تتواصل في تونس المساعي والخطوات الحثيثة من قبل بعض الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية لعزل حركة النهضة الإسلامية واقصائها من الساحة السياسية في البلاد، وافتكاك مقاليد الحكم منها، وإن كانت بسيطة.
آخر هذه المساع، تشكيل جبهة برلمانية جديدة تحمل اسم “الجبهة البرلمانية التقدمية الوسطية”، جبهة تسعى حسب قياداتها إلى إعادة التوازن في البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة حسب قولهم وأخذ سلطة القرار منها، فهل تفلح هذه الجبهة البرلمانية الجديدة فيما فشل فيه من سبقها؟
تأسيس الجبهة “موحّدة”
رغم الاختلافات الحاصلة بين بعض مكوناتها في بعض المواقف والتوجهات، أعلن نواب تونسيون عن تأسيس جبهة نيابية جديدة تضم نواباً من مختلف الكتل باستثناء كتلة حركة “النهضة”، بهدف “العمل على إعادة التوازن البرلماني بتوحيد المواقف والرؤى داخل البرلمان من أجل إضفاء نجاعة على العمل الاشتراعي والرقابي وكل ما يتعلق بالهيئات الدستورية ومسار استكمال بناء مؤسسات الجمهورية الثانية.
يأتي تشكيل هذه الجبهة البرلمانية الجديدة في تونس في وقت يستعدّ فيه البرلمان التونسي لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة، وقانون المالية للعام 2018 المثير للجدل
وتضم هذه الجبهة النيابية 43 نائباً (من أصل 217) ينتمون إلى أحزاب “مشروع تونس” الذي يقوده محسن مرزوق و “آفاق تونس” الذي يتزعمه ياسين ابراهيم و “الكتلة الوطنية” (نواب مستقلين من كتلتي حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس) إضافة إلى نواب من حزب “نداء تونس” العلماني الحاكم، وذلك رغم موقف الحزب الرافض لهذه الجبهة التي تهدده بمزيد الانقسام وإضعاف كتلته النيابية.
ويأتي تشكيل هذه الجبهة البرلمانية الجديدة في تونس في وقت يستعدّ فيه البرلمان التونسي لمناقشة مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة، وقانون المالية للعام 2018 المثير للجدل، حيث ارتفعت الأصوات الحزبية والاجتماعية الرافضة له، والتي شملت حتى أحزاب الائتلاف الحاكم، ومنها حركتي النهضة ونداء تونس اللتان انتقدتا هذه الإجراءات التي تضمنها هذا القانون. بالإضافة إلى مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين وحاملي السلاح الذي تم إيداعه بمكتب البرلمان منذ 13 أبريل 2015، وذلك بعد تعطل بسبب احتدام الجدل بشأنه والرفض الكبير الذي يواجهه من قبل قوى مدنية وحزبية عديدة باعتباره مقدمة لتقنين انتهاك الحقوق والحريات، وضربا لجوهر الدستور.
أهداف علانية
في بيان تأسيسها الذي وزعوه أمس الخميس، قال النواب المشاركون في هذه الجبهة البرلمانية، إن تأسيس هذه الجبهة جاء “بناء على تشخيص دقيق للوضع السياسي والبرلماني في البلاد الذي يتسم بفقدان التوازنات السياسية التي أفرزتها نتائج انتخابات 2014”.
البرلمان التونسي
وشدد الموقعون على وثيقة التأسيس على أن “الجبهة البرلمانية الوسطية التقدمية” تهدف إلى العمل على إعادة التوازن البرلماني بتوحيد المواقف والرؤى داخل البرلمان من أجل إضفاء النجاعة على العمل التشريعي والرقابي وكل ما يتعلق بالهيئات الدستورية ومسار استكمال بناء مؤسسات الجمهورية الثانية.
كما تهدف أيضا إلى العمل من أجل تحقيق الاستقرار السياسي بما يسمح بالإسراع في إصلاحات اقتصادية واجتماعية عاجلة تحقق انتظارات الشعب في التنمية والشغل، وضمان استمرارية حرب الدولة على الفساد ودعم مجهودات مؤسساتها لإنجاح هذه الحرب على أساس الشفافية والشمولية.
معارضة النهضة
لئن لم يرد اسم حركة النهضة في البيان التأسيسي لهذه الجبهة البرلمانية الجديدة، يؤكّد عديد المتابعين أن هذه الجبهة جاءت لمعارضة النهضة (69 مقعدًا) وسياساتها، باعتبار أن قياداتها أكّدوا أن المشاورات مفتوحة مع الجميع باستثناء حركة النهضة.
المشاورات حول الجبهة الجديدة بدأت بين حزبي “آفاق تونس” و”مشروع تونس” وبعض نواب “نداء تونس” منذ العام الماضي إلا أنها لم تتوج بالنجاح
وسبق أن أوضحت رئيسة كتلة آفاق تونس، ريم محجوب، في حديث صحافي، أن “الجبهة البرلمانية لن تضم كتلة النهضة، بل تأتي في إطار مسار انطلق فيه آفاق تونس منذ مدة”، في إشارة إلى مبادرة تشكيل جبهة جمهورية مؤلفة من كل كتل الائتلاف الحاكم باستثناء كتلة حركة النهضة.
يذكر أن المشاورات حول الجبهة الجديدة بدأت بين حزبي “آفاق تونس” و”مشروع تونس” وبعض نواب “نداء تونس” منذ العام الماضي إلا أنها لم تتوج بالنجاح، ويأتي ذلك بعد أشهر من إخفاق “جبهة الإنقاذ” الجديدة التي أعلن كل من “مشروع تونس” و”الاتحاد الوطني الحر” وأحزاب أخرى عن تشكيلها لإعادة التوازن السياسي في البلاد، قبل أن يقوم الحزبان المذكوران بالانسحاب منها لاحقا.
نداء تونس تتملّص
بعد ورود اسم إحدى النواب عن حركة نداء تونس ضمن القائمة المؤسسة لهذه الجبهة، سارع حزب «نداء تونس» عبر كتلته البرلمانية ومكتبه التنفيذي إلى نفي أي علاقة له بالجبهة البرلمانية الجديدة، متوعدًا بفصل من ينتمي لها من نوابه، حيث أصدر المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي بيانا أكد فيه أن الحزب “لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذا المشروع، وتنبه حركة نداء تونس إلى أن مواقفها الرسمية هي فقط ما تصدر في بلاغاتها الممضاة من مديرها التنفيذي”.
ونبهت الحركة إلى أن “مواقفها الرسمية هي فقط ما يصدر في بلاغاتها الممضاة من مديرها التنفيذي” وأن “كل من يمضي من نوابها مع مشروع المبادرة المذكورة يعتبر في حل من أي ارتباط سواء بكتلة نداء تونس أو بالحزب عملا بمقتضيات الانضباط التنظيمي والمحافظة على وحدة الحزب وكتلته البرلمانية”.
من جانبه قال رئيس كتلة نداء تونس في البرلمان سفيان طوبال إنه لم يقع الاتصال بكتلة النداء للمشاركة في الكتلة البرلمانية الجديدة التي يتم الحديث عنها، مضيفا “كل ما حدث هو تصرف فردي لأنس حطاب، والنواب الذين وقعوا على المشاركة في هذه الكتلة لم يكونوا على علم بل ظنوا أنها مشاركة في المشاورات لا غير”.
انسحب حزب الاتحاد الوطني الحرّ من مشاورات تشكيل هذه الجبهة، وقال الحزب حينها إن لـ “آفاق تونس” أهدافه الخاصة
وشدد في تصريحات إذاعية محلية على أنّ النواب الذين وقعوا على الكتلة قد اتصلوا بأنس حطاب لسحب إمضاءاتهم، وتابع “نستنكر ظهور جبهة مماثلة في هذا الوقت وقبيل المصادقة على مشروع قانون المالية 2018، لأنّها تتسبّب في إشكاليات صلب البرلمان”، وأضاف “هذه الجبهة وُلدت ميتة ونحن نعرف من يقف وراءها، هذه أجندة لطرف سياسي بصدد التقهقر ويسعى إلى العودة إلى المشهد السياسي بعد فشله في تكوين جبهات سياسية سابقا”.
تلميع صورة محسن مرزوق
إلى جانب معارضتها لحركة النهضة، يرى متابعون أن هذه الجبهة تهدف في جزء منها إلى تلميع صورة الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق وإعداده للاستحقاق الانتخابي المقبل وتمكينه من موقع هام في المشهد السياسي في تونس. وفي وقت سابق انسحب حزب الاتحاد الوطني الحرّ من مشاورات تشكيل هذه الجبهة، وقال الحزب حينها إن لـ”آفاق تونس” أهدافه الخاصة، كونه مرّ في مراحل صعود وهبوط في موقعه الحكومي، من دون الخروج منها ولا العثور على موقع مريح في التموضع السياسي، مع مواصلته البحث منذ أشهر عن صيغ وتحالفات”.
يطمح محسن مرزوق إلى السلطة مجددًا
وتسعى هذه الجبهة إلى الاعداد لمرحلة 2019 وتمهد الطريق لما فشلت فيه في 2014، أي توحيد القوى الحزبية ضد “النهضة”، وتهيئة أرضية جديدة يمكن الاستناد عليها برلمانياً وسياسياً، وهو الهدف الذي تأسس عليه حزب “مشروع تونس” بزعامة محسن مرزوق. ويطمح محسن مرزوق إلى الرجوع مجددًا إلى الساحة السياسية في البلاد بعد أن خرج مبعدًا من حركة نداء تونس بعد أن سحب بساط الزعامة من تحت أقدامه بعد أن تأكد “دساترة” النداء أن مرزوق غلبته “الأيديولوجيا” وعاد إلى فكر الإقصاء.