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، مستغلًا تأثيرها المجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والأرياف، بهدف استتباب الأمن وعودة الاستقرار للبلاد، حيث لا تزال هذه الطرق الصوفية تحظى بتأثير كبير عند الناس.
لم تعد الطرق الصوفية في الجزائر تقتصر فقط على تعليم القرآن وأصول الدين والعقيدة، بل تعدى الأمر إلى استغلالها وتوظيفها كورقة في المعترك السياسي، فقد أصبح الوزراء والمسؤولون في الجزائر يهتمون كثيرًا بزوايا الطرق الصوفية ويقدرون دورها، حتى إن أغلب السياسيين اليوم نجدهم على صلة كبيرة بشيوخ الطرق الصوفية لما تقدمه هذه الأخيرة من دعم كبير في أثناء الحملات الانتخابية خصوصًا.
سبق أن استعمل الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، الطرق الصوفية لإخضاع بعض المناطق الثائرة ضد جيوش الاحتلال
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الطرق الصوفية تلعب دورًا سياسيًا كبيرًا لصالح السلطة وأحزاب الموالاة، وبرز ذلك من خلال دورها في تأهيل بعض الشخصيات السياسية وإضفاء قيمة دينية عليها وتطهيرها من ماضيها مثلما حدث لوزير الطاقة شكيب خليل الذي كان متهمًا منذ أغسطس/آب 2013 بقضايا فساد في الشركة الجزائرية للمحروقات (سوناطراك) لكنه نجح في “تبييض” صورته عبر زوايا الطرق الصوفية التي تعاطت معه على أساس أنه كفاءة وطنية مظلومة، إضافة إلى لعبها دورًا في الانتخابات لصالح الأحزاب السياسية الموالية للرئيس بوتفليقة.
وسبق أن استعمل الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، الطرق الصوفية لإخضاع بعض المناطق الثائرة ضد جيوش الاحتلال واستمالة المنتمين للطرق الصوفية نحو صفه من أجل محاربة المقاومة الشعبية، وهو ما دفع ببعض الطرق إلى أن تكون ضد الأمير عبد القادر ورموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي.
قدرة على التعبئة
اهتمام ساسة الجزائر بالطرق الصوفية يرجع إلى تمتّع هذه الطرق بقدرة كبيرة على التعبئة الجماهيرية خصوصًا في المحافظات الداخلية والجنوبية، وذلك لأن المواطن الجزائري نفسه “لا يزال ينشد الولاء لهذه الزوايا والطرق الصوفية وهو الأمر الذي يستغله السياسيون بمنطق شراء الأصوات والتبرك”، حسب عديد من المتابعين.
وتعتبر السلطات الجزائرية مشايخ الزوايا من الأعيان والشخصيات الواجب التحكم فيها للحفاظ على التوازن والسيطرة على المجتمع، ولم يفوت رئيس البلاد بوتفليقة حضور جنازة الشيخ “محمد بلكبير” الذي توفي سنة 2000 وعرفت الجنازة حضور الآلاف من العامة وتلامذته، والزوايا في الجزائر تسمى أيضًا المحاضر وهو جمع محضرة، وفي العادة تتكون الزاوية من 3 أجزاء: مدرسة قرآنية صغيرة ومسجد للصلاة ومكان إقامة تخصص لإيواء التلاميذ القادمين من مناطق بعيدة.
وتشتهر الجزائر بأنها إحدى البلدان العربية التي تعرف انتشارًا واسعًا للزوايا أو المدارس الدينية الصوفية، ويزيد عددها على 1600 زاوية، أشهرها زوايا سيدي أحمد التيجاني، نسبة لأبي العباس التيجاني وتتمركز قيادة هذه الطريقة الصوفية في منطقة الأغواط وسط الجزائر، وتنتشر في ربوع الساحل الإفريقي ودول النيجر ومالي والسنغال حتى وسط إفريقيا.
وهناك أيضًا الطريقة الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي وتنتشر في منطقة وسط الجزائر، والطريقة القادرية التي تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي وانتشرت في مناطق غرب الجزائر، والطريقة الرحمانية نسبة إلى محمد بن عبد الرحمن الأزهري وكانت تعتبر من أكثر الطرق انتشارًا في الجزائر في أثناء الحقبة الاستعمارية، والطريقة البلقايدية التي أسسها محمد بلقايد في تلمسان قرب الحدود مع المغرب، إضافة إلى طرق صوفية عديدة أخرى مثل الشيخية والدرقاوية والهبرية والزيانية والوزانية والشابية.